في التجربة الخامسة مع المؤلف.. ماذا يفعل بنا يحيى الفخراني في «نجيب زاهي زركش»؟

الفنان يحيى الفخراني
الفنان يحيى الفخراني

كتب: ‭ ‬خالد‭ ‬محمود

ترى ماذا سيفعل بنا الفنان يحيى الفخراني في مسلسله الجديد "نجيب زاهى زركش"، الذي يترقبه الجمهور بشغف كبير، بعد غيابه عن الدراما عامين، رغم تعود المشاهد وهو يتابع مارثون شاشة رمضان أن يعيش حالة خاصة مع نفسه بفعل "إبداع الفخراني"، وربما يعيد ترتيب أوراق وحسابات حياته كلها وهو يشاهده مجسدا شخصية تستلهم حوارها من أيامنا وتطوف صورتها إرجاء دنيتنا ماضيها وحاضرها وقادمها.

 

الفنان الكبير يحيى الفخرانى يواصل حاليا تصويرالمشاهد الأخيرة من "نجيب زاهى زركش"، وقد أوشك فريق العمل على الانتهاء من التصوير، بعد تصوير حوالى 90% من الأحداث، لحرص الفخرانى على أن يبدأ مبكرا حتى لا تكون هناك مشاهد متبقية خلال شهر رمضان، ويقوم حاليا المخرج شادى الفخرانى بعمل مونتاج ومكساج حلقات المسلسل أولا بأول لتسليم الحلقات الأولى للجهة المنتجة.

المسلسل الذى تنتجه "سينرجى"، يجسد التعاون الخامس بين الفخرانى والسيناريست الكبير عبدالرحيم كمال، بعدما كونا ثنائيا ناجحا فى مسلسلات "شيخ العرب همام" عام 2010، و"الخواجة عبدالقادر" 2012، و"دهشة" 2014، و"ونوس" 2016 الذى كان آخر تعاون بينهما، وقد تمنى كمال مواصلة النجاح.

كمال فى حديثة عن التجربة الجديدة، بين أنها ليست صعيديا، لكن تدخل منطقة مختلفة تبث البهجة فى نفوس البشر حيث تدور الأحداث فى إطار كوميدى اجتماعى، ويضم مجموعة كبيرة من الفنانين منهم أنوشكا وشيرين ورنا رئيس ونهى عابدين وكريم عفيفي، وسامح سليم، ورامز أمير، وإسلام إبراهيم، وهالة فاخر،وفتوح أحمد، وعبدالرحيم حسن، وعصام توفيق، لينتظر المشاهد ما فى جعبة "الممثل المبدع" من كوميديا بعيدا عن تجربته فى مسلسل "حماده عزو".

الفخرانى عاش خلال العامين الماضيين مع تحفة شكسبير مسرحية "الملك لير" الذى تأثر به كثيرا،حيث يرى أن وليم شكسبير كان عظيمًا وعبقريًا، وتكمن عبقريته إنه فى عز تراجيديا الملك لير جعل المتلقى فى حالة ضحك قوي، وتلك هى المعادلة الصعبة التى يمنى النفس أيضا فى تكرارها فى "نجيب زاهى زركش".

الفخراني، أراد الاستمرار فى نهج "الغموض الثري" مع جمهوره ومتابعيه، خلال حديثه عن التجربة، التى وصفها بأنها "تحد جديد له فى الدراما التليفزيونية"، رافضا الحديث عن تفاصيل الشخصية لمنح الجمهور فرصة الحديث عنها خلال مشاهدتها، وخلق حالة الجدل "الإبداعية"، التى يحرص عليها دائما فى أعماله، مؤكدا حماسه للتجربة.

فيما سيجسد دور محام ولديه 4 أبناء يحقدون عليه بعد وفاة زوجته، التى تجسد دورها هالة فاخر التى تموت فى الحلقة الأولى من المسلسل.

الواقع يشير إلى أن الفخرانى مثل نقطة تحول فى تصور الدراما المصرية لصورة البطل، الذي لا يقدم سوى أدوار يكون مقتنعا تماما بها، ويدرس أبعادها النفسية والاجتماعية بدقة شديدة، والمتابع لرحلته مع أعمال المؤلف عبدالرحيم كمال يدرك أنها رحلة مختلفة فى إبداعها وعمقها، يزلزلنا أداؤه..صوته.. نظراته.. حركاته.. التى تشكل فى النهاية أقسى درجات دراما الحياة.. ليس بمفهومها التقليدى من صراع بين الخير والشر، دراما صادقة نتيجة خياراتك فى الدنيا.

تجربة الفخرانى فى "دهشة"، دعت المتابع يشكل الملامح الأولى لـ"الباسل أحمد الباشا"، وسرعظمتها، لتبدو مثل الدنيا ساعاتها الأولى هادئة، وحنونة، لكنها مع مرور الزمن تكشف عن وجه آخر يعكس كل مفردات الغدر والحيرة، ليسجل لنفسه "سحرا جديدا"، بعيدا عن شخصيته التى جسدها فى مسرحية "الملك لير".

يحيى الفخرانى فى مسلسل  "دهشة"

الفخرانى فى "الملك لير"، قدم الشخصية فى شكل رائع فاق بكثير نجوم عالميين قدموها من قبل، ومنذ تلك اللحظة وتعيش مأساة لير بداخل نجمنا، متأثرا بمصيره، بعد محاولته إسعاد من حوله، وهو لا يدرى أنهم سيجعلونه أتعس رجل فى العالم.

المعروف أن قصة لير أو الباسل تدور حول الرجل الذى يوزع ثروته على ابنتين من بناته الثلاث، وهو على قيد الحياة، لكنه يفاجأ بعقوقهن وتخليهن عنه بعدما نالت كل واحدة نصيبها من الثروة، والحكاية هنا صاغ لها السيناريو والحوار عبدالرحيم كمال فى رؤية درامية عميقة مشوقة فى تطرقها إلى طمع النفس وجحود الأبناء، وبالطبع جاءت الصورة موحية تماما بفضل رؤية ذكية لشادى الفخرانى الذى شرب من واقعية فن الأب النجم والبطل.

بطلنا كان يحاول بأدائه أن يطرق باب الروح بيد شابها فيض من المشاعر، تتقلب بين جنة ونار، لا تعرف إلى أين المصير، حيث تتمحور الأحداث حول الحب والسلطة، وهل يمكن أن يجتمعا معا، فالأب الذى يمثل السلطة كان يبغى حب بناته الثلاث، وكان هناك خطأ درامى رئيسى هو محاولة إبراز العلاقة بين العقل والقلب والسلطة أيضا، وهل عندما يتحكم العقل يكون القلب فى أمان وحينئذ لا أهمية للسلطة؟.

الباسل فى مسلسل "دهشة" فتح باب الحياة بمنوالها هذا على مصرعيه عندما منح ثروته لابنتيه رابحة (حنان مطاوع) التى تسعى لتلك الثروة، ونوال (سماح السعيد) بينما يرفض أن يمنح ابنته الثالثة نعمة (يسرا اللوزى) أى شىء من ثروته رغم أنه يحبها كثيرا، لذلك تمردت عليه وتزوجت من ابن أخيه رغما عنه، ليؤكد الفخرانى أنه مازال بداخله طاقة ملهمة وموحية.

وفى مساسله الآخر مع عبدالرحيم كمال "ونوس"، تساءلت ماذا يريد أن يفعل بنا هذا الـ"ونوس" فى رحلة الشك واليقين، الإيمان واللا إيمان، هذه المرة نقف أمام يحيى الفخرانى الذى بات يفلسف التمثيل ويحول التشخيص إلى تساؤلات مؤرقة.

خلال "ونوس" أثار الفخرانى فى عقول المشاهدين أفكارا وتساؤلات حول أنفسهم، فى مقدمتها: هل تؤمن بنفسك.. بقدرك فى هذه الدنيا أم لا، هل تدع الشيطان الذى بداخلك ينتصر عليك، ويتلاعب بحياتك وتسمح له ان يتسلل ليصبح جزءا من دمك؟!.. ليجيب هو أيضا: "لكل منا ظل شيطانى يظهر فى لحظة الضعف، هذه حقيقة، تشعر بها عندما تتوه منك الدنيا، وتشعر بدوار الزمن".

"أنت مؤمن ياعم ونوس؟" سأل الشاب نبيل عم ونوس ــ تلك الشخصية التى ظهرت فجأة فى حياة أسرة "انشراح" كطيف يخبرهم بأن أباهم ياقوت الذى تركهم من عشرين عاما مازال على قيد الحياة، وأنه يعرف مكانه ويملك ثروة كبيرة ــ ونوس أجاب عن سؤال نبيل وهو ينظر فى عينه: "نعم مؤمن.. مؤمن جدا بنفسى وأول طريق الإيمان أن تحب نفسك" وهنا يلقى الكاتب عبدالرحيم كمال حكمة العمل كسهم يخترق قلوبنا، فحب النفس هو أرقى معانى الصفاء، والمراجعة والحساب بل فى هذا الحب يكمن ميزان عدل الحياة، فعندما تحبها تسمو بها فوق كل لحظات الخطيئة، وما أكثر خطايا أيامنا.

ونوس يتلاعب بالبشر من حوله، عبر سيناريو أشبه بلعبة سيجا، حصاها لحم ودم، ينقلهم من خانة لخانة، مرة فى مربع الوهم، واخرى فى مربع الحقيقة، وثالثة يلقى بها حجر الشيطان، هكذا فعل مع انشراح وأبنائها "نرمين، عزيز، ونبيل، وفاروق" وتتطور الأمور ويبدأ الصراع بين الأبناء والزوجة، ما بين العودة إلى حضن الأب والأموال، أو المضى فى حياتهم كما كانوا.

وهنا يشرح الكاتب شخصياته عبر صورة واقعية للمخرج المجتهد شادى الفخرانى، فنرمين التى جسدتها حنان مطاوع، تعانى مع ابنها المريض وقد مسها جزء من شيطنة ونوس، وفاروق الشاب المتدين وجسده "نيكولا معوض" يستسلم هو الآخر لألاعيب ونوس الذى يقنعه بأن يترك التدريس والمسجد، ويذهب إلى إلقاء دروس العلم فى أماكن الأشخاص الأغنياء، والقنوات الفضائية حيث الشهرة والمال، ونبيل الذى لعب دوره محمد كيلانى، الذى يغنى فى كباريه ويتهم فى جريمة قتل صاحبة الكباريه، وعزيز سائق التاكسى "محمد شاهين" الذى تمتلكه لهفة البحث عن المال أكثر من العثور على أبيه، أيضا بفضل نصائح ونوس الذى قلب حياة الجميع رأسا على عقب، وعلى رأسهم انشراح "هالة صدقى" التى جسدت دور الأم بوعى، فنحن نرى الأم التى أخفت ملامح الزوج من كل الصور، ومن وجودها، لتربى أبناءها وحدها وفق قواعدها، وفجأة عندما يظهر ونوس تهدم كل القواعد لينفرط العقد.

ياقوت أو الزوج الذى جسده نبيل الحلفاوى حائر بين العودة المباشرة لأولاده، وعدم العودة، أنه يجسد الحلم والوهم، وقد تقمص بحق شخصية صعبة، ويبدو ان الوقوف امام يحيى الفخرانى يمثل تحديا كبيرا لكل الممثلين من حوله، فيصيبهم بحالة وهج إبداعى وتألق كبير، فى هذا العمل تخطى الفخرانى ما وراء الإبداع بتعبيراته، ونظرات عينيه التى تكمن بداخلها شيطنة البشر وملائكيتهم أيضا.

تركنا الفخرانى وعبدالرحيم كمال لضمائرنا وهواجسنا وحيرتنا نفك وحدنا رموز "ونوس" ثم نحكم عليه أو على أنفسنا، ليجبرونا مجددا على انتظار "سحرهم الجديد"، والتساؤل حول ما سيفعلان بنا فى "نجيب زاهى زركش"، وبالقطع معهم المخرج الموهوب شادى الفخراني، بحثا عن "وجبة فخرانية" خاصة.