«عاش ياكابتن».. صنع الكثير من الأبطال لا يمكن عدهم

فيلم عاش ياكابتن
فيلم عاش ياكابتن

 خالد محمود يكتب

«عاش يا كابتن» .. صنع الكثير من الأبطال لا يمكن عدهم

الفيلم نموذج ثرى لواقعية السينما من الشارع  إلى منصات التتويج 


دون شك، تعيش السينما المستقلة في مصر، حالة من التألق، فبعد فوز فيلم «ستاشر: أخشى أن أنسى وجهك» بالسعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائى ، والفيلم الوثائقي «عاش يا كابتن» والذى يمثل بارقة أمل أخرى فى أن هؤلاء الحالمين بموجة مختلفة وثرية سوف يتصدرون المشهد الذى طال انتظاره من تواجد حقيقي ومؤثر للأفلام المصرية ليس فقط على ساحة المهرجانات العالمية الكبرى، بل وفى نظرة الجمهور المتشوق لواقع جديد على الساحة هنا، وهى المسألة التى أتمنى أن تحرك المياه الراكدة لدى جيل الشباب لينفض غبار اليأس وينتفض لتنفيذ أحلامه المؤجلة حتى ولو كلفهم ذلك الكثير ، فمهما كانت تلك التكلفة فإنها لا تساوي شيئا أمام لحظة إعجاب وتتويج جماهيري، ونقدى، مثلما حصل مع مخرجة وأسرة فيلم عاش يا كابتن التى حصدت ثلاث جوائز بمهرجان القاهرة السينمائي هى «الهرم البروزى، وإيزيس»، لأفضل فيلم يبرز دور المرأة اقتصاديا واجتماعيا ، وجائزة الجمهور.
 

الفيلم المثير للدهشة بصورته الواقعية يدور حول رحلة البطلة المصرية أسماء رمضان – زبيبة - و مدرب رفع الأثقال كابتن رمضان عبد المعطي من التدرب في الشارع السكندرى إلى منصات التتويج القارية، وهنا تأتى  قيمة كبرى هى كيف 
أبرزت مخرجتنا الموهبة فى فيلمها الروائي الأول ، التمسك بالحلم والأمل ليس فقط لأسماء، ولا الشابات اللاتي يحلمن بأن يصبحن بطلات في رفع الأثقال، ولكن لكل فتيات المجتمع . 


المدرب الكابتن رمضان الذى يجسد البعد الإنسانى الكبير التى برعت المخرجة فى تصويره فى قلب الحياة ، يمثل بحق بطل خارق، فهو يصنع من الهواة أبطالا حقيقيين، بل هو أكبر من الحياة نفسها، لأكثر من عقدين من الزمان، قام بتدريب الفتيات فى الإسكندرية على حمل أثقال الحديد، وفى مقدمتهن بالطبع ابنته نهلة رمضان التى أصبحت بطلة العالم، محققة ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة العالم للكبار بكندا عام 2003، اتضح للجميع أن شارع كابتن رمضان، وبالأخص أمام بيته، سيكون محل ميلاد العديد من البطولات، فمن بعدها جاءت عبير عبدالرحمن، أول امرأة عربية تصبح بطلة أولمبية مرتين، لقد صنع الكثير من الأبطال، لا يمكننا عدهم فى الماضى والحاضر وأيضا بإلهام المستقبل. 

فى الفيلم نلتقي بالكابتن رمضان من خلال عيون زبيبة البالغة من العمر 14 عامًا، وهي مراهقة ترتدي نظارة طبية وتحلم بأحلام كبيرة، قامت مى زايد بتصويرها على مدى أربع سنوات، لترسم رحلتها المجهدة فى حمل الأثقال لتكون البطل القادم، وفى نطاق السرد الدرامى، نرى مدى إلقاء الضوء أكثر بحياة الفتيات من حول زبيبة ما يجعلهن يسعين وراء هذا الحلم، بغض النظر عن التكلفة.

اللافت للنظر هو تقديم السيناريو بوعى الكابتن رمضان، وقد حقق كل هذا النجاح في تدريب البطلات بأقل قدر ممكن من الإمكانيات، ويعمل من صالة ألعاب رياضية قام بتشييدها في الهواء الطلق كملعب مهجور على قطعة أرض في زاوية شارع تبدو وكأنها على وشك أن تصبح موقعًا للبناء حيث تدور الجرافات فى فلكه، وتبرز الكاميرا المحمولة التى تدخل وتخرج الإحساس بفوضى المنطقة، لكنها تلتقط تلك اللحظات الملهمة فى عمل الكابتن رمضان الذى يبدو برأسه الأصلع وصوت لا يهدأ، وكأنه تمثال عملاق من  منظور البنات اللاتي يرفعن الأثقال ويوجههن ويشجعهن على رفع وزن أكبر، برد فعله  الإيجابى، ولا اندهاش فى أنهن يحبونه كثيرا فقد كان يمتعهم بقصص أيام مجده كرياضي، مدعياً ​​أنه أكل ذات مرة 36 قطعة من اللحم قبل المنافسة، يخاطبهم وكأنهم فتيان، ويثير إعجاب المارة في الحي بأن الفتيات أهم من الأولاد.

تأخذنا مى زايد يأخذنا أيضًا إلى منطقة عقل ومشاعر «زبيبة»، التى تبدو وكأنها تعيش  حكاية صراع مع الصعاب، من أجل تحقيق الحلم، وخاصة فى الوصول لوزن يمكنها من المنافسة الفئة المناسبة من أجل زيادة فرصها في الفوز.

في الحافلة التى تقل الجميع  إلى ساحة المسابقات، تتحدث الفتيات عن وزنهن والمشاكل الأخرى التي تنشأ.

 

تُستخدم الكاميرا المحمولة باليد لإظهار الضغوط والإجهاد ليس فقط من الرفع ، ولكن أيضًا للحياة نفسها.

 

ومع ذلك ، فالتقطيع والتغيير المستمر فى اللقطات في بعض الأحيان يشبه الضرب  بقبضة من حديد فى اتجاهات متعددة للتمسك بالهدف، وفى الجزء الأخير من الفيلم، نجد كل شيء يتغير عندما لم يعد الكابتن رمضان في الصورة.

ويصبح عمل الكاميرا أكثر ثباتًا ، مما يشير أيضًا إلى أن زايد أصبحت أكثر راحة مع الكاميرا ولديها فكرة أوضح عما تقوم بتصويره.

ويبدأ الفريق التدريب في صالة الألعاب الرياضية، بدلاً من ناصية الشارع ، وكأن روحا سينمائية أخرى قد دبت على الشاشة، بينما تبدأ نهلة رمضان تولى عملية  التدريب، وهى  أكثر احترافًا ، ومع تقدمها في السن ، تواجه زبيبة تحديًا مزدوجًا يتمثل في متابعة أحلامها الرياضية وحياتها عندما كانت مراهقة. إنه صراع حقيقي مثل التجارب والمحن التي واجهتها صانعة أفلام لأول مرة للتغلب على مواردها المحدودة.

كلاهما ينجح بتحقيق نتائج عظيمة  فى منافسة كبيرة ، وقد امتلأت الميداليات الملتفة حول رقبتهما ، زبيبة بطلة أفريقيا ، ومى تنال الجوائز . 

اقرأ أيضاأسرة فيلم «عاش يا كابتن» تكشف حقيقة إدعاءات مخرج الوحدة الثانية 

نجح الفيلم فى  كسر الصورة النمطية عن المرأة المصرية، فهو يقدمها كبطلة تتحدى الظروف لتصل إلى حلمها، فمعظم الأعمال الفنية تتناول المرأة كداعم لبطولة الرجل فقط، وكأن البطولة حكر على الذكور، خاصًة إذا تعلق الأمر بالألعاب الرياضية الصعبة  كرفع الأثقال.

بالتأكيد صناعة فيلم وثائقي مخاطرة، فالشريحة الأوسع من الجمهور تميل إلى مشاهدة الأفلام الروائية، لكن مخرجتنا الشابة أصررت على أن يظهر الأبطال الحقيقيين على الشاشة، دون أن يقوم أحد بتمثيل أدوارهم، ويرى المشاهد بعينه، الجهد المبذول من اللاعبات والمدرب في ظل محدودية الإمكانيات للوصول إلى منصات التتويج.