حوار| عبدالحليم منصور: زواج التجربة شروطه باطلة ولا يتفق مع مجتمعنا

د. عبد الحليم منصور
د. عبد الحليم منصور

يتسم الدكتور عبد الحليم منصور أستاذ الفقه المقارن والعميد السابق لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، بآرائه الفقهية الوسطية المعتدلة، التى تحاول إيجاد حلول للقضايا المعاصرة دون التخلى عن الثوابت، كما أنه مؤيد للاجتهاد الجماعى فى القضايا الشائكة وذلك منعا لإثارة الجدل والبلبلة.

يحمل فكرا تجديدا مستمدا من منهج الأزهر الذى لا يتنكر للماضى ولا يرفض المستقبل وإنما يتطور تطورا مدروسا على أسس علمية ثابتة.. عندما قصدناه للاستفادة من رأيه فى بعض القضايا الجدلية المعاصرة لم يبخل فكان هذا الحوار القصير. 

- ماذا تقول عما يسمى بزواج التجربة؟

مصطلح زواج التجربة، الذى يقوم على توقيت الزواج لمدة معينة كخمس سنوات مثلا، فضلا عن منع الزوج من إيقاع الطلاق على زوجته خلال هذه الفترة، هذه أبرز سمات هذا الزواج على النحو الذى نشرته وسائل الإعلام..

هذا الزواج ينطوي على شروط تنافي مقتضى عقد الزواج، قال عنها العلماء شروط باطلة تؤدي إلى بطلان عقد الزواج، الذى سماه القرآن الكريم الميثاق الغليظ، ولأنه لا يتفق وبيئة المجتمع المصري التي تأبى هذا الأمر، ذلك أن البيئة المصرية تأنف من هذه الشروط، وتأبى الخروج على قواعد الشرع، وتأبى العبث بالميثاق الغليظ، لذا سارعت الهيئات الرسمية التي تعبر عن نبض المجتمع والأسرة المصرية مثل هيئة كبار العلماء، ودار الإفتاء المصرية إلى تحريم هذا النوع من الزواج، وبيان عدم صحته، لتعبر كل منهما عن المزاج المصري المعتدل فيما يتعلق بشأن الأسرة المصرية، وعدم العبث بها، أو النيل من استقرارها.

- بعد أن أدلت المؤسسات الدينية الرسمية برأيها فى الطلاق القولي مازلنا نسمع عن بعض الآراء التي تقول بعدم وقوعه ما رأي فضيلتكم؟

- قضايا الطلاق فى جلها قضايا ظنية لابتنائها على أدلة ظنية، إما من ناحية سندها، أو من ناحية دلالتها على الحكم الشرعي، وجل أحكام الطلاق محل خلاف ونظر بين الفقهاء، مثل طلاق الثلاث، والمكره، والمعلق، والبدعى، والهازل، والحامل، وبعض هذه الأنواع لم يتم الاعتداد بها على النحو الذي نظمه قانون الأحوال الشخصية 25 لسنة 1929م والتعديلات الواردة عليه فى القوانين المتعاقبة عليه، وبعضها لم ينظمه القانون.

وكان لهيئة كبار العلماء − التى أناط بها الدستور والقانون إبداء الرأي الشرعي فيما يحال إليها − رأي في هذا الأمر فيجب احترامه والعمل بمقتضاه، ولأن قانون الأحوال الشخصية المطبق الآن يؤيد ذلك ويتفق مع قرار الهيئة، والقاعدة الشرعية أن رأى الحاكم أو ولى الأمر في المسائل الخلافية رافع للخلاف فيجب الالتزام شرعا وقانونا بمحتوى القانون الواجب التطبيق الآن.

- ثارت قضية مؤخرا حول حرمة عرض مومياوات الفراعنة للمشاهدة في المتاحف بمقابل مادي فما الرأي الراجح فى ذلك؟

