رهن أدوات منزله لنشرها.. رواية نوبل الشهيرة لـ«ماركيز»

صورة توضيحية
صورة توضيحية

في مطلع شهر أغسطس من عام 1966 ذهب الأديب والروائي العالمي جابرييل جارسيا ماركيز، الذي يوافق ذكرى ميلاده اليوم 6 مارس، بصحبة زوجته "ميرثيديس" إلى مكتب البريد ليرسلا مخطوطة كتابه الجديد "مئة عام من العزلة" إلى دار النشر في بيونس آيرس. 

شاهد أيضا :«نتقدم في السن عندما نتوقف عن الحب».. رسالة الوداع من «ماركيز» لمحبيه

كان ماركيز وزوجته في حالة يرثى لها، ولم يستطيعا دفع تكلفة البريد، راقب ماركيز زوجته وهي تبحث في حقيبة يدها عن المال، كانت التكلفة اثنين وثمانين بيزوسا، ولم يكن لديهما سوى خمسين، لذلك لم يكن باستطاعتهما إرسال سوى نصف الكتاب، الأمر الذي جعل ماركيز يطلب من موظف البريد أن يقتطع صفحات من المخطوطة حتى بقي منها ما يمكن إرساله بخمسين بيزوسا. 
وعندما عادا إلى البيت، رهنا بعض الأدوات المنزلية، ثم عادا إلى مكتب البريد لإرسال ما تبقّى، لتتحول المخطوطة بعد ذلك إلى أحد أفضل الأعمال الروائية في أميركا اللاتينية والعالم.
تُعد رواية "مئة عام من العزلة" أحد أهم الأعمال الروائية التي كتبها ماركيز، وأثناء كتابتها اعترف لأصدقائه أن صياغة الحكاية أتعبته، وأرهقت تفكيره، واستهلكت منه ثمانية عشر شهرا، لدرجة قال فيها: "إن تأليف الكتب مهنة انتحارية". 
وقد نُشرت الرواية لأوّل مرة في عام 1967م، وانتشرت الرواية بشكل واسع في جميع أنحاء العالم، حيث طُبع منها نحو ثلاثين مليون نسخة حتى الآن، وتُرجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة مختلفة، من بينها العربية، كتب ماركيز روايته أثناء فترة وجوده في المكسيك، وشكّلت الرواية سببا مباشرا في حصوله على جائزة نوبل للآداب في عام 1982.
يحكي ماركيز في الرواية قصة قرية "ماكوندو" الصغيرة المنعزلة، عن طريق سرد قصة حياة عدّة أجيال متعاقبة من عائلة "بوينديا" على امتداد عشرة عقود من الزمن. 
وتنتقل العائلة من حالة براءة الطفولة مرورا بكل مراحل الرجولة والأنوثة والانحطاط حتى تجرف ريح قوية في نهاية الرواية آخر فرد من أفراد العائلة بسبب خطيئة زواج غير مرغوب فيه. 
وقد عالج ماركيز القصة معالجة تهكمية ساخرة، مع وجود بعض التلميحات الهزلية التي تتراوح بين العطف والقسوة، ويقول النقّاد عن الرواية: "إن "ماكوندو" قرية وهمية أنتجتها مخيلة ماركيز، لكنها في الحقيقة ليست سوى تعبير عن أي بقعة من بقع كولومبيا، أو أميركا اللاتينية، أو أي بقعة من بقاع العالم الثالث، ورمز لأي جماعة صغيرة واقعة تحت رحمة قوى تاريخية خارج نطاق سيطرتها وفهمها وإدراكها".
تتشابك أحداث الرواية وتتداخل بطريقة تُربك القارئ في البداية، وتدور الحكاية حول الأب الرمز "خوسيه آركاديو بوينديا" الذي قتل أفضل صديق له دفاعا عن الشرف والرجولة، مما اضطره إلى الرحيل وتأسيس قرية جديدة أسماها "ماكوندو".
بنى هو وزوجته "أورسولا" بيتا، وكان لهما ثلاثة أطفال "آركاديو، وأوريليانو، وأماراتنا"، وبمرور الأيام أصبح لديهم عدد كبير من الأحفاد، وكان هناك هلع في العائلة من أن خطيئة ما سوف تحدث، وينتهي على إثرها نسل الأسرة. 
وكان الغجر يزورون القرية، ومن بينهم الغجري "ميلكيادس" الذي جلب معه للقرية أشياء غريبة وعجيبة، ورحل مُخلّفا وراءه مجموعة من الأوراق تُسجِّل بدقة تاريخ القرية منذ بدايتها وحتّى فنائها.
بعد ذلك، تستمر الأحداث بتواتر عذب، ومعقّد في بعض الأحيان، إلى أن يأتي القرية غرباء كُثر، من يُمثلون عادة سببا للتشاؤم، وسوء الطالع، وتتدهور أوضاع "ماكوندو" بعد موت ثلاثة آلاف عامل من العمّال المضربين في مذبحة على مقربة من محطة سكة الحديد. 
وفي نهاية الرواية، وكما هو مُدوّن في أوراق الغجري "ميلكيادس"، يلد آخر فرد من أفراد الأسرة طفلا بذنب خنزير، إثر علاقة غير شرعية، تأتي بعدها ريح عاتية تدمّر القرية عن بكرة أبيها. 
ومن خلال بوابة السرد يأخذنا ماركيز إلى واقع عجائبي مجنون، يمتاز بالسحر والغرابة اللذين يحرران السرد من جموده ورتابته، ويرسمان بذلك ملامح الواقع الشعبي البسيط بألوان أسطورية يُخيَّل إلينا الواقع عبرها زمنا لا يخلو من السّحر والعجائب.
وتعتبر هذه الرواية من أكثر الروايات زخما بالتفاصيل الواقعية، والأسطورية، والعجائبية، فهي موسوعة تضج بتاريخ كولومبيا الحقيقي، وتاريخ "ماكوندو" الوهمي المزيف، إنها تعج بالأغاني، والترانيم، والتعويذات، والسحر.
وتندرج رواية "مئة عام من العزلة" تحت طائلة أدب الواقعية السحرية، وهي مدرسة أدبية تقوم نصوصها على المزج بين عنصري الخيال والواقع دون الابتعاد عن الأسلوب الموضوعي في القص والحكي، وهي ليست مدرسة أدبية وحسب بقدر ما هي طريقة للتساؤل حول طبيعة الواقع ونقده.