«أم الغلام» تذبح ابنها لتحتفظ برأس الحسين

أساطير شعبية: استقر فى القاهرة بعد طيران 40 يوماً من كربلاء!

مسجد الحسين
مسجد الحسين

حكاوى الحضرى .. «أم الغلام» تذبح ابنها لتحتفظ بـ«رأس الحسين»
يقف‭ ‬مسجد‭ ‬الحُسين،‭ ‬متباهياً‭ ‬بأنه‭ ‬يحتفظ‭ ‬برأس‭ ‬
الإمام‭ ‬الشهيد،‭ ‬ويتداول‭ ‬العابرون‭ ‬حوله‭ ‬حكايات‭ ‬بنكهة‭ ‬الأساطير،‭ ‬تحاول‭ ‬تبرير‭ ‬كيفية‭ ‬وصول‭ ‬الرأس‭ ‬لهذا‭ ‬المكان،‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬للوجود‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬استشهاد‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬فى‭ ‬موقعة‭ ‬كربلاء،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مسجد‭ ‬آخر‭ ‬فى‭ ‬دول‭ ‬عديدة،‭ ‬يزعم‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬الرأس‭ ‬بداخله‭.‬

يذكر‭ ‬المؤرخون‭ ‬أن‭ ‬وزيراً‭ ‬فاطمياً‭ ‬قوياً‭ ‬اسمه‭ ‬الصالح‭ ‬طلائع،‭ ‬بدأ‭ ‬عام‭ ‬1160‭ ‬تشييد‭ ‬مسجده‭ ‬الشهير‭ ‬أمام‭ ‬باب‭ ‬زويلة،‭ ‬كى‭ ‬يحتفظ‭ ‬فيه‭ ‬برأس‭ ‬الحسين‭. ‬وكان‭ ‬الفاطميون‭ ‬قد‭ ‬اشتروا‭ ‬الرأس‭ ‬من‭ ‬أهالى‭ ‬مدينة‭ ‬عسقلان،‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬عبث‭ ‬الصليبيين‭ ‬بالمشهد‭ ‬الحُسينى‭ ‬فى‭ ‬فلسطين‭.‬

لكن‭ ‬الخليفة‭ ‬الفاطمى‭ ‬اعترض‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يحتفظ‭ ‬مسجد‭ ‬الصالح‭ ‬طلائع‭ ‬بالرأس،‭ ‬ورأى‭ ‬أن‭ ‬القصور‭ ‬الزاهرة‭ ‬أكثر‭ ‬ملاءمة‭ ‬للاحتفاظ‭ ‬به‭. ‬وهكذا‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬قصر‭ ‬الزمرد‭ ‬تحت‭ ‬حراسة‭ ‬مُشددة‭ ‬ووسط‭ ‬احتفالات‭ ‬حاشدة،‭ ‬وتحوّل‭ ‬المكان‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬إلى‭ ‬المسجد‭ ‬الحُسيني‭. ‬وبعيداً‭ ‬عن‭ ‬الحكاية‭ ‬السابقة‭ ‬ظهرتْ‭ ‬قصص‭ ‬عديدة،‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬وصول‭ ‬رأس‭ ‬الحسين‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭. ‬يُمكن‭ ‬جمعها‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬واحد،‭ ‬هو‭: ‬سلسلة‭ ‬حكايات‭ ‬‮«‬أم‭ ‬الغلام»‬‭!‬

يحمل‭ ‬أحد‭ ‬شوارع‭ ‬منطقة‭ ‬الحسين‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬أم‭ ‬الغلام‮»‬،‭ ‬الذى‭ ‬أثار‭ ‬خيال‭ ‬كثيرين‭ ‬حاولوا‭ ‬تحديد‭ ‬هُويّة‭ ‬صاحبته‭. ‬تنافست‭ ‬التأويلات‭ ‬فى‭ ‬غرابتها،‭ ‬رغم‭ ‬اعتمادها‭ ‬تقريبا‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬درامى‭ ‬متشابه‭. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬إنها‭ ‬امرأة‭ ‬فارسية،‭ ‬اختارها‭ ‬الإمام‭ ‬على‭ ‬لتكون‭ ‬زوجة‭ ‬لابنه‭ ‬الحسين،‭ ‬وغيّرت‭ ‬اسمها‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬فاطمة،‭ ‬واختلف‭ ‬المؤرخون‭ ‬حول‭ ‬اسمها‭ ‬الأصلي،‭ ‬لكن‭ ‬إحدى‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬جعلتْه‭ ‬شاهيناز‭ ‬بنت‭ ‬يزدجرد‭. ‬بينما‭ ‬روى‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬أم‭ ‬الغلام‭ ‬سيدة‭ ‬مسيحية،‭ ‬كانت‭ ‬تمر‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬معركة‭ ‬كربلاء،‭ ‬ورأت‭ ‬رأس‭ ‬الحسين‭ ‬مُلقى،‭ ‬فخبّأته‭ ‬وقطعت‭ ‬رأس‭ ‬ابنها‭ ‬ووضعته‭ ‬مكانه،‭ ‬ثم‭ ‬فرّت‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬حيث‭ ‬دفنته‭. ‬ولا‭ ‬نحتاج‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬مواضع‭ ‬الخلل‭ ‬فى‭ ‬القصة،‭ ‬لأن‭ ‬الرأس‭ ‬كان‭ ‬مُهمّا‭ ‬لمن‭ ‬قتلوا‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لكى‭ ‬ينالوا‭ ‬جائزتهم‭ ‬من‭ ‬الخليفة‭ ‬الأموى،‭ ‬لهذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬منطقياً‭ ‬أن‭ ‬يتركوه‭ ‬ولو‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬بعد‭ ‬قتله،‭ ‬ثم‭ ‬ينخدعون‭ ‬فيحملوا‭ ‬رأس‭ ‬طفل‭ ‬بدلا‭ ‬منه‭! ‬ حتى‭ ‬إذا‭ ‬افترضنا‭ ‬أنهم‭ ‬نسوا‭ ‬شكله‭ ‬فجأة،‭ ‬فليس‭ ‬منطقياً‭ ‬أن‭ ‬يفقدوا‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬رأسين،‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬عُمْرى‭ ‬صاحبيهما‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭. ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬القصة‭ ‬السابقة،‭ ‬وجدتْ‭ ‬حكايات‭ ‬محلية‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬‮«‬التنويعة‮»‬ ‭ ‬نفسها‭.
‬ذكر‭ ‬الروائى‭ ‬الكبير‭ ‬جمال‭ ‬الغيطانى‭ ‬إحداها‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬قاهريات‭ ‬مملوكية‮»‬،‭ ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬روايات‭ ‬تزعم‭ ‬أن‭ ‬رأس‭ ‬الحسين‭ ‬طار‭ ‬من‭ ‬كربلاء‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬طوال‭ ‬أربعين‭ ‬يوماً،‭ ‬ثم‭ ‬هبط‭ ‬فى‭ ‬حجر‭ ‬بائعة‭ ‬فاكهة،‭ ‬تعرفتْ‭ ‬عليه‭ ‬واحتضنته،‭ ‬وعندما‭ ‬جاء‭ ‬جنود‭ ‬يزيد‭ ‬بن‭ ‬معاوية‭ ‬للبحث‭ ‬عنه،‭ ‬قطعتْ‭ ‬البائعة‭ ‬رأس‭ ‬ابنها‭ ‬وقدمتْه‭ ‬لهم ! وقد‭ ‬ذكر‭ ‬الغيطانى‭ ‬فى‭ ‬سياق‭ ‬حكيه‭ ‬أن‭ ‬القاهرة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قد‭ ‬بُنيت‭ ‬بعد. ‬لكن‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ليست‭ ‬هذه‭ ‬الجزئية‭ ‬هى‭ ‬الوحيدة‭ ‬التى‭ ‬تضرب‭ ‬صحة‭ ‬القصة‭ ‬فى‭ ‬مقتل‭ . ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الخلل‭ ‬المنطقى‭ ‬فى‭ ‬القصة‭ ‬السابقة‭ ‬دفع‭ ‬آخرون‭ ‬لمحاولة‭ ‬تصحيحها،‭ ‬فصاغوا‭ ‬حكاية‭ ‬تزعم‭ ‬أن‭ ‬أم‭ ‬الغلام‭ ‬سيدة‭ ‬قبطية‭ ‬دخلت‭ ‬الإسلام،‭ ‬أخذتْ‭ ‬الرأس‭ ‬من‭ ‬مسجد‭ ‬الصالح‭ ‬طلائع‭ ‬وأخفتْه،‭ ‬عندما‭ ‬سمعتْ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬أتى‭ ‬ليسرقه‭! ‬وأخفتْه‭ ‬فى‭ ‬بيتها‭ ‬لكن‭ ‬اللصوص‭ ‬عرفوا‭ ‬بأمرها،‭ ‬وذهبوا‭ ‬لها‭ ‬فذبحتْ‭ ‬ابنها‭ ‬وأعطتهم‭ ‬رأسه‭!‬

العامل‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬القصص‭ ‬هو‭ ‬استبعاد‭ ‬المنطق،‭ ‬لكنها‭ ‬تظل‭ ‬محتفظة‭ ‬بحضورها‭ ‬وسط‭ ‬تراث‭ ‬شعبى‭ ‬يعشق‭ ‬الخوارق‭. ‬وبعيداً‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات‭ ‬يظل‭ ‬رأس‭ ‬الحسين‭ ‬حائراً‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وإيران،‭ ‬تتنازع‭ ‬كلها‭ ‬على‭ ‬احتفاظها‭ ‬به‭.‬