- مسألة عرض التماثيل الفرعونية التى يتم اكتشافها بين الفينة والفينة ليتعرف العالم على أسرار الحضارة المصرية القديمة أمر سائغ فقها وشرعا، للإفادة من منجزات العقول فى الماضى والحاضر استشرافا للمستقبل، أما مسألة عرض الجثامين، أو ما يسمى بالمومياوات فقد اختلف الرأى الفقهى حولها بين مانع لذلك لأنها تنافى التكريم الإلهى للإنسان بغض النظر عن دينه، أو جنسه، قال تعالى: "ولقد كرمنا بنى آدم"، ولأن الإنسان بعد وفاته يجب أن يوارى التراب، إلا لضرورة تدعو إلى ذلك قال تعالى: "ثم أماته فأقبره"، وبين مؤيد لذلك لأنها من قبيل السير فى ملكوت السماوات والأرض، للتعرف على عاقبة الذين من قبلنا، والتعرف على الحضارة الإنسانية القديمة لدى المصريين القدماء، وقياسا على مشروعية تشريح الجثث للتعرف على أسباب الوفاة، وكشف حال المجرمين، فيقاس عليها عرض هذه المومياوات بقصد التعرف على منجزات الحضارات القديمة، والأخذ بأسباب العلم، وسبله التى توصلوا إليها قال تعالى: "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ، كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِى الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ" غافر (21).

وختاما في هذه المسألة أقول: إذا كان الهدف من عرض هذه المومياوات هو هدف مادى بحت فهنا يتأتى القول بالمنع، لأن فيه امتهانا للآدمية التى كرمها الله عز وجل على النحو المشار إليه سلفا، أما إذا كان الهدف علميا، للنظر في آثار السابقين، والتعرف على حضارتهم، والاستفادة من منجزات العلم القديم لتحقيق مصلحة الإنسان فى الآجل والعاجل، فضلا عن عدم امتهان الآدمى، وعدم المساس به، أو العبث بجثته، فهنا يمكن أن يقال بالجواز والمشروعية فى ضوء ما سبق من ضوابط.

- العمل قضية أساسية وهي الفيصل فى تقدم الأمم ولكننا مشغولون بالقضايا الفرعية فكيف يمكن أن نعود للطريق الصحيح؟

- فى العصر الحديث تعتمد المجتمعات فى بنائها على التخصص العلمى بل والتخصص الدقيق أيضا، بحيث ينتج كل فى مجاله بما يخدم قضايا وطنه، ولكن للأسف كثير من الناس يقحم نفسه فيما لا يحسنه، ويثير البلبلة فى المجتمع، الأمر الذى يكدر الصفو والسلم العام فى المجتمع، لذا فإننى أدعو جموع المواطنين إلى أن يتقن كل منا عمله لقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" والبعض منا فى جنبات المجتمع، لا يعمل، وإن عمل لا يتقن عمله، فما أحوجنا إلى أن نكرس لثقافة العمل وإتقانه فى عقول المواطنين، وفى المقررات الدراسية حتى تكون ثقافة العمل والإنتاج التى أكد عليها ديننا وحث عليها ثقافة مجتمع، ومنهج أمة، وأسلوب حياة، حتى نستطيع أن نبنى وطنا قويا قادرا على مواكبة الحداثة والتطور فى كل مناحى المجتمع.

- لكم رأى فى أهمية الاجتهاد الجماعى فى القضايا الكبرى والالتزام برأى المجامع الفقهية فيها حدثنا عنه.

الاجتهاد الجماعى الذى نشاهده فى العصر الحديث من خلال هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ومن خلال المجامع الفقهية الأخرى فى العالم العربى والإسلامى أصبحت ضرورة حياة، لا يمكن الاستغناء عنها، لاسيما فى بيان الحكم الشرعى فى النوازل الجديدة التى تحدث فى دنيا الناس والتى لا يوجد لها نص مباشر فى الكتاب والسنة يضبط حكمها، لذا كانت الحاجة ماسة إلى هذا النوع من الاجتهاد الذى تتلاقح فيها العقول، وتتبلور فيه الأفكار للكشف عن حكم الله عز وجل فى النازلة المعروضة، لاسيما وأن الرأى الاجتهادى الجماعى أقرب إلى الصواب والقبول، لقول النبى عليه الصلاة والسلام: "لا تجتمع أمتى على ضلالة" وهذا ما كان يحدث فى زمن الخلفاء الراشدين عندما تنزل بالناس نازلة يدعون لها كبار الصحابة للبحث لها عن حكم فى كتاب الله، أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى هذا ترشيد لأمر الفتوى وضبطها، لاسيما فى هذا الوقت الذى تجرأ فيها كثيرون على أمر الفتوى، بما يكدر الصفو المجتمعى، والسلام الإنسانى بين البشر، على النحو الذى يفعله بين المنتسبين إلى الجماعات الإرهابية.