«أمير الأطباء» ثلاث روايات خلدت رحلة ابن سينا من القصور الفخمة إلى الضواحي

ابن سينا
ابن سينا

«أرسطو العرب»، و«المعلم الثالث» بعد أرسطو والفارابي، و«أمير الأطباء»، و«الشيخ الرئيس»؛ جميعها ألقاب للحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، الطبيب والفيلسوف والحكيم والفقيه والفلكي.

هو نابغة العصور السابقة وواحد من بين قلة ممن وصلتنا أعمالهم ومعرفة ولو قليلة عن حياتهم الخاصة، حياة عريضة قصيرة فقد ترك ابن سينا لنا حوالي 450 كتابًا هامًا بين الطب والأدوية والفلسفة وعلم النفس والفقه، وفي اللغة والأدب والموسيقى والوله والشجن.

مارس ابن سينا الطب وألف كتابه «القانون» الذي سادت أفكاره لقرابة 500 عام في هذا المجال ولم يأت من بعده مثله، وتعمق في الشريعة والفلك، وقرأ ما تركه أرسطو 40 مرة، بخلاف مواقفه السياسية من الحكام، والتي جعلت حياته رحلة من القصور الفخمة إلى الضواحي، فمن سمرقند إلى شيراز، ومن بغداد إلى طبرستان، ذاع سره في أرجاء الشرق، حتى أنك تجد صعوبة بالغة في جمع سيرته وأعماله في أسطر قليلة؛ فما بالك بمن يقرر كتابة رواية هو بطلها؟.

«بوابة أخبار اليوم» تسلط الضوء على أبرز ثلاثة أعمال قدمت شخصية ابن سينا بطلًا لها .

«الرئيس»

تأتي أحداث رواية «الرئيس» لتستفزنا للبحث وراءها، صدرت الطبعة الأولى من الرواية في عام 2012، للكاتب محمد العدوي، وكتب مقدمتها الأديب والطبيب محمد المخزنجي ليحتفي بالكاتب في أول أعماله الأدبية.

تأتي الرواية من عمق الماضي الطهراني والقاهري في رحلة لتعقب سيرة ابن سينا، ثم الحاضر في القاهرة وفلسطين وطهران ثانية؛ حيث تمر الرواية بزمنين؛ زمن الكاتب وزمن المكتوب عنه، متجاوزًا أوهام الحدود الجغرافية والمذهبية واللغوية، ومؤكدًا على معنى الأمة في عناصر الوحدة التي تجزأت، حتى أنك تسمع صوت الشيخ محمد صديق المنشاوي يتلو القرآن في طهران.

تجلت في رواية «الرئيس» روح الكاتب الشرقية، في شعوره وسرده لشخصية شرقية أصيلة، فكما وصف الأديب محمد المخزنجي في تقديمه للرواية: « لم يمتثل لموضوعات الرواية الغربية ولا رواج الشائع من ظلالها لدينا، فقد كان ابنًا بارًا للشرق الثقافي والروحي، دون تنازل عن جماليات وتشويق الرواية حيثما كانت».

جمع الكاتب في روايته بين أدوات عدة مثل اللغة العذبة المحلقة وشعرية التأمل، والبحث الجاد، والخيال الخصب، بخلاف مهارته البارزة في تطويع الزمن لخدمته؛ فلا تنقطع الصلة بين الماضي والحاضر في الرواية، ليستخدم الكاتب بنية سردية يدور فيها الزمن دورات لا نهائية.

«ابن سينا والطريق إلى أصفهان»

هذه الرواية لجلبيرت سينويه، وهو كاتب فرنسي، ولد وعاش في القاهرة حتى عمر التاسعة عشر ليغادرها إلى فرنسا فيتعلم الموسيقى ويصبح عازف جيتار ماهر، ثم يتجه لكتابة الرواية، وخاصة التاريخية، لتكون هذه الرواية ثاني رواياته.

وقد اعتمد الكاتب في كتابة روايته على قرابة العشرين صفحة تركهم لنا أبو عبيد الجوزجاني عن مأساة حياة ابن سينا، في أن جعل الجوزجاني هو راوي الرواية، فهو التلميذ والتابع والرفيق لنحو 25 عامًا.

وصف خلالها أبو عبيد الجوزجاني ما تعرض له صاحبه في مستقره وترحاله، من ظلم من الملوك والأمراء وسطوتهم وملاحقته في كل مدينة يستقر فيها، ورافقه في قصور الأمراء وفي دروب الصحراء، ومن بغداد إلى طبرستان، ولمس تعب النفس والجسد في حياة مأساوية تغري بكتابتها بكل ما فيها من تقلبات وتفاصيل وقدر يتعارض مع ما يريده الإنسان.

كان من الواضح أن الكاتب لا يهوى التوثيق وسرد أحداث تاريخية لأهداف تثقيفية، ولكن بدا في سرده أنه لم يستخدم أدوات الكتابة لحكي قصة تاريخية، ولكنه استخدم القصة التاريخية في ألعابه الكتابية، أداةً له لتحقيق ذاته الكاتبة في السرد.

«فردقان: اعتقال الشيخ الرئيس»

تأتي رواية «فردقان» ليوسف زيدان، في سبعة فصول، هم: المزدوج، شيخ الرستاق، روان، ماهيار، ماهتاب، سندس، حي بن يقظان.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يكتب فيها يوسف زيدان عن الفيلسوف ابن سينا، فقد كتب عنه بحوثًا عن حياته الخاصة وكتبه، ولكنها المرة الأولى التي يجعل من الفيلسوف بطل رواية.

تبدأ «فردقان» من من حيث انتهى جيلبرت سينويه، سجن ابن سينا، ففردقان هي قلعة بإيران قضى فيها ابن سينا فترة معتقلًا، تأثرت بها شخصيته وكتابته، خاصة وأنه خارج أسوار القلعة كانت الاضطرابات السياسية مستمرة وصراعات بين الحكام المسلمين على حكم الدولة العباسية وكثير من الدم متفرق بين البلدان.

ويحكي زيدان في روايته عن علاقة ابن سينا بسجانه مزدوج المسؤول عن القلعة ومن أصبح بعد ذلك صديق الشيخ الرئيس ورفقته في هذه البقعة المقطوعة الغامضة من القلعة حيث يقبع الشيخ.

كما تتناول الرواية الفترة منذ عام 370 هجريًا ومولد ابن سينا في بخارى لأب أفغاني وأم خوارزمية، وحياة طويلة لابن سينا قضاها في وسط آسيا حتى النصف الثاني من حياته الذي قضاه في طهران وأصفهان وهمذان.