كيف كان الحب في زمن الفراعنة؟.. خبير آثار يجيب

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

«سكن الجمال ديار مصر.. وأبى ألا يبرحها إلا على جناح الحب».. هكذا بدأ خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار حديثه عن الحب في مصر القديمة من خلال كلمات الحكيم المصرى القديم سنوهى.

ويوضح الدكتور ريحان أن شجرة الجميز التي كانت رمزًا من رموز الحب في مصر القديمة تظلل العشّاق بظلالها الوارفة وجذوعها الكبيرة المتعددة والمجوفة يبثون أشواقهم من خلال تجاويفها السرية يجلس أسفلها أحفاد من عرفوا معانى الحب الحقيقية وجسّدوها صروحًا ومعابد وتماثيل ومقابر ونقوشًا وبرديات فهم من قالوا عن الحب إنه هبة السماء تسكبه الطبيعة في كأس الحياة لتلطف مذاقها المرير .

اقرأ أيضا| في عيد الحب| زفاف على ظهور الأفيال ..صور
وهكذا يبحر بنا الدكتور ريحان في الأمواج الهادئة لأعظم وأشهر قصص الحب في مصر القديمة حيث أحب الملك أحمس الأول زوجته أحمس- نفرتاري الذي شاركته في الحكم وأقام لها معبدًا في طيبة وخُصص لها مجموعة من الكهنة لعبادتها وقدّسها الشعب بعد وفاتها كمعبودة  فجلست مع ثالوث طيبة المقدس (آمون وموت وخونسو).
 وقد استمرت عبادتها ستمائة عام بعد وفاتها وحتى الأسرة الحادية والعشرون  وقد سجل نقشًا في معبد الكرنك للملك حريحور، أول ملوك الأسرة الحادية والعشرون متعبدًا للأرباب آمون وموت وخونسو وأحمس- نفرتاري.

وينتقل إلى الملك أمنحوتب الثالث و زوجته تيي وقد أمر بإقامة معبد كرسه لعبادتها في منطقة صادنقا جنوب وادي حلفا ولهما تمثال كبير بنفس الحجم، مما يعنى علو الشأن والمنزلة والحب الجارف ، والملك أمنحوتب الرابع (أخناتون) وزوجته نفرتيتي (الجميلة تتهادى)، وقد ساندته في مشكلة تغيير الديانة الرسمية من عبادة آمون إلى عبادة آتون، وصاحبته للعاصمة الجديدة "أخيتاتون" بمحافظة المنيا حاليًا متحدية معارضة كهنة آمون ويشهد تمثالها بمتحف برلين الذى خرج من مصر بالاحتيال بطريقة غير شرعية ويصر الجانب الألماني على عدم عودته إلى مصر على مكانة نفرتيتى في قلب إخناتون.

ويشير الدكتور ريحان لمعبدى أبوسمبل الذى خلدا اعظم قصص الحب الذى جمع رعمسيس الثاني وزوجته نفرتاري  (جميلة الجميلات) والمحبوبة التى لا مثيل لها والنجمة التى تظهر عند مطلع عام جديد رشيقة القوام الزوجة الملكية العظمى مليحة الوجه الجميلة ذات الريشتين كما أطلق عليها فى مصر القديمة وبهذا فهى تستحق لقب ملكة جمال مصر القديمة وقد بنى لها معبد أبو سمبل الصغير بجوار معبده وأعد من أجلها بوادى الملكات أجمل مقابر تصور الملكة المحبوبة مرتدية ثياب الكتان الناعم، وتزدان بالحلي الملكية النفيسة، تصاحبها الآلهة.

وقد تجسّدت مشاعر الحب فى مصر القديمة فى عدة صور حيث صور المصرى القديم العلاقة بين الزوجين على الجدران بصور تدل على الإخلاص والوفاء ومنها وقوف الزوج مجاورًا لزوجته أو الجلوس معًا على أحد المقاعد بينما تلف الزوجة ذراعها برفق حول عنق زوجها أو تضع يدها على إحدى كتفيه أو تتشابك أيديهما معًا رمزًا للحب الجارف أو تقف أمامه لتقدم له الزهور أو تقف جانبه وتسند عليه ذراعها كناية عن معاونتها له فى كل الأمور.

ويضيف الدكتور ريحان أن  معانى الوفاء والإخلاص فى الحب جسدّها المصرى القديم فى أسطورة أيزيس التى تحكى كيف غدر ست بأخيه أوزوريس الذى كان يبغض فيه جمال وجهه ورجاحة عقله وحمله رسالة المحبة والخير بين البشر فدبر مكيدة للقضاء عليه ووضعه فى تابوت وألقاه  فى نهر النيل وانتقل التابوت من النيل عابرًا البحر المتوسط حتى وصل للشاطئ الفينيقى فى أرض ليبانو عند مدينة بيبلوس وأما إيزيس فبكت على أوزوريس وبحثت عنه على طول شاطئ النيل.

واختلطت دموعها بماء النيل حتى فاض النهر وعثرت عليه فى بيبلوس وحملت إيزيس بالطفل حورس من روح أوزوريس ورجعت به مصر تخفيه بين سيقان البردى فى أحراش الدلتا حتى كبر وحارب الشر وخلص الإنسانية من شرور ست.

وينتقل بنا الدكتور ريحان إلى "كليوباترا" الذى قال عنها الشاعر بلوتارك أن سرها يكمن فى شفتيها وقال عنها بينى بأنها كالقيثارة العديدة الأوتار الكثيرة الأنغام والإيقاع وقال عنها جانيميد إن لون عينيها الحالمتين يعكس زرقة ماء بحر الإسكندرية وعمقه فى هدوئه وثورته وكان أنطونيو المحبوب الأول والأخير لكليوباترا وكانت تظهر دائما برفقته فى زيارة معالم الإسكندرية وحضور أعيادها وحفلات القصر وقد تخلى أنطونيو عن مستقبله فى روما ليتبع ساحرة النيل إلى الإسكندرية ليستمتع بحبها وتزوجت من أنطونيو عام 40 ق. م وكانت نهاية أسطورة الحب عند هزيمة أنطونيو أمام أكتافيوس فى موقعة أكتيوم ليعود إلى الإسكندرية ويقتل نفسه بسيفه وتحتضن كليوباترا الكوبرا لتموت وهى فى كامل زينتها ويتوج رأسها التاج الملكى.

وينوه الدكتور ريحان إلى "إيزادورا" الفتاة  رائعة الجمال التى عاشت فى مصر القديمة منذ القرن الثانى قبل الميلاد وعشقت شابًا رفض أباها الزواج ثم وافق وحين ذهبت لرؤية المحبوب عبر ضفتى النيل اختل توازنها وغرقت وتم تحنيط جسدها ورثاها والدها بمرثية شعرية كتبت باليونانية وسجلت على جدران المقبرة وبقيت المومياء شاهدة على هذا الحب وكانت مقبرتها بتونة الجبل مصدر إلهام لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين وأقام بجوارها استراحة كان يقيم بها ثلاثة أشهر فى الشتاء طلباً للرومانسية وحياة الحب الخالد.

حيث كان يتوجه لمقبرتها قبل غروب الشمس لينير "المسرجة" الموجودة داخل المقبرة كما كان يفعل عشيق إيزادورا بعد وفاتها حيث كان يسير إلى مقبرتها لعدة كيلو مترات ليضئ الشموع ليشعل حرارة الحب الخالد من جديد.