١٠٠ يوم من (اتفاق السلام) .. ما الذي تغير؟

د. أحمد فؤاد أنور
د. أحمد فؤاد أنور

د. أحمد فؤاد أنور

مثلت المبادرة الإماراتية التي تم تتويجها بالتوقيع عليها رسميا يوم 15 سبتمبر الماضي خطوة جريئة كسرت الجمود في المنطقة، وغيرت في المشهد الفلسطيني بالضرورة بعد سنوات من الجمود فما أبرز ملامح هذا التغير وإلى أين يقودنا؟

عربيا وإقليميا: ايقاع الأحداث ووتيرتها بات متسارعا بشكل غير مسبوق، فبعد انضمام البحرين للمسيرة انضمت السودان، ثم أعلنت الرئاسة الفلسطينية عودة التنسيق الأمني والمدني مع تل أبيب، وتلتها المغرب بإعلانها استقبال رحلة طيران مباشرة والاتفاق على تعاون دائم وافتتاح مكتبين دبلوماسيين بعد أسبوعين.

وعلى صعيد مواز تجاوزت الامارات محاولات تعطيل صفقة الاف 35 التاريخية، وتجاوز السودان كذلك جهود رامية للابقاء عليه في قوائم الارهاب والابقاء على تبعات ذلك الاقتصادية والسيادية. حيث تم رفع الحظر عن أموال مجمدة بالفعل. وحصلت المغرب على اقرار ضمني بسيادتها على الصحراء الغربية. وإن لم يمنع هذا التطور من تواصل رفيع المستوى بين الملك محمد السادس، والرئيس أبو مازن تم التأكيد فيه على دعم المغرب للقضية الفلسطينية. واللافت للنظر أن تركيا أردوغان سارعت بدورها في موقف يجافي هجوم أبواقها على الاتفاق فور توقيعه ويجافي حقيقة استمرار التطبيع العسكري والاستخباراتي والاقتصادي والسياحي بكل قوة مع تل أبيب، بالإعلان على لسان مستشار الرئاسة التركية عن: "تطلعها لعودة التطبيع مع إسرائيل قريبا"!! وهو ما عززه أردوغان -في الحاح مفضوح- بتصريح يعلن فيه رغبته في تحسين العلاقات مع إسرائيل!!!

والملاحظ أن كل هذا الزخم يتم والرئيس الامريكي دونالد ترامب يلملم أوراقه أي أنه بلا حول لا قوة أو تأثير يذكر في ظل فوز جو بايدن في الانتخابات وفشل الجهود القضائية في اثبات مزاعمه بشأن حدوث تلاعب في نتائج الانتخابات.

الداخل الإسرائيلي: أما على المستوى الداخلي الإسرائيلي فقد تلاحظ استمرار الخلافات الداخلية الحادة حيث لم تمنح تلك الاتفاقات نتنياهو أفضلية أو حصانة,, فاستمرت الهجمات الضارية ضده حتى قادت في النهاية لحل الكنيست والتوجه لانتخابات رابعة في عامين. حيث انشقت عضوتين من الليكود (الذي طالما استفاد من انشقاقات المعارضة) وفتحتا الباب أمام اسقاط الائتلاف الحكومي.

وكان من مظاهر تفاقم الخلافات الداخلية في إسرائيل في اعقاب توقيع الاتفاق أن اتهمت بعض الأصوات اليسارية خلال الأسابيع التالية لتوقيع الاتفاق نتنياهو بأنه "يجامل الإمارات" بالابقاء عليها في "القائمة الخضراء" أي الدول التي لا يخضع من يعود منها إلى إسرائيل لحجر الكورونا، مما يمثل خطرا على الإسرائيليين. وهو ما شدد عليه القيادي اليساري عضو يريف اوبنهايمر. ويتسق مع أصوات أخرى استمرت في الهجوم الإعلامي وبث الأكاذيب ضد دولة الإمارات أمام الرأي العام الإسرائيلي.

وعلى صعيد المشهد الداخلي أيضا وجدنا أن عضو الكنيست اسحق بندروس يتهم بيني جانتس القائم بعمل رئيس الوزراء ووزير الدفاع، ووزير الخارجية اشكنازي بأنهم اقنعوا الولايات المتحدة بعدم الاستمرار في خطة الضم. والغرض من هذه الهجمات هو تحميل فاتورة الامتثال للمطلب الإماراتي بشأن تجميد خطة الضم والتي كانت ستقضي تماما على حل الدولتين لليسار وليس لليمين بقيادة نتنياهو، رغم  أن المطلب الاماراتي جاء واضحا ومبكرا في الصحف العبرية نفسها (عبر مقال غير مسبوق للسفير الإماراتي في واشنطون في شهر يونيو الماضي حمل العنوان الشهير: إما ضم وإما تطبيع). والامتثال له كان برعاية أمريكية علنية.

الخلاصة: التطورات المتلاحقة تستحق متابعة ورصد، كما تحتاج المائة يوم التالية للمائة يوم الأولى البعد عن المزايدات، وتنسيق في التحركات العربية، ورأب للصدع الفلسطيني الفلسطيني للاستفادة من تلك التحركات والخروج من مستنقع الجمود وحصاد بعض المكاسب في ظل اهتمام عالمي بتجاوز الكورونا وبملفات أكثر سخونة مثل ليبيا واليمن وسوريا، والخلافات مع الصين والرغبات التركية والإيرانية الجامحة في التمدد في المنطقة.