الوصل والفصل

أتيليه الإسكندرية

محمد السيد عيد
محمد السيد عيد

عرفت مصر دائماً قيمة الثقافة، ووضعتها فى أعلى مكان. والأمثلة لا تحصى، فحين أراد الخديو إسماعيل إنشاء دار الكتب خصص لها قصر مصطفى فاضل باشا بدرب الجماميز، وحين أراد الأمير مصطفى كمال أن ينشئ لمصر مدرسة للفنون الجميلة (كلية الفنون الجميلة الآن) أهداها قصره ليكون مقراً لها، وحين أحست الأميرة سميحة كامل بدنو الأجل أهدت قصرها لوزارة الثقافة ليصير مكتبة القاهرة، وبعد ثورة يوليو خصصت الثورة نادى السيارات بالإسكندرية ليكون مقراً لقصر ثقافة الحرية، وخصصت قصر عائشة فهمى ليكون مجمعاً للفنون، وقصر عبد الرحمن فهمى ليكون داراً للأدباء. كانت مصر دائماً تعرف قيمة الثقافة.
وحين كان للثقافة قيمة قرر الفنان التشكيلى محمد ناجى، عام 1934، أن ينشئ أتيليه للفنانين والأدباء بالإسكندرية، فاستأجر قصراً فاخراً بوسط البلد، وجعله مقراً للأتيليه. أى أن عمر هذا الأتيليه الآن سبعة وسبعون عاماً. والأتيليه ياسادة -كما تعلمون- مكان يتخذ منه الفنانون التشكيليون مراسم لهم، ويعقدون فيه ندواتهم، ويقيمون معارضهم، وينظم فيه الشعراء الأمسيات الشعرية، ويناقش فيه القصاصون رواياتهم ومجموعاتهم القصصية، ويستمتع هواة الموسيقى بالحفلات الموسيقية الراقية، ويعقد المهتمون بقضايا الوطن فيه مؤتمراتهم. باختصار هو منبر ثقافى أهلى يساهم فى التنمية الثقافية وبناء الإنسان.
لكن تغيرت الأحوال فى مصر منذ أصيبت بالانفتاح العشوائى. صار الربح المادى هدفاً للمقاولين وأصحاب العقارات القديمة، وأعلن هؤلاء وأولئك الحرب على الثقافة، وراحوا يطاردون الجمعيات الثقافية التى تشغل عقارات قديمة، وعلى رأسها أتيليه الإسكندريةً.
يستند الملاك الذين يريدون طرد المثقفين من هذه العقارات إلى قانون صدر مؤخراً يتيح للمالك استرداد العقارات المؤجرة لمستأجرين ذوى شخصيات اعتبارية، والسؤال: من ينقذ المثقفين والجمعيات الثقافية من جشع الملاك والمقاولين؟ لقد تدخل من قبل محافظ الإسكندرية لوقف طرد الفنانين والأدباء من المبنى العريق، لكن الملاك لم ييأسوا، ولجأوا للمحاكم، والسؤال: ماذا سيفعل مثقفو الإسكندرية لو صدر ضدهم حكم محكمة؟
المشكلة يا سادة تحتاج إلى تدخل، فإما أن تشترى الحكومة المبنى من أصحابه، وإما أن يقدم مجلس النواب تعديلاً لهذا القانون الذى يستخدمه الملاك سيفاً على رأس الجمعيات الثقافية، أو يقوم رجال الأعمال فى الإسكندرية بشراء القصر لحساب المثقفين. ترى هل هذه الحلول ممكنة أم ستنتصر قيم الانفتاح على قيمة الثقافة؟