جزاء الإخلاص

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

فى السادسة صباحاً، رن هاتفها، تفاجأت، فليس من عاداتها الاتصال فى وقت مبكر، أسرعت وأمسكت التليفون فى قلق وتوتر، فقد يكون أصاب والدها المريض مكروهاً، لكنها فاجأتنى بكلمات محددة وواضحة..

أحمد "مش هنقدر نكمل مع بعض، ده قرار كل أسرتى.. يكفينا عامان من الخطوبة، أما انتظار عام ثالث فهذا أمر مرفوض.. مع السلامة". 

هالنى ما سمعته من خطيبتى فى الهاتف، أنا مغترب فى السعودية من أجلها، عامان وأنا أعمل ليل نهار لتوفير نفقات زفافنا، لتأتى بعدها وتقرر فجأة فسخ خطوبتنا بكل سهولة.. حقيقة لا أتجاهل أنه كانت بيننا خلافات حول استمرارى عاماً ثالثاً فى السعودية، لكننى أقنعتها أن هذا لمصلحتنا، وقد وافقت على ذلك.. ماذا حدث وجعلها تتخذ هذا القرار المتسرع.

لم أستسلم لكلامها، تواصلت مع والدها، أخبرنى أن هذا قرار ابنته، وأنها لن تستطيع أن تتحمل عاماً ثالثاً من الخطوبة، وطلب منى نسيان ابنته، والبحث عن فتاة أخرى.

بمجرد أن انتهت المكالمة، كاد التفكير يقتلنى، ماذا أقول لأسرتى، هل أخبرهم أن خطيبتى التى أغدقت عليها نصف مالى فى شراء هدايا وشبكة ومساعدات فى جهازها لم تعد موجودة، ماذا سيكون رد فعلهم عندما يعلمون أن الشقة التى أقوم بتجهيزها فى مدينة دمنهور هى شقة إيجار وليس تمليكًا كما أخبرتهم، هل يعلمون أننى اشتريت الشبكة لخطيبتى بمبلغ خرافى، هل تدرك خطيبتى قيمة هذه الهدايا، وكم تحملت من تعب وعمل ليل نهار من أجل شرائها؟.. كل هذه التساؤلات كادت تقتلنى.. قررت أن أنتظر يومين لتهدأ الأمور وأتواصل مع خطيبتى للوصول إلى حل.

مر اليومان وأنا فى حيرة شديدة، اتصلت على هاتف خطيبتى، لمعرفة سبب قرارها المفاجئ بفسخ الخطوبة، لكن إجاباتها كانت صادمة.

- سألتها: لماذا قررت فجأة فسخ الخطوبة؟

قالت: اعذرنى يا أحمد لن أستطيع تحمل عام ثالث

قلت: لكن كان بيننا اتفاق، وأنت تعلمين أننى تغربت من أجلك.. والعام الثالث كان من أجل شراء العفش وتوفير نفقات ما بعد الزواج.

قالت: كنت أتحمل بضغط من والدى، على أمل أن تعود فى أى وقت وتحدد موعد زفافنا.

قلت: لكن معظم ما ادخرته فى عامين عمل بالسعودية اشتريت به هدايا وشبكة، وساعدتك فى شراء جهازك.

قالت: ليس لدى وقت للحديث فى هذه الأمور، والدى تستطيع الاتصال به وتنهى معه هذه المشاكل.

أدركت بعد هذه المكالمة أن خطيبتى لم تعد لى، وأننى يجب أن أنهى كل شيء مع والدها وبأسرع وقت.

تواصلت معه بهدف تحديد موعد لإرسال شقيقى للحصول على الهدايا والشبكة التى أرسلتها لابنته، خاصة أنها هى من طلبت فسخ الخطوبة من طرفها، حسب العرف المتداول فى بلدنا، لكنه تحجج بوفاة قريب له، وطلب الانتظار أسبوعاً لتحديد موعد للقاء شقيقى، وأوعز إلىّ بشكل مباشر أننى من أخلفت بوعدى فى الزواج، بعد عامين من الخطوبة.

