«صلاح جاهين» رسم البهجة بـ«الكاريكاتير» حتى أصيب بـ«الاكتئاب»

صلاح جاهين
صلاح جاهين

تحل علينا في 25 ديسمبر الجاري ذكرى ميلاد محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي، الشهير بـ"صلاح جاهين"، تاركًا رصيد ضخم من أهم الأعمال الفنية الخالدة، حيث تقلب «جاهين» بين عدد من ألوان الفنون، الكاتبة والشعر والرسام الكاريكاتير والتمثيل .


كان فن «الكاريكاتير» أحد الفنون التي مارسها واحترفها صلاح جاهين لسنوات حتى أنه تخلى عن مساحته المخصصة للكتابة في الجريدة التي يعمل بها آنذاك، ليلمع اسمه في مكان آخر وهو «الكاريكاتير»، وركز خلال تلك الفترة على ممارسة الرسم فقط، وانقطع لفترة طويلة عن كتابة الشعر في عموده الصحفي المخصص .

 

اقرأ أيضا| اسمه على أشهر شوارع شبرا.. من هو جد «صلاح جاهين»؟


اكتشاف موهبته في «الكاريكاتير»


اكتشاف موهبة الرسم عند «جاهين» جاءت من قبيل الصدفة، ولم يقتنع بأنه رسام ماهر حتى طلب منه ناقد فني أن يعرض رسوماته وينتقل للعمل في «روز اليوسف»، وفسر لجاهين موهبته بأنه يستطيع رسم خطوط بها خفة وحس فكاