«باسوس».. العالم السري لتجارة «المنتجات الورقية» المضروبة

العالم السرى لتجارة  «المنتجات الورقية» المضروبة
العالم السرى لتجارة  «المنتجات الورقية» المضروبة

تحقيق: حسام عبدالعظيم وشاهندة أبوالعز

 

◄ «25 جنيهًا» سعر كيلو حفاضات الفرز الثالث
◄ 12 ألف جنيه ثمن تقليد الماركة التجارية
◄ حماية المستهلك: العلامات التجارية المزيفة يُعاقب عليها القانون
◄ صاحب محل جملة: المواطن لا يهتم كثيرًا بالأسم ولكن ما يُشغله السعر

داخل منطقة «باسوس» إحدى قرى محافظة القليوبية، تختفي مصانع «بير السلم» لإنتاج المناديل الورقية و(حفاضات) الأطفال والفوط الصحية النسائية،  قرية صغيرة تكتظ شوارعها بمحلات الجملة لعرض بضاعتهم على التجار الوافدين إليهم، وتنقسم المحلات لـِ بضاعات تحمل تصميما مزور للماركات المشهورة، وأخرى قد تسمع عن أسمائها لأول مرة، فتتزاحم بأكياس حفاضات الأطفال والمناديل الورقية الرديئة والتي يطلق عليها «البضاعة الشعبي».

ولكشف هذا الغموض ومعرفة الكثير من الأسرار التي يخفيها المكان وأصحاب الورش، انتحل محررا (الأخبار المسائي)، صفة تجار يرغبون في فتح محل جملة وقطاعي في منطقة شبرا. وأثناء جولتنا، للبحث عن ورش صناعة المنتجات الورقية، وجدنا أن أغلب المنازل والعقارات، حولت الدور الأرضى بها إلى مخازن وورش لصناعة المنتجات الورقية، ولا يوجد بها أي وسائل حماية مدنية مما يعرض العاملين للخطر، خاصة وأن معظم هذه الورش يعمل دون ترخيص، وتعرض المناديل الورقية والحفاضات وفوط السيدات بأسعار زهيدة مقارنة بالأسعار الحقيقية للمنتجات الأصلية التي يتم عرضها في السوق العام.

تتلاحم الورش والمصانع جنبًا إلى جنب بشوارع القرية، يقف أمامها الكثير من عربات النقل، تعبئ وتفرغ ما بها من حمولة لبعض الخامات المستخدمة، وسط ركام من الحفاضات المبعثرة والمناديل في الشوارع والحارات، تخفي داخلها الكثير من الخبايا والأسرار، فبعض الورش تلجأ إلى إعادة تدوير المنتجات وصناعتها من جديد ووضع أسماء ماركات مجهولة الهوية.

صاحب محل جملة، قال لنا إذا كنت تريد أن تعمل في هذا المجال يجب أن يكون لديك من جميع الأصناف سواء الغالية أو الرخيصة، متابعًا: "جميع المنتجات اللي عندي من الدرجة الثانية وإذا كنت تريد المنتجات الأصلية يجب الذهاب إلى غيري، ولكن نصيحة مني يجب أن يكون لديك من جميع الأصناف لأن كل حاجة ليها زبونها".

وبسؤاله عن أنواع المنتجات لديه، وهل هي مطابقة للمواصفات وتابعة للشركات المعلنة، أجاب: "هناك نوع من المواطنين لا يهتم كثيرًا بالاسم ولكن ما يُشغله السعر، ولن يكون في استطاعتهم شراء حفاضات أطفال لأبنائهم يتجاوز سعرها 150 جنيهًا وأكثر للعلبة على حسب نوعها، وبالتالي يبحث عن منتج أقل سعر وجودة معقولة أو جيدة".

وعن خريطة الأسعار للمنتجات الموجودة لديه، رفض أن يعطينا قائمة بالأسعار، قائلًا: "لا يمكن أن أعطي لك قائمة بالأسعار إلا في وقت الشراء، ولكن يمكن أن أخبرك مثلاً أنه يوجد أنواع كثيرة من المناديل مثل بيور والتي يبلغ سعرها 130 جنيهًا الـ12 علبة ويوجد بكل علبة 550 منديلًا، وياسمين وسعرها 100 جنيه لـ12 علبة وهذا غير موجود عندي، وهناك حاجات شعبية موجودة حاليًا مثل مناديل البرنس ويبلغ سعرها 55 جنيهًا لـ24 علبة ويوجد بكل علبة 350 منديلًا".

واستكمالًا لجولتنا ذهبنا إلى تاجر آخر بالمكان، قال: "يوجد العديد من الماركات التجارية والتي تتفاوت أسعارها بين الغالي والرخيص، ولكن يجب أن تحدد ماذا تريد على حسب المنطقة التي ستعمل بها، فأخبرته أنها منطقة شعبية (شبرا) فأخبرني أنه يجب أن يكون تركيزي على المنتجات رخيصة الثمن والأكثر شيوعًا بالمنطقة".

وأوضح: "هذه المنتجات يتم شراؤها من المصانع بمنطقة أكتوبر ونقوم فقط بتوزيعها، وفي بعض الأحيان نقوم بالتعبئة لبعض المنتجات، ونصحنا بالذهاب إلى بعض المخازن والورش الراقية"، لافتا إلى أن جميع المحلات هنا في الشارع الرئيسي لن تجد عندهم أسعار أقل من ذلك، ولكن داخل القرية يوجد الكثير من الورش والمخازن لديها منتجات وبأسعار أقل ولكن جودتها أقل، ولا ينصح بشرائها لأنها تسبب أمراض كثيرة لمستخدميها.

ما كان منا إلا الاستفسار منه عن الفرق وأسباب انخفاض سعرها، فأجاب: "تأتي هذه المنتجات سواء مناديل أو حفاضات أطفال أو فوط صحية للسيدات داخل بالات، ويقوم أصحاب الورش بتفريغها وتعبئتها في أكياس تحمل الماركات المشهورة وبيعها".

وبعد رحلة بحث دامت لساعات للسؤال عن مصنع ينتج مناديل ورقية أو حفاضات أطفال، وفوط صحية للنساء، دلنا أحد المارة عن مصنع يدعى «أحمد. ح» ومصنع آخر يدعى «ب. س» خلف العمارة السكنية.. ذهبنا على الفور إلى تلك المنطقة متسائلين عن اسم المصنع، وبمجرد النزول من طريق شديد الانحدار، وجدنا أكثر من 3 مخازن متجاورين.  

داخل أحد العقارات الحديثة، افترشت سيدة أربعينية وطفلة لا يتخطى عمرها 15 عامًا الأرض وسط أكوام من حفاضات الأطفال والمسنين والفوط الصحية، تلتقط الحفاضات من على الأرض الأسفلتية وتعبئتها داخل أكياس بيضاء كبيرة دون ارتداء قفازات، تمهيدًا لعرضها على تجار الجملة والتجزئة، رغم اتساع مساحة المخزن لكنه يخلو من فتحات تهوية، أو بيئة عمل صحية، أما عن مواصفات الجودة والتعقيم فحدث ولا حرج، فالأرض يملؤها الأتربة والعنكبوت ينسج خيوطه على جدران المخزن، بعد الترحيب بها وسؤالها عن إمكانية عقد صفقة تجارية لتوريد منتجات الحفاضات إلى أحد محلات الجملة بشارع شبرا، وقامت السيدة بعرض منتجاتها وقائمة لأسعارها، ما بين 10 جنيهات إلى 25 جنيهًا سعر كيلو حفاضات الفرز الثالث، وتتوفر جميع المقاسات، ولكن اختلاف الأسعار على حسب حالة الحفاضة فسعر السليم (جودة رديئة ولكن تم تقفيلها بشكل كامل) 25 جنيهًا للكيلو، بينما سعر الحفاضة مفتوحة (أي لم تتلقى تقفيل حسن) 10 جنيهات للكيلو، بينما تتراوح أسعار الفوط الصحية للسيدات ما بين 15 جنيهًا لـ35 جنيهًا وفقاً لحالتها ما بين سليم ومفتوح. 

يمكنك أيضًا أن تمسك البضاعة بيدك وتقلبها كيفما شئت حتى تطمئن، دون النظر لاعتبارات التعقيم، حيث اكتسبت المنتجات لونًا مائلًا للاصفرار الشديد قد تراه دون لمس.  تقول السيدة الأربعينية «م. أ»: "إحنا فاتحين طوال الأسبوع ما عدا الجمعة، شوفي اللي عايزاه ووقت الجد هيبقي في كلام تاني في الأسعار، البضاعة ماشية في السوق حلو وكله بياخد منها"، مؤكدة أن بضاعتها تلقى رواجًا كبيرًا لدى أصحاب محلات الجملة والتجزئة.

وخلال جولتنا داخل ورش صناعة المنتجات الورقية في «باسوس»، تكتشف عن افتقاد المخازن لاشتراطات الأمن الصناعي، فلا يوجد أي طفايات حريق أو فتحات تهوية كافية، وهو ما ساعد على انتشار الروائح الكريهة.

وفي الطريق إلى مصنع آخر يدعى «ش. ف»، وجدنا مخزن آخر يمتلئ بجميع  أنواع المناديل الورقية، شاب عشريني شهرته «شُعلة» أتى إلينا مرحبًا، متسائلًا عن مكان محل الجملة الذي سوف يورد إليه، حتى بدأ يطمئن لنا بعد تأكيدنا أننا من منطقة مسكنه. وبدأ في عرض بضاعته حيث يبلغ سعر مناديل الجيب 21 جنيهًا للكيلو، بينما يبلغ سعر مناديل الحمام فرز أول 19 جنيهًا للكيلو، بينما سعر الفرز الثاني 16 جنيهًا للكيلو.

وبسؤاله إذا كان هناك أسعار مخفضة عن ذلك، بدأ بعرض بضاعة أخرى قائلاً: «في مناديل الـ4 كيلو منها بـ85 جنيهًا، بس جودتها رديئة، ورائحتها مش حلوة، لكن موجودة اللي عايزينه هتلاقوا، في منها جيب وفي منها مناديل للسفرة».

حاولنا الاستفسار عما إذا كان بإمكانه تعبئة وتغليف المناديل الورقية في عبوات بأسماء ماركات بعينها، مثل التي تباع داخل عربات مترو الأنفاق، لينفي في بداية الأمر إمكانية تنفيذ ذلك، وبعد تبادل الأحاديث حول الأمر، أكد لنا أنه يمكن تعبئتها ولكن الأسعار سترتفع قليلاً عن السعر الذي سرده علينا، بسبب يومية العمال الذين سيقومون بتعبئة المناديل، قائلاً: «هزود على سعر المناديل 2 جنيه، عشان الناس اللي هجيبها تعبي البضاعة، بس البلاستيك والتصميم اللي عايزاه على العبوة مش عندي، في واحد هنا بيعمله، قوليله بس من طرف شُعلة».

وصف لنا طريق أحد محلات الأكياس البلاستيكية التي تقوم بضرب الماركات التجارية، والذي لا تبتعد عن مقر المحزن سوى أمتار قليلة، وفي طريقنا إلى المحل، وجدنا المصنع يدور بأكياس بلاستيكية ذات ماركات تجارية مختلفة، لكن يصعب الدخول لاقتصاره على العاملين فيه فقط. وبقرب المصنع وجدنا المحل وبه شخص يُدعى «محمد فتحي»، بدأنا بتعريف أنفسنا في إشارة إلى «شُعلة» صاحب مخزن المناديل الورقية الذي دلنا على ذلك المحل، سردنا ما نريد القيام به من تنفيذ تصميمات بلاستيكية خاصة بالمناديل الورقية الجيب والسفرة.

وبعد عدة أسئلة عن أسعار التصميم وكمية المطلوب تنفيذه وشكل التصميم، قال لنا: «التكلفة الإجمالية هتبقى 12 ألف جنيه، تكفي لـ 250 كيلو مناديل لأن سعر البلاستيك 45 جنيهًا، ومفيش مصنع هينفذ كمية أقل من كدة».

وبسؤاله عن حل آخر لتعبئة كمية مناديل تتراوح من 10 لـ20 كيلو فقط، قال لنا: «بصي هخدمكم، إحنا بنعمل جرد للمصنع الأسبوع دا، هشوفلك الأكياس البلاستيك الموجودة وتصميماتها وماركتها إيه والكمية المتواجدة وهقولك»... حيث تبادلنا أرقام التليفونات، على اتفاق الاتصال لإتمام عملية البيع. 

من جانبه، أكد دكتور أيمن حسام الدين، رئيس مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك، أن تعبئة المنتجات بعلامة تجارية دون أن يتم تصنيعها ويتم بيعها للمواطنين تعتبر جريمة غش تجاري يعاقب عليها القانون.

وتابع أن جهاز حماية المستهلك لديه خط تفتيش على جميع الأنشطة المتواجدة في السوق المصرية، حيث يقوم الجهاز بشن حملات دورية على مصانع «بير السلم» وفقاً للخطة الزمنية التي يعمل بها الجهاز، بجانب رصد البلاغات التي يتم العمل عليها بشكل فوري بمجرد التحقق من صحتها.

اقرأ أيضًا| سلالم الدائري.. الخطر «طالع نازل» | صور