أدركت أن هناك شيئًا ما يخطط له، مر أسبوع ووالدها لا يجيب على هاتفى، فقررت إرسال شقيقى إلى منزله لمعرفة ماذا يحدث.

بعد ساعة من اللقاء بينهما، تلقيت اتصالا،ً من شقيقى أخبرنى من خلاله أن الرجل رفض رد الشبكة والهدايا، وأنه أخبره أن الهدايا والذهب الذى أرسلته تم بيعه لشراء جهاز ابنته، حيث اعتبره هدية من الخطيب لخطيبته، فقرر بيعه لشراء الأجهزة الكهربائية.

كاد الجنون يقتلنى، وأصبحت فى حيرة من أمرى، هل ما تعرضت له كان نصباً، ماذا أفعل للحصول على مالى الذى ادخرته على فتاة لم تعد خطيبتى.

تواصلت مع محامٍٍ لمعرفة موقفى القانونى، وكيف أحصل على حقى؟، نصحنى بإقامة دعوى استرداد الشبكة والهدايا، على أن أرفق بها كل الأوراق التى تثبت شرائى لها.

حضرت إلى مصر فى أول إجازة، وطلبت حل الأمر مع والد خطيبتى بشكل ودى ورد الهدايا والشبكة أو قيمتها، إلا أنه رفض واتهمنى بأننى سبب فسخ الخطوبة بسبب عدم التزامى بإتمام الزواج بعد عامين من سفرى كما تم الاتفاق بيننا، لذلك لجأت للقضاء، وأقمت دعوى أمام محكمة الأسرة.

بعد عودة القضية من النيابة، ومع أول جلسة أخبرت القاضى بمشكلتى، شرحت له ماذا حدث فى ثلاث سنوات من الغربة، وكيف تحملت من أجل خطيبتى، وأننى متمسك بها ولم أفسخ الخطوبة، واتهمتهم أنهم من بادروا بالفسخ، كشفت له عن قيمة الهدايا والشبكة وسط ذهول من أشقائى الذين علموا لأول مرة أننى أنفقت 600 ألف جنيه هدايا وشبكة على خطيبتى.

نظر القاضى فى أوراق القضية بأكثر من جلسة، واستمع إلى الشهود الذين أحضرتهم وكانوا على صلة بشراء الهدايا والشبكة وقدمت الفواتير والصور والمكالمات التى تثبت أننى اشتريت هذه الهدايا والشبكة لخطيبتى.. ليقرر القاضى الحكم بإلزام خطيبتى برد الشبكة والهدايا.

بعد‭ ‬المداولة

قصتك كشفت عن ظاهرة اجتماعية يشهدها آلاف من الأسر المصرية، ومازال الخلاف بشأنها كبيرًا، لذلك كنا حريصين على نشر جزء من حيثيات حكم المحكمة، على أن يتم التأكيد فى الحيثيات على رأى الشرع والدين فى فسخ الخطبة، وأحقية الهدايا والشبكة للخاطب والمخطوب.

المحكمة أكدت أنها اطمأنت إلى أقوال الشهود الذين طلبتهم وشهدوا بقيامك بتقديم الشبكة لخطيبتك، وتأكدت من الفواتير التى قدمتها من أحد محال الصاغة ومحال الهدايا.

وأشارت المحكمة إلى أنه لما كان المذهب الحنفى يقر باستحقاق الخاطب أن يسترد القائم من الهدايا المقدمة منه أثناء الخطبة سواء كان العدول من المخطوبة أم منه لكون تلك الهدايا من الهبة الأمر الذى يحق معه للمدعى "الخاطب" المطالبة بما قام بتقديمه من شبكة للمدعى عليها خطيبته.

وبناء عليه.. قضت المحكمة بإلزام المدعى عليها "المخطوبة" بأن ترد للمدعى "الخاطب" ما قدمه من شبكة حسب الفواتير المقدمة منه.