تركت 5 أبناء و25 حفيداً واحتفظت بذاكرتها الحديدية حتى لفظت أنفاسها الأخيرة

ورحلت الحاجة زينب بعد 100 عام من العطاء

كل أم.. حكاية
كل أم.. حكاية

كتب: حازم نصر

فى هدوء ووداعة، وفى لحظة إيمانية تتسم بالصفاء الروحانى لقيت ربها راضية مرضية، الابتسامة وعلامات الرضا تكسو وجهها حتى لحظة الموت، فهى لم تفارقها طوال عمرها الذى بلغ قرابة قرن من الزمان، استعدت  لصلاة الفجر بتلاوة آيات من القرآن الكريم وترديد أذكارها اليومية، وبعد الصلاة صعدت روحها الطاهرة لبارئها فى فجر يوم جمعة مشهود، وخرج أبناء قريتها والقرى المجاورة عن بكرة أبيهم ليكونوا فى وداعها لمثواها الأخير، وكل منهم يسترجع السيرة العطرة لتلك الأم البطلة التى رحلت مع قرب احتفالنا بعيد الأم لتصبح أيقونة الاحتفال به هذا العام.

الحاجة زينب مصطفى الملاح، ابنة قرية منية سندوب، مركز المنصورة، سيدة وأم مصرية أصيلة عشقت تراب هذا الوطن، وبرهنت على حبها بهذا التصرف الفطرى التلقائى عندما انتزعت قرطها الذهبى، وهو كل ما تملكه، بعدما تجاوزت الـ 90 عامًا لتتبرع به لصالح صندوق تحيا مصر.. الحاجة زينب لم تتردد لحظة واحدة  فى قرار التبرع، ورغم أنها كانت قد فقدت بصرها لكنها لم تفقد وعيها وتركيزها وإدراكها حتى أنفاسها الأخيرة.

نعاها الرئيس عبدالفتاح السيسى، بكلمات مؤثرة، عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» قائلًا: «أنعى بمزيد من الحزن والأسى السيدة زينب مصطفى التى وافتها المنية فى هذا اليوم المبارك، هذه السيدة الفاضلة التى ضربت المثل العظيم فى الوطنية والانتماء والوفاء لبلدها حين تبرعت بقرطها الذهبى لصندوق «تحيا مصر»، رحم الله الحاجة زينب وغفر لها، فقد كانت خير نموذج للمرأة المصرية، وما تقدمه طوال الوقت من دروس وعِبر فى التجرد والتضحية بأغلى ما لديها فداء لوطنها».

وكان الرئيس السيسى، قد استقبل الحاجة زينب، بقصر الاتحادية، بعد تبرعها بقرطها الذهبى، فى لقاء إنسانى نادر، وأصر أن يتوجه لاستقبالها بنفسه، واحتفى بها احتفاءً كبيرًا، وتصادف أن يكون ذلك فى آخر أيام شهر رمضان، حيث قابلها الرئيس بحميمية شديدة، ولم تصدق الحاجة زينب نفسها بأنها مع الرئيس، ورفعت يدها خلال اللقاء إلى السماء بدعوات صادقة: «الله ينصرك على من يعاديك.. الله يحميك من كل المجرمين.. الله يسترك دنيا وآخرة.. الله يعينك على اللى أنت فيه.. الله وياك ويحفظك».

ورد عليها الرئيس: «.. ويحمى مصر وشعبها العظيم»، فتقول الحاجة زينب: «طبعًا ويحمى مصر.. وتسترسل لقد ذهبت لانتخابك رغم ظروفى وكنت سعيدة إن الشعب فاهم وواعى ومن يومها وأنا بدعيلك بعد صلاة الفجر، وبدعى لمصر إن ربنا يحميها ويحفظها ويحميك ويحفظك».

وفى نهاية هذا اللقاء الإنسانى النادر، قرر الرئيس أن تقوم الحاجة زينب بالحج على نفقته الخاصة، قائلا لها: «هتحجى على نفقتى، وليس على نفقة الدولة وتبقى تدعى لمصر فى الحرم المكى وعند سيدنا النبى إن ربنا يحفظ مصر ويحميها».

وبعد هذا اللقاء، أكدت الحاجة زينب أن هذا اليوم كان أسعد أيام حياتها وقالت: «شعرت فعلا بأن الرئيس السيسى هو ابنى الذى لم ألده وتمنيت أن يقتدى به شباب مصر فى صدقه وإخلاصه ودماثة خلقه»، وأكدت أنها دائمة الدعاء لمصر وللرئيس يوميا لأن مصر بلد عظيم ولن تتأثر بأكاذيب وادعاءات جماعات الإرهاب ومن على شاكلتهم.

الحاجة زينب عاصرت الملك فؤاد والملك فاروق وكل رؤساء مصر كما عايشت كل أحداث مصر الجسام وظلت ذاكرتها الحديدية محتفظة بها لآخر لحظة فى حياتها، وهى أم مصرية لها 5 أبناء 2 ذكور و3 إناث هم السيد والدسوقى وشربات وأمينة وزينب، كما أن لها 25 حفيدًا وحفيدة جميعهم ورثوا عنها حب الوطن والكفاح من أجل لقمة العيش والإخلاص فى كل عمل يقومون به .

ابنها البار الدسوقى على خليل، والذى لم يتركها لحظة واحدة، وكان برفقتها خلال استقبال الرئيس السيسى لها، يؤكد أن أمه الحاجة زينب واصلت رحلة كفاحها فى الحياة بعد وفاة زوجها، ولم تتبرم أو تفقد رباطة جأشها بعد أن فقدت بصرها منذ حوالى 30 عامًا بل واصلت عطاءها حيث كانت تعيش فى حجرة بسيطة بها ضرورات الحياة، ورغم بساطة حجرتها إلا أنها كانت منظمة ونظيفة وكان أحفادها والراديو الصغير بجانبها وسيلة تواصلها مع المجتمع الخارجى، ولم ترد يوما سائلا من جيرانها طلب منها مساعدة فى حدود إمكانياتها المتواضعة، ومن هنا كان حب أبناء قريتها الجارف لها، وقال :«رغم ضيق ذات اليد كانت تجود بما معها مهما كان بسيطًا».

أما ابنتها أمينة فتؤكد أنه بعد عودة أمها من أداء فريضة الحج على نفقة الرئيس السيسى، فتحت أبواب غرفتها لحل المنازعات التى كانت تنشب أحيانًا بين بعض أبناء القرية أو المنازعات والمشاحنات الأسرية، وكانت كلمتها نافذة لأطراف المنازعات حيث كانت أما للجميع وتتسم بالحكمة والحسم فى فض أى نزاع، وتضيف :«لقد لقيت ربها كما كانت تتمنى بعد صلاة فجر الجمعة وكانت آخر كلماتها دعاءها المعتاد عقب كل صلاة اللهم احفظ مصر وشعبها ورئيسها».

وتؤكد ابنتها شربات، أن خروج أبناء القرية لوداعها لمثواها الأخير لم يأت من فراغ، وإنما جاء نتيجة استشعار أبناء القرية لقيمة هذا الرمز الإنسانى لسيدة عاشت بينهم قرابة قرن من الزمان كانت خلاله بمثابة الأم لهم ونموذجًا للمرأة المصرية المكافحة التى ظلت حتى الرمق الأخير تبذل كل ما فى وسعها وهى تثق فى أن راية وطنها ستظل مرفوعة وأن مستقبل هذا الوطن فى أيدٍ أمينة، وكأنها كانت تقرأ المستقبل، وهى تقول لنا: «ما تخافوش مصر هتفضل محروسة ومحفوظة من المولى عزل وجل وولادها هيفضلوا سندها وعمرهم ماهيسمحوا لحد يقرب منها وهتفضل فى أمان ليوم الدين» .

سامية عبد الخالق، بالتربية والتعليم، تؤكد أن الحاجة زينب كانت بالنسبة للمنطقة كلها بمثابة الأم والجدة، وكانت تتسم بالبشاشة طوال الوقت حتى فى أحلك الظروف، وتضيف أنها كانت الملجأ لنا جميعا كل من يحتاج مشورة صادقة كان يلجأ لها وكانت آراؤها صائبة دائما لذا حتى أمس كنا نقوم بزيارتها والاستماع إليها.

الشيخ وائل بيبرس، المفتش بأوقاف الدقهلية، يؤكد أن الحاجة زينب كانت نعم الجارة  فلم يعل صوتها يوما ولم تتلفظ بكلمة نابية، كما كانت تتسم بالتقوى والصلاح وكلما قمت بزيارتها أجدها صائمة وتتلو آيات من القرآن.

مها عبد المقصود، المحامية، تشير إلى أن الحاجة زينب لم تتبرم يوما من جارة لها وكانت إذا سمعت عن مشكلة بين جارتين تتدخل لحلها دون طلب من أحد، وعلى الإجمال كانت بمفردها بمثابة مؤسسة خيرية بالمنطقة لنشر روح التسامح والحب بين الجميع.

وهذا ما يؤكده حفيدها محمود بأنها قد أوصتهم جميعا بالحفاظ على صلة الود مع الجيران والأقارب وسنسعى لتنفيذ وصيتها.، مشيرا إلى أن جميع أبناء القرية كانوا يحترمون كلمتها ويقدرون خطواتها فى السعى الدائم والمتواصل لعمل الخير.

ويؤكد حفيدها محمود بأنها قد أوصتهم جميعا بالحفاظ على صلة الود مع الجيران والأقارب وسنسعى لتنفيذ وصيتها.