شهادة أم ميتة سوء ؟.. مات مريض كورونا واختلف على مصيره الشيوخ

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

تحتل التساؤلات حول فيروس كورونا، اهتمام العالم كله، وبعضها يتعلق بالناحية الدينية وإن كان الأمر ابتلاء وعقاب، وما هو مصير الميت بهذا الفيروس، هل هو شهيد أم ماذا؟

 

 

رأي الإفتاء يثير التساؤلات

كان سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية، أمس، قد أثار حالة من الجدل والخلاف بين عدد من علماء الدين، ونصه: «هل الموت بسبب فيروس كورونا يعد ميتة سوء؟».

وقالت الإفتاء: «موت المسلم بسبب فيروس كورونا لا يعد دليلًا -كما يدعي البعض- على سوء الخاتمة والميتة السوء، بل الصحيح والراجح أَنَّ الوفاة بسبب هذا الفيروس الذي يعد من الأوبئة التي يُحكم بالشهادة على مَن مات من المسلمين بسببها، فمَنْ مات بسببه من المسلمين فهو شهيد؛ وله أجر الشهادة في الآخرة؛ رحمةً من الله تعالى به، غير أنَّه تجرى عليه أحكام الميت؛ من التغسيلٍ، والتكفينٍ، والصلاة عليه، ودفنه».

 

هل الميت بكورونا شهيد؟

وعن هذا السؤال، قالت دار الإفتاء المصرية، إن موت المسلم بسبب فيروس كورونا يدخل تحت أسباب الشهادة الواردة فى الشرع الشريف؛ بناءً على أن هذه الأسباب يجمعها معنى الألم لتحقق الموت بسبب خارجي، فليست هذه الأسباب مسوقة على سبيل الحصر، بل هي منبهة على ما في معناها مما قد يطرأ على الناس من أمراض.

 

 

وأضافت أن هذا المرض داخل في عموم المعنى اللغوي لبعض الأمراض، ومشارك لبعضها في بعض الأعراض، وشامل لبعضها الآخر مع مزيد من الخطورة وشدة الضرر، وهو أيضًا معدود من الأوبئة التي يحكم بالشهادة على من مات من المسلمين بسببها، فمن مات به من المسلمين فهو شهيد؛ له أجر الشهادة في الآخرة؛ رحمةً من الله تعالى به، غير أنه تجري عليه أحكام الميت العادي؛ من تغسيلٍ، وتكفينٍ، وصلاةٍ عليه، ودفنٍ.

 

وأوضحت دار الإفتاء أن الشهداء على 3 أقسام: الأول: شهيد الدنيا والآخرة: الذي يقتل في قتال الحربيين أو البغى أو قطاع الطريق.

 

أما القسم الثاني من الشهداء فأشارت الدار إلى أنه شهيد الدنيا: وهو من قتل كذلك، ولكنه غلَّ في الغنيمة، أو قُتل مدبرًا، أو قاتل رياءً، ونحو ذلك؛ فهو شهيد في الظاهر وفي أحكام الدنيا.

 

والقسم الثالث: وهو من له مرتبة الشهادة وأجر الشهيد في الآخرة، لكنه لا تجري عليه أحكام شهيد الجهاد في الدنيا من تغسيله والصلاة عليه؛ وذلك كالميت بداء البطن، أو بالطاعون، أو بالغرق، ونحو ذلك، وهذه تُسمَّى بالشهادة الحكمية، وقد وسَّعت الشريعة الغراء هذا النوع الثالث؛ فعدَّدت أسباب الشهادة ونوَّعتها؛ تفضلًا من الله تعالى على الأمة المحمدية، وتسليةً للمؤمنين.

 

وأوضحت دار الإفتاء في الفتوى أنه بناء على هذه الأحاديث فإن موت المسلم بسبب فيروس كورونا داخل في أسباب الشهادة من جهات متعددة:

 

الأولى: تفاقم أمره واستفحال شره وشِدَّة ألَمِه، والتي جعلها العلماء علةَ أجر الشهادة في الخِصال المنصوص عليها، كما سبق.

 

والثانية: مرض الكورونا داخل في المعنى اللغوي العام لبعض الأمراض المنصوص عليها في أسباب الشهادة؛ كالمبطون، وهو عند جماعة من المحققين: الذي يشتكي بطنه مطلقًا.

 

والثالثة: أن هناك أمراضًا جعلها الشرع سببًا في الشهادة إذا مات بها الإنسان؛ كالحمى، والسُّل، وهذا المرض شامل لأعراضهما وزائد عليهما بأعراض أخرى ومضاعفات أشد.

 

والرابعة: أنَّ أحاديث الشهادة إنما نصت على الأمراض التي كانت معروفة على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم تأتِ لتخصيصها بثواب الشهادة بذاتها، بقدر ما جاءت منبهةً على ما في معناها من الأمراض التي قد تحدث في الناس جيلًا بعد جيل، وهذا المرض لم يكن معروفًا بخصوصه وقتها، لكنه مشارك في الأعراض لبعض الأمراض المسببة للشهادة؛ كذات الجنب؛ فإنها: ورم حار في نواحي الصدر، ومن أعراضه: حمى حارة، والسعال، وضيق النفس، والوجع الناخس؛ كما يقول العلامة الدهلوي في «لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح»، وهي نفس الأعراض الأكثر شيوعًا لفيروس كورونا.

 

والخامسة: الموت بسبب فيروس كورونا يدخل تحت اسم الطاعون؛ فإن معنى الطاعون عند كثير من المحققين وأهل اللغة: المرض والوباء العام.

 

 

مبروك عطية يثير الجدل

 وبعد ساعات من فتوى الإفتاء، علق مبروك عطية الداعية الإسلامي، برأيه حول المتوفى بفيروس كورونا وأن الحكم على الأمر وكونه شهادة أم لا يرتبط بالكثير من الأمور.

 

وقال الدكتور مبروك عطية، العالم الأزهري، إن الموت نهاية العهد بهذه الحياة الدنيا، والانتقال إلى حياة حقيقية سماها ربنا «الحيوان» أي الحياة الحقيقية، فالموت يأتي فى أي مكان إذا كان فى الحمام أو الكعبة المشرفة.

 

وأضاف أن الموت إذا جاء لشخص سليم أو أكثر وعملوا حادثا وتوفوا على إثر تلك الحادثة فهم شهداء، ما لم يكونوا هم السبب في انتحارهم ومخالفة قواعد المرور، إنما الوفاة عن طريق كارثة أرضية أو وباء يصيب البشرية في وقت واحد لا تكون شهادة أبدا بقراءات القرآن الكريم كله، وإنما وباء وانتقام وأسوأ ميتة، كأنهم قوم نوح الذين أغرقهم الله، ويجب أن نتوب إلى الله توبة نصوح. 

 

وأشار إلى أن ميتة السوء هو أن تموت على غير الملة، أي تأتي قبيل الوفاة وتلعن الدين ومن اتبعه أو تسبه، أو تموت على فجور، أو أن تموت وأنت في معصية الله، فالفرد يبعث على ما مات عليه، ما عدا ذلك فليس هناك ميتة حسنة وميتة سيئة، إلا حسن الخاتمة وهو أن تلقى الله وهو راض عنك. 

 

 وأوضح أنه لا بد أن نكون على يقين، بأن الأمراض والإنسان ما زال حيًا كما كان النبي محمد عليه الصلاة والسلام يقوله إذا زار مريضا، فكان يقول له النبي «طهور»، وذلك له معنيين لدى جميع العلماء، الأول هو أن يطهره الله من هذا المرض ويتعافى منه، والآخر أن الله يطهر المريض من ذنوبه بسبب هذا المرض، وذلك بشرط ألا يكون الإنسان سببا في إمراض نفسه.

 

وتابع: "ينبغي أن نفهم جميعا أن هذا الابتلاء الذي لا دخل لنا فيه وهو من الله عز وجل، يكفر الله به من الخطايا ما لا يعلمه إلا الله"، مشددا على أن من يقول شيء على الله وليس معه دليل على ما يقول فهو في جهنم وبئس المصير.

 

شومان: الحكم على شهادة الميت بكورونا أو نفيها لن يثبت أو يسلب عنه حكمه عند الله

 

فيما قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الأسبق: "لا أدري سببا لانشغال الناس بالحكم على من مات بسبب من الأسباب هل هو شهيد أو لا؟".

 

وأضاف خلال تصريحات له: «من مات فقد انتقل إلى ربه ووصفنا له بالشهيد من عدمه لن ينفعه أو يضره، فالله وحده هو من يفصل في أمره، وإذا تحدثنا عنه فإنما هو من باب فهمنا للنصوص التي وصلتنا في كتاب الله وسنة رسوله، دون إسقاط للحكم على شخص بعينه أو القطع بأنه شهيد أو لا».

 

واستكمل: «نقول من مات بكذا كما علمنا من النصوص فهو شهيد أما عن فلان بذاته فالله أعلم بكونه من الشهداء أو لا، ومن خلال استقراء النصوص الواردة في شرعنا نفهم أن من مات بجائحة عامة فهو من الشهداء».

 

وأكمل شومان: "من هذه النصوص ما روي أن أم المؤمنين عائشة سألت رسول الله عن الطاعون فأعلمها «أنأَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ» رواه البخاري.

 

وعنه أيضا: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» وفي الحديث المتفق عليه: «الشهداء خمسة: المطعون والمبطون، والغريق،وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله».

 

وأضاف الدكتور شومان، أن هذه النصوص الصحيحة وغيرها توجب علينا من باب البشير للناس والمواساة لأهل الميت القول: بأن من مات بجائحة تشمل الطاعون وغيره فهو شهيد بإذن الله، ولا داعي لهذا الجدل الدائر بين البعض.

 

وأكد: «كما قلت الأمر في النهاية لله وليس للبشر ووصفنا له بالشهيد أو نفي الشهادة عنه لن يثبت أو يسلب عنه حكمه عند الله، والأولى من ذلك أن تتوجه جهود العلماء لحث الناس على ضرورة الالتزام بالتعليمات الوقائية الصادرة عن جهات الاختصاص وبيان أنها ملزمة كأنها طلبت بنص شرعي،وأن مخالفتها حرام، وإلقاء بالنفس في التهلكة وقد نهينا عنه {ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة...} حفظكم الله من كل سوء ورفع عن بلادنا الوباء والبلاء».

 

كان مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، قد أكد خلال فتوى له، أن من مات بفيروس كورونا فهو شهيد له أجر شهداء الآخرة.

 

وقال إن من مات بفيروس كورونا، يطبق عليه ما يُطبق على أموات المسلمين من أحكام الدنيا من غسل وتكفين وصلاة جنازة، مستشهدًا بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «الشهداء خمسة، المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله».

 

وأشار إلى أن من مات بفيروس كورونا يدخل في حكم من مات بالطاعون وقد عرف ابن منظور في «لسان العرب» الطاعون بأنه «المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد له الأمزجة والأبدان».

 

وذكر أن الشهداء نوعان: الأول هو شهيد الدنيا والثاني هو شهيد الأخرة، فشهيد الدنيا والآخرة هو من مات في قتال أعداء الدين والوطن وحكم هذا الشهيد أنه لا يغسل ولا يصلى عليه بل يدفن في حالته، أما النوع الثاني وهو شهيد الآخرة، فهو من مات بسبب معين من مجموعة الأسباب التي ذكرت في الحديث الشريف والتي منها الموت بسبب وباء فيروس كورونا المستجد وكنه يغسل ويكفن ويصلى عليه صلاة الجنازة.

 

سعاد صالح: شهيد بأمر الله

فيما قالت الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: "يكون الميت بـ كورونا شهيدًا، أن كل من مات وهو مريض شهيد دنيا".

ولفتت لـ«بوابة أخبار اليوم »، إلى أن الشهداء نوعين، الأول هو شهيد الدنيا وهو كل من مات بسبب مرض أو دفاع عن نفس أو عن عرض أو مال، أما الثاني فهو شهيد الآخرة والذي يموت في قتال في سبيل الله في حرب مشروعة للدفاع عن العقيدة أو الوطن.

 

وأوضحت أن الفرق بين الاثنين، أن شهيد الآخرة لا يغسل ويدفن بملابسه، أما شهيد الدنيا يغسل ويدفن مثل أي ميت آخر ولكن درجته عند الله درجة الشهادة.