عاجل

دراسة ترصد الرمز وعلاقته بالمشاعر في الفن الصخري لعصور «ما قبل التاريخ»

 الفن الصخري لعصور ما قبل التاريخ
الفن الصخري لعصور ما قبل التاريخ

 

رصد الباحث الباليو أنثروبولوجي ياسر الليثي في دراسة له الرمزية منذ القدم حينما قام الإنسان الأول بالتعبير عن أفكاره و آرائه برموز معينة، فالرمز علامة عن شيء ما تم الاتفاق بين أفراد مجتمع ما علي مدلوله، وجوهر هذا المدلول غير واضح بالنسبة لأفراد آخرين خارح ذلك المجتمع، فهو بذلك بالنسبة للباحثين الإنثروبولوجيين قد يحمل معاني وتفسيرات مختلفة تبعًا لنظرتهم العلمية وقراءاتهم للرموز.

ويوضح الباحث الباليو أنثروبولوجي ياسر الليثي أن الرمزية أتاحت لفنان ما قبل التاريخ أبوابًا جديدة للتعبير عن ذاتة من خلال رسوم غنية بالرموز التي تخلق أشكالاً ترمز للمشاعر الإنسانية دينية كانت أو دنيوية، وذلك عن طريق خلق صور تعبيرية للطبيعة الأم في شكل صور دات صبغة سحرية، إذ خرج التعبير عن ذاته وعن مفردات التعبير الواقعي أو الرومانسي الى آفاق غير واقعية، أو الخروج إلي ما وراء الواقع وربطه بأشياء خارج نفس الفنان.

ويضيف الليثى أن الإنسان البدائي صنع من رسوم وأشكال الحيوانات التي كانت تحيط به في الطبيعة (طواطم) يلتفون حوله ويرفعونه كشعارًا يرمز إلى الجماعة أو القبيلة التي ينتمون إليها، وقد كان هذا "الطواطم" بمثابة الرمز المقدس الذي يربط الرجل البدائي بأبناء عشيرته وكان ينظر إليه في احترام وخشوع دون أن يكون هناك سبب معقول يدفعه لذلك، وقد وصل في ذلك على حد الاعتقاد بأن الإنسان نفسة بل و كل أفراد القبيلة ينحدر عن ذلك الطواطم.

وكانت الجماعات البشرية التي ينتمي إليها كل إنسان تسمى باسم هذا الطوطم (الرمز المقدس)، أي أن الطواطم عنده قد يكون رمزًا للأب أو الجد وبديلاً عنه في حالة فقدانه، وهكذا ترتبط الرموز بحيلة الإنسان للتغلب علي أشياء من المستحيل التغلب عليها مثل الموت وفي نفس الوقت فلا غنى عنها لتحقيق التفاهم والاتصال مع غيره من أبناء الجماعات البشرية التي ينتمي إليها.

ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، الضوء على هذه الدراسة، موضحًا أن الفن اعتبر أحد الأنشطة الرمزية التي أبدعها الإنسان منذ العصور الحجرية لكي يعبر من خلالها عن الوجدان البشري، وبهذا فقد أمكننا التوصل إلى نظرية شهيرة في تفسير الفن، وهي أحد أهم نظريات الأنثروبولوجيا تسمي (النظرية الرمزية) بوصفه رمزًا والعمل الفني بوصفه صورة رمزية للوجدان البشري.

ففي المشاهد الصخرية المصرية في وادي صورا نجد رموزًا تعبر عن مظاهر دينية وأساطير، وبعض من هذه الرموز يمكن تفسيرها بسهولة لوضوحها، بينما رموزًا أخرى تبقى غامضة لعدم معرفة الباحثين بمعتقدات ونمط تفكير الإنسان في تلك الفترة، ولم تكن رسوماته عملًا تلقائيًا بل كانت تتم وفق طقوس معينة نابعة عن معتقداته الروحانية، ومن بين الرموز والصور ذات الدلالات نجد رمزية الألوان.

فاللون الأحمر مثلًا كان يرمز إلى استمرارية الحياة، وهذا ما نلاحظه في العديد من رسوم الحيوانات مثل الظباء العملاقة والأبقار والزرافات، واستعمل اللون الأبيض وربطه بالشخصيات الأسطورية والآلهة والأرواح مثل مشاهد الشامانات أمام الحيوانات مقطوعة الرأس، ومشاهد أخرى لحيوانات وكائنات أسطورية باللون الأبيض، إضافة إلى اللون الأصفر الذي له علاقة بطقوس الدفن كما هو واضح في مشهد طقس إخفاء النعامة كما أسماه الدكتور خالد سعد، مدير إدارة آثار ما قبل التاريخ بوزارة السياحة والآثار.

ويشير الدكتور ريحان من خلال الدراسة إلى رمزية استعمال الأقنعة، فالعديد من الرسوم الصخرية تعبر عن الرأس المقنع، فهناك أقنعة برؤوس الحيوانات بحيث يعطي للشخص قناعاً يضعة علي رأسه لكي يظهر بمظهر الحيوان أو الكائن الأسطوري للحصول بشكل مؤقت على صفات الكائن الذي يمثله القناع الأمر الذي استمر حتي الفترة التاريخية الفرعونية وربما يمكن أن يعطي ذلك انطباعًا مغايرًا ورمزية أخري مثل حماية الشخص المقنع من القوى أو الأرواح الشريرة أثناء الطقوس.

وبهذا يمكننا القول في تفسير الفن الصخري في وادي صورا، بوصفه رمزًا والعمل الفني بوصفه صورة رمزية للوجدان البشري في العصر الحجري القديم، بناءً علي ما هو معلوم من أن الفن هو التمييز بين الإشارة والرمز، وبين الرموز الاستدالية و التمثيلية، بل نذهب في التمييز إلى أبعد من ذلك حين نميز بين الإنسان والحيوان، على أساس أن الإنسان حيوان رامز يبتكر الرموز ويستخدمها، فضلاً عن ذلك نظرتنا إلى مشاعر وأحاسيس ذلك الإنسان في تلك العصور بوصفها أحاسيس رمزية استدلالية ليس في مقدورها أن تعبر عن الوجدان أو الحياة الباطنية، إلا عن طريق فن الرسم علي الصخور والذي كان السبيل الوحيد للتعبير عما لا يمكن التعبير عنه بواسطة اللغة لعدم استطاعة تدوينها نظرًا لعدم اختراع الكتابة، فالفن إذًا رمز والعمل الفني صورة رمزية، ومن ذلك نستطيع أن نحدد الفن على أساس أنه إبداع أشكال ورسوم ورموز قابلة للإدراك الحسي بحيث تكون معبرة عن الوجدان البشري.