الثقافة المطرودة.. أزمات نادى القصة ودار الأدباء تطرق أبواب الحكومة 

أتيليه الإسكندرية
أتيليه الإسكندرية

ضحى: أسعى لتخصيص ميزانية للحفاظ على الكيانات الثقافية
سويلم: نُمارس أنشطتنا حتى «يطردونا».. وأُناشد الجميع بإيجاد حل

 

كتب: محمد الشماع
 

مسألة إخلاء نادى القصة، ورده إلى ملاكه الأصليين (ورثة فؤاد سراج الدين باشا) وفقاً للقانون، فجَّرت قضية لم تكن تخطر على البال، وهى أن الكيانات الثقافية غير التابعة لوزارة الثقافة، مهددة كلها بالإخلاء والإغلاق، أى أن الأمر لا يقتصر على نادى القصة وأتيليه الإسكندرية ودار الأدباء فقط (الكيانات المهددة حتى وقتنا هذا)، ولكنه يمتد إلى غيره من الكيانات الثقافية.

ورثة زعيم الوفد الراحل استندوا فى دعواهم التى أقاموها، يناير من العام الماضى، إلى المادة التى ألغتها المحكمة الدستورية العليا فى مايو 2018 بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981، بشأن تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وتحديداً جملة: «لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد»، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية، لاستعمالها فى غير غرض السكن.

أصدرت محكمة أول درجة حكمها بإخلاء النادي، ثم أيدتها محكمة الاستئناف منذ أسبوعين، لتبقى درجة تقاضى أخيرة وهى «نقض» الحكم، وإن كان أمر العدول عنه صعباً للغاية، بسبب الحكم بعدم دستورية الفقرة المشار إليها سابقاً.

إذن ما الحل؟

النائبة ضحى عاصي، عضو لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، فجَّرت فى كلمتها أمام وزيرة الثقافة، إيناس عبدالدايم، قضية ضرورة «تقنين» وضع الكيانات الثقافية غير التابعة للوزارة.. فكرت فيما بعد فى حلول لكيفية التقنين، ولكنها اصطدمت بمعضلتين أساسيتين: الأولى صعوبة استثناء تلك الكيانات الاعتبارية الثقافية من القانون السارى على كل المقرات المشابهة، والثانية الكيفية التى يتم من خلالها تحديد أهمية المكان، خصوصاً أن ما تُقدمه الكيانات الثقافية يظل فى النهاية أمرًا معنويًا، وليس ماديًا.

ربما يكون الحل لدى ضحى عاصى فى «الاقتراح برغبة» إلى رئيس الحكومة، وهى أحد الأدوات البرلمانية المتاحة للنواب، من أجل ضرورة تدخل الدولة بتخصيص ميزانية للحفاظ على تراث مصر الثقافي، والمتمثل فى هذه الكيانات والمقرات، وذلك عن طريق إما شراؤها من المالك بسعر السوق، «وهنا لا ضرر على المالك ولا ضرار على الكيان»، وفى حالة رفض المالك، الدولة تكون ملزمةً بتوفير أماكن بديلة.
ضحى قالت لـ «الأخبار المسائي» إن مسألة نادى القصة ربما تُحل قريبًا، لأن عددًا من القائمين عليه قابلوا بالفعل مسؤولين فى وزارة الأوقاف، الذين عرضوا عليهم أربعة مقرات (بصبغة تراثية) لاستضافة النادي، ولكن بالإيجار!. 

وهنا تظهر أزمة أخرى، وهى أن هذه الكيانات قليلة الموارد، حيث تأثر وضع نادى القصة مثلاً بعد تقليص دعم وزارة الثقافة منذ عام 2011، حيث تم إيقاف مبلغ الإعانة السنوية، الذى كان يغطى أنشطة النادي، من إقامة ندوات ومسابقات، وإصدار مجلة غير دورية، وطباعة سلسلة الكتاب الفضي.

ومنذ هذا التاريخ، يتم الاعتماد كليًا على الدعم المادى من أعضاء النادى وبعض الداعمين لسداد الإيجار الشهرى ومصاريف الكهرباء والمياه ومرتبات العاملين الهزيلة.

ببساطة، حتى مسألة تغطية مبلغ الإيجار الشهرى ستكون صعبةً، لذا فإن ضحى عاصى تؤكد على ضرورة أن يكون هناك حل جذرى للمشكلة بأكملها، وهى ما سوف تطرحه ربما فى الأيام أو الأسابيع المقبلة. 

طرق أخرى

طرق أخرى يسير فيها مجلس نادى القصة، ومنها على سبيل المثال طريق القضاء، ولكنه صعب وشاق وربما يكون مسدودًا بالقوانين المنظمة للمسألة العلاقة بين المالك والمستأجر.. عضو المجلس، محمد القصبي، قال إنه التقى بالمحامى الشهير مختار نوح الذى أبدى استعداده لتبنى القضية أمام محكمة النقض دون أتعاب، ويضيف: «توجهت إلى مكتبه بملف القضية وبعد إطلاعه عليه قال إن فرصة النجاح لن تزيد عن 10%، وهذا ماسبق أن قاله محامون آخرون».

باب آخر طرقه القصبي، من خلال التواصل مع بعض رجال الأعمال، ويقول: «طرقت باب رجل أعمال عن طريق كبار موظفيه بمذكرة عن أحوال النادى وإمكانية تقديمه العون لنا بتوفير مقر بديل إن طُردنا، أو منحة مالية سنوية لاستئجار مقر آخر، فأشر على المذكرة بعبارة ساخرة مثيرة للأسى لا داعى لذكرها». وتابع «القصبي»: تم إرسال مذكرة إلى رئاسة الجمهورية حول محنة النادى وفى انتظار الرد، ورئيس النادى نبيل عبدالحميد التقى بوزيرة الثقافة وبحثا أمر مقرات الأوقاف، مقابل إيجار شهرى ولكن لن يحل مشكلة النادى جذريًا، لأن هذا المقر لن يكون فى مقدور النادى توفيره.

ويقترح القصبى اقتطاع نسبة 1% من أرباح صناعة الترفيه فى مصر (تحديداً الدراما التليفزيونية وصفقات لاعبى كرة القدم) لدعم الكيانات الثقافية، وتأسيس صندوق لعلاج المثقفين.

هل الثقافة ضمن الأولويات؟

التفتيش فى تاريخ الكيانات المهددة بالطرد من أماكنها الأصلية يشير إلى إشكالية أكبر، وهى هل بالفعل هناك اهتمام بالثقافة فى الوقت الحالي؟
نادى القصة مثلاً كانت فكرة إنشائه من عقل الأديب الراحل إحسان عبدالقدوس عام 1950، وعرض فكرته على يوسف السباعي، صاحب الفضل فى تأسيسه فعلياً، ليستقطب فرسان الأدب فى مصر، ومن مجمل أنشطته إصدار كتاب دورى شهريًا، على أن يكون رواية من أعمال أحد الأعضاء الموهوبين والمبدعين.

بدأ نادى القصة بـ «غرفة» فى مجلة الفن، ثم جزء فى شقة المخرج جمال مدكور بميدان التحرير، قبل الاستقرار على عمارة فؤاد سراج الدين فى 68 شارع قصر العيني، وبالفعل تم توقيع عقد الإيجار بين فؤاد باشا ويوسف السباعي، وكيلاً عن مجلس إدارة نادى القصة.
القصبى يعود ليؤكد أنه «لو كان فؤاد سراج الدين موجوداً الآن لما فكر أبداً فى أن يقدم على تلك الجريمة ولو علم بعثرة النادى المادية لما توانى لحظة واحدة عن تقديم العون له، وربما أثار القضية فى البرلمان وفى مجلس الوزراء باعتبارها قضية قومية».

أتيليه الإسكندرية (الصادر بحقه حكم بالطرد أيضاً) الموجود فى قصر تيمفاكو الأثري، يعتبر من أقدم الجمعيات الثقافية فى مصر، فهو مبنى أثرى يعود تاريخه إلى القرن الـ 19، حيث أنشاه الفنان محمد ناجى عام 1934، ويقع فى 6 شارع فيكتور باسيلى المتفرع من شارع السلطان حسين بوسط المدينة.

«مبنى الأتيليه جزء مهم جداً فى تاريخ مصر.. ربما تكون أزمته أشد لارتباط الكيان بالمبنى»، تقول ضحى: تحركات مجلس إدارة الأتيليه لم تهدأ منذ أسبوع تقريباً، ففور صدور الحكم، عقدوا مؤتمرًا كبيرًا بحضور الدكتور محمد رفيق خليل، رئيس الأتيليه، الذى أكد أن مبنى الأتيليه مسجل كأثر ضمن آثار مصر الإسلامية والقبطية، برقم 538 لعام 1996، كما أنه مسجلٌ فى عداد المبانى التراثية طبقًا للقرار الوزارى رقم 287 لعام 2008م تحت رقم 1346، مشددًا على احترامه الكامل لأحكام القضاء، ولكنه أشار إلى أن القرار فى الوقت ذاته سيغلق منارة ثقافية فى تاريخ مصر.

أما دار الأدباء فإن تاريخه ليس ثقافيًا فقط، بل تاريخه مرتبطٌ بحركة الوعى فى مصر، إذ شهد على اجتماعات ثورتى 1919، و1952، ثم حولها الأديب يوسف السباعى إلى دار لكل أدباء مصر والعالم العربىوالآسيوى، ورأس أول مجلس إدارة للدار الدكتور طه حسين، ثم توفيق الحكيم، ثم يوسف السباعي، والآن رئيسه هو الأديب الكبير أحمد سويلم الذى ينكأ الجرح ويقول «يبدو أن وزارة الثقافة لا تريد أن تتدخل فى الأمر، نحن سلكنا جميع الطرق، ونحاول تقديم ما نستطيع أن نقدمه لخدمة الثقافة المصرية. ما زلنا نعمل رغم منع مبلغ الدعم الذى كان يصلنا من الوزارة، والذى كان يُقدر بـ100 ألف جنيه، الآن نحن أمام 45 وريثًا للمكان الذى كان صاحبه الأصلى هو عبدالرحمن فهمى، أحد أقطاب حزب الوفد الكبار».

سويلم يضيف لـ «الأخبار المسائي» بأنه يناشد الجميع بدايةً من المحافظ حتى رئيس الحكومة لحماية تلك الكيانات، مع ضرورة وضع حل جذرى لها من أجل الثقافة والوعي، متابعًا: «أصدرنا 15 عددًا من مجلة الأدباء بشكل موسمي، وأصدرنا العديد من المؤلفات، ولنا أنشطة ومسابقات»، ويختم حديثه بالقول: «سنظل نعمل حتى آخر يوم لنا فى المكان، وإذا طُردنا فليوجداً مكانًا بديلاً لنا، حتى لا نصبح فى الشارع».

اقرأ أيضا:

بعد قرار طرد «نادي القصة».. أزمة جديدة تواجه «أتيليه الإسكندرية»