عمال المحاجر.. «ينحتون في الصخر» بلا تأمينات صحية أو اجتماعية

عمال المحاجر خلال عملهم بمحاجر المنيا
عمال المحاجر خلال عملهم بمحاجر المنيا


◄ إصابات تصل لبتر الأطراف والوفاة.. وقانون تشغيل العاملين حبر على ورق
◄ حنا: نعمل 9 ساعات بمقابل 60 جنيهًا يومياً 
◄ عيد: «لو أصُبت ممكن أقعد في البيت شهرًا دون أجر»

كتب: هاجر زين العابدين 
 

ساحة بيضاء تشبه المناطق الجليدية بالعالم يكسوها اللون الأبيض الساطع، ولكنها ليست بالقطب الجنوبي فهي محاجر المنيا، التي تشابهت مع جبال الجليد في لونها فقط، تمتلئ بعمال ينحتون في الصخر مقابل مبلغ زهيد، فضلاً عن المخاطر التي يواجهونها في عملهم اليومي يعملون في ظروف شاقة للغاية وخالية من أدنى معايير الحماية، وفي حال تعرضهم للخطر نتاج عملهم بين أزقة الجبال لا يكن هناك اهتمام بأحوالهم الصحية والمادية وتشير إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن العاملين في قطاع التعدين واستغلال المحاجر نسبتهم 0.1% ويُعد هو أقل قطاع للعمالة نظراً لأنه محفوف بالمخاطر. 

 

 


يعمل حنا عطية  (57 –عامًا ) على ماكينة "الحفار" يخفي معالم وجهه بقماشة قطنية، ذات ثقوب للعينين، تمكنه من الرؤية وسط ضباب الأتربة البيضاء الناجمة عن تكسير سطح الجبل، فهي أول مرحلة تبدأ بصناعة الطوب الجبلي (الطوب الأبيض) فتتم تسوية سطح الجبل بماكينة (الحفار) لينتج عنها لوح صخري متساوٍ، ويتم بعد ذلك استخدام ماكينة "اللودر" لكي تقوم بإزالة الحجارة الزائدة عن التسوية.

طبيعة المنيا 

ينحدر الخمسيني من قرية نزلة عبيد، من ضواحي محافظة المنيا، فهو أب لثلاثة أبناء يودعونه كل صباح داعين المولى أن يعود لهم سالماً غانماً، يغادر منزله فور شروق الشمس ليبدأ عمله في السادسة صباحاً، وينتهي منه بعد غروبها، وبين المشهدين، يواجه مخاطر عديدة في عمله بمحجر “ش. ح”، منذ 20 عاماً يعمل في المحاجر، خاصة بعد عدم توفر فرص عمل في الأراضي الزراعية لما يغلب علي طبيعة المحافظة الجبلية، فلم يجد سوى أن يصبح عامل باليومية بمحاجر المنيا، ليعمل 9 ساعات متواصلة دون راحة ليتقاضي أجرًا زهيدًا لا يتخطى 60 جنيهًا.

 

 

آلات بدائية

"الشغل في المحاجر صعب جداً، ونستخدم آلات بدائية، مش بتنفع لما بنقابل عرق الجبل".. بتلك الكلمات يصف "حنا" صعوبة العمل في المحاجر فهي شديدة البرودة شتاءً والحرارة صيفاً فضلاً عن اعتمادهم علي آلات بدائية لا تصلح مع صلابة الجبال فبعد كل 20 مترًا من تكسير سطح الجبل يقابلهم "عرق الجبل" وهو شديد الصلابة ولا يستجيب لماكينة الحفار ويستغرق 200 ساعة لإزالته، وذلك من خلال استخدام الشاكوش ليتم الحفر أسفله حتى عمق 20 مترًا.

تظهر "صفائح" على عمق 3 أمتار من الجبل أقل صلابة ولا تصلح لصناعة الطوب فيتم تكسيرها واستخراج البودرة الناتجة عنها بعد تنقيتها من الشوائب باستخدام "غربال" وتستخدم هذه المادة الترابية "البودرة" في كثير من الصناعات وتدخل في صناعة العقاقير الطبية، فهي غنية بمعادن مثل الكالسيوم والفوسفات.


صعوبة الإصابة 

"مالقتش شغل غيره في البلد، ولو اُصبت أفضل في البيت شهر مش عارف اشتغل ولا أصرف على البيت، وكل يوم بدعي ربنا أرجع لأولادي سليم بدون إصابات".. بهذه العبارات يتحدث إلينا عيد جرجس (38 عامًا) مختص بماكينة قطع الطوب من اللوح الصخري، وهي ماكينة خطرة للغاية حيث تحتوي على اثنين سلاح إسطواني صلد ويخرج منها سكاكين حادة، وهي المسؤولة عن قطع الطوب بالمقاسات المحددة التي يتحكم فيها العامل ويتبادل مع زميله الآخر العمل على الماكينة واستخراج الطوب بعد أن تحدده الأمواس الحادة، والتي قد تعرضهم للإصابات البالغة قد تصل لبتر أطرافهم، وأقل إصابة تجعلهم يتوقفون عن العمل لعدة أسابيع حتى تلتئم جروحهم.

 

أنفاس مكتومة

ضباب أبيض يشبه بخار الماء "الشبورة المائية" التي تعتلي كل صباح في ليالي الشتاء ولكنها ليست بقطرات من الندى بل هي تشبه العاصفة الترابية الناعمة التي تتسلل للجهاز التنفسي. "طول ما أنت شغال فيها ماتعرفش تاخد نفسك"..  هكذا يصف عيد ملاك صعوبة التقاط أنفاسه أثناء العمل رغم تغطية أنفه بشال أبيض متعدد الطبقات ليتحاشى تسلل الأتربة الناعمة، ولكنها لن تفلح في منع تسللها لرئته. خاصة عند قيامه بالحفر أسفل "عرق الجبل" يصل لـ2 متر مستخدماً آلة يدوية تشبه الشاكوش، ليتمكن من إزالة القالب الصلب في الجبل الذي لا يستجيب لماكينتهم البسيطة، وكذلك استخراج بودرة من أسفله غنية بالمعادن. ورغم إصابته بالالتهاب الرئوي من جراء عمله، ونصحه الطبيب بالتوقف عن العمل في المحجر، إلا أنه لم يجد عملاً غيره، ما جعله يصارع الموت بأنفاس متهدجة داخل العمل، فهو يفضل الموت وهو يعمل على جلوسه بلا عمل فى منزله ما يشعره بالضعف.


قوانين على ورق

هكذا يقضي عمال المحاجر يومهم بين الرعب وصراع الموت دون أي تأمين من صاحب المحجر رغم  إصدار قانون تشغيل العاملين بالمناجم والمحاجر حيث نصت المادة (21): على إلزام المنشأة على توفير العلاج والإسعافات الأولية بالمجان للعامل ولأسرته حال وقوع إصابة والزمت المادة (9): بمنح العاملين الموجودين في مواقع العمل الخاضعين لأحكام هذا القانون بدل ظروف ومخاطر الوظيفة بنسبة تتراوح بين 30 إلى 60% من الأجر الأصلي وذلك تبعا لظروف العمل والمخاطر التي يتعرض لها العامل في كل وظيفة أو مهنة.

وبالتواصل مع المتحدث الرسمي لوزارة القوى العاملة، بضرورة الرد حول تلك الانتهاكات التي يتعرض لها عمال المحاجر وعدم تفعيل القوانين لحمايتهم، رفض التعليق بحجة عرض الأمر على الوزيرة المختصة ولم يصلنا أي رد.