حكاية الريحانى مع «كشكش بيه».. وش السعد

غراميات «كشكش» مع الأجنبيات بالقاهرة
غراميات «كشكش» مع الأجنبيات بالقاهرة

نحتفى فى 21 يناير من كل عام بذكرى ميلاد عبقرى الكوميديا نجيب الريحانى، المولود بالقاهرة عام 1889، وفى ذكرى ميلاده الـ 132 نقدم مقالاً نادراً كتبه لمجلة "آخر ساعة" عن بداية رحلته مع "كشكش بك"، يقول فيه:

عملت موظفاً بشركة السكر، وفُصلت منها عندما ضبطت متلبساً بالبصبصة وقلة الحيا مع المدام حرم الخواجة الذى يترأسنى، ومن الشركة إلى قهوة ما زالت تعشش فى رأسى، كنت التقى فيها مع "شلة" الخايبين، وكنا نفترق بعد أن يبعث كل منا الأمل فى صدر زميله بأنه سيصبح فى يوم من الأيام "ممثلاً مفيش كده"، وكان يرأس الشلة عزيز عيد، وتضم إستفان روستى وأمين صدقى، وأنا، وآخرين، وكان "الجرسون" مطلعًا على ظروفنا، فلم يُطالبنا فى يوم من الأيام بالحساب، ولم يسألنا فى يوم من الأيام السؤال التقليدى: "تشرب إيه يا بيه؟"، ومرت الشهور، وبدا للخواجة "ينى" صاحب القهوة أن يسأل: "إيه دول؟"، فقيل له: "أرتست"، وعاود السؤال: "ومتلقحين كده ليه؟"، وجاءه الرد: "ناقصهم فلوس.. عايزين عشرة جنيه بس يا خواجة ينى"، وقرر "ينى" أنه على استعداد أن يضع هذا المبلغ تحت تصرفنا بشرط أن يشرف هو على صرفه، فرحنا وذهبت استأجر تياترو "برنتانيا" ودفعنا أربعة جنيهات، وراحت الجنيهات الباقية فى طبع التذاكر والإعلانات، واتفقنا على أن نعمل بنظام الحصص، فكان لى 31 سهماً، أذكر أن إيرادها بلغ فى يوم من الأيام ستة قروش ونصف! ومثلنا رواية فرنسية ترجمها عزيز عيد اسمها "خللى بالك من إميل" وأسندوا إلىَّ دوراً مضحكا، فقلت: "يا جماعة أنا ماليش فى النوع ده" لكنهم أصروا، ونجحت الرواية وبلغ الإيراد اليومى ثمانية عشر جنيهاً، فأعدنا إلى الخواجة جنيهاته العشرة، وظللنا نقدم روايات "فودفيل" وكانت أدوارى دائما مضحكة، وفى أحد الأيام لاحظت أن هناك من يتساءل:

"الجدع اللى بيمثل" أبو إميلى بيمثل الليلة ولا لأ ؟ وكان المتسائلون إذا عرفوا أنى أمثل دخلوا المسرح مسرورين وبالعكس، فأخذنى الغرور، وفى إحدى المرات قال لى الخواجة "ينى": "الأرتست اللى بيمثل أبو إميلى دى.. مافيش كده ابن الكلب دى!".

وشكره ابن الكلب.. اللى هوه أنا!

المعجبون جعلونى أتجرأ وأطلب من عزيز عيد أن يضع اسمى فى إعلانات المسرحية لكنه رفض، فتركت الفرقة وتركها بعد أيام بقية أفرادها، وعدت إلى قهوة "ينى"، واختفت الفلوس من حياتى إلى حين، وكان زميلى إستفان روستى يهبط على وهو يحمل فى جيبه علبة سجائر لا يقل ثمنها عن شلن، فسألته: "إيه ده يا إستفان.. انت استلفت؟"، قال ضاحكا: "استلف إيه.. خد بر نفسك بسيجارة"!، وفى أحد الأيام إلتقيت إستفان الذى صفق للجرسون مناديا: "هات قزازة بيرة يا جدع"، قالها وهو يخرج من جيبه علبة سجائر فاخرة فصحت: "يا خراب إسود.. قزازة بيرة مرة واحدة طيب ما تشوف مسألة الغدا الأول يا خيشة"، وعرفت أنه وقع على صاحب كباريه فى شارع الألفى يمثل عنده فى الاستعراضات التى تقدمها الفرقة نظير أجر يومى ستين قرشا بالتمام والكمال، طلبت منه أن يبحث لى عن عمل، أى عمل، بأى أجر، فقال إنهم يبحثون عن ممثل يقوم بتمثيل دور خادم بربرى، سألته عن الأجر فقال أربعون قرشا، فقلت مستفسرًا: "فى الشهر؟"، قال: "فى اليوم"، صحت فيه: "طيب ومستنى إيه يا مغفل لايمنى على دور الخادم ده"، وقابلنا الخواجة الذى اختبرنى ونجحت! وأصبحت من الأغنياء مرة أخرى، وانقطعت عن قهوة ينى!.

ومرت شهور، وذات ليلة تمثلت لى فى المنام شخصية "كشكش بيه"، وسألت نفسى: لماذا لا أظهر شخصية العمدة الفالح الذى غادر الريف وحضر إلى المدينة وانغمس فى ملاهيها وملذاتها إلى أن عرف أن حياة المدن لا تصلح له ولا يصلح لها؟، وكتبت اسكتش "كشكش بيه فى مصر" من فصل واحد ملىء بالرقص والطرب والدعابات، وقدمنا "الإسكتش" باللهجة "الفرانكو آراب" فنجح نجاحاً كبيراً، وطلب منى الخواجة أن أكتب غيره فكتبت ووصل مرتبى فى هذه الفرقة من 40 قرشاً فى اليوم إلى 14 جنيهاً يومياً!.

نجحت شخصية "كشكش بيه" وذقت من نجاحها الشهد، وارتفع دخلى مرة أخرى ووصل إلى 314 جنيهاً فى الشهر، وأصبحت ثرياً ألعب بالألوف، وتدين لى الشهرة، وكان الخواجة يسألنى كل يوم وكل ساعة: "شبيك لبيك.. اطلب ما تريده تجده بين يديك!"، فأطلب المال، والسعادة، فيصلنى ما أريد وأكثر!، لكن "النسوان" ورايا ورايا، وحواء التى طردت آدم من الجنة هى بعينها حواء التى طردتنى من الكباريه وأعادتنى إلى القهوة مرة أخرى، فقد ضبطنى صاحب الكباريه فى موقف عاطفى ملهلب مع المدام زوجته، وكان هذا زفت الختام!.

وبعد هذا، استأجرت مسرحاً خاصاً بى، قدمت لجمهوره النوع إللى صادف النجاح فى الكباريه، وذات يوم حضر لمصر ممثل فرنسى مشهور ذهبت لمشاهدة مسرحيته، ومال على الجالس إلى جوارى يقول: أدى التمثيل اللى يعمر المخ.. مش تهجيص الأراجوز "كشكش".. يا شيخ بلاش مسخرة!، ووافقته على ما يقول، وأنا أدارى الكسوف والخجل! ومن ذلك اليوم حاولت أن أقدم للجمهور مسرحيات لها موضوع ومغزى وفيها عبر، ومنها رواية مثلها غيرى فأغتنى وأصبح من الأثرياء، وعندما مصرتها ومثلتها، هوت بى من السماء إلى سابع أرض، وأصررت على تقديم هذا النوع من المسرح، وأصر الجمهور على الامتناع عن مسرحى! فلازمنى الفقر مرة أخرى وعدت إلى "قهوة ينى"، لكنى وجدت "ينى" آخر مكان الأول، ووجدت جرسوناً آخر قالى من اليوم الأول: "تشرب إيه ؟!"، فقلت له وأنا أنصرف: "ممنون"!. وبعدها عدت إلى "كشكش بك" مرة أخرى لأنه كان "وش السعد"!.

بقلم‭:‬‭ ‬نجيب‭ ‬الريحانى

آخر ساعة‭ ‬13‭ ‬ديسمبر ‭ ‬1944