نهار

يوسعون المدى...

عبلة الروينى
عبلة الروينى

جدران المكاتب الجديدة فى الجريدة، أشبه بالفواصل، أو القواطع المفتوحة من أعلى، بما يسمح بالتخاطب أحيانا من وراء الجدران، والنداء بصوت مرتفع أو صوت خفيض.. وكان زميلى فى حجرة المكتب المجاورة، بدر أدهم رئيس قسم الشئون العربية بالجريدة (رحمه الله) بمجرد أن يدخل مكتبه فى الصباح، حتى يعلو صوته مناديا (الفطار يا محمود).. وبمجرد أن يأتى محمود بالفطار الوليمة، حتى يعلو صوت بدر أدهم مرة أخرى، مناديا على كل الزملاء فى المكاتب المجاورة والقريبة، يا على يا عبلة.. يا ثناء.. يا مازن، وكل الزملاء، موجودون فى مكاتبهم، أو غير موجودين... يستجيب البعض مرة، ويعتذر البعض مرات، ونشكره دائما.. ثم نعتاد النداء صامتين.. سنوات لم يكف بدر أدهم يوما عن النداء، ولا عن دعوة الجميع لمشاركته الإفطار..... نفس ما كان يفعله، قبل سنين أبعد، والد القاص الراحل محمد حسان.. كان يصر على تناول طعامه صباحا ومساء على «طبلية» تضعها زوجته فى مدخل البيت المفتوح على الشارع، فى أحد الأحياء الشعبية بالإسكندرية... ما أن يجلس إلى الطبلية، وقبل أن يبدأ طعامه، ينادى على المارة فى الشارع (باسم الله).. مع كل لقمة يتناولها، يسبقها نداء ودعوة ملحة لمشاركته الطعام... أحيانا لا يكون هناك مارة فى الشارع، وفى الأغلب لا يأتى أحد.. لكن عم حسان لا يكف عن النداء...
لم أعرف والد محمد حسان، ولم أره يوما، لكنه أحد من يسكنون ذاكرتي، كما يسكنها بدر أدهم، وكل أصحاب النداء برحابتهم وقلوبهم الممدودة بالعطاء والتواصل... يفسحون الطريق، ويوسعون المدى مع صوت فيروز (من كتر ما ناديتك... وسع المدى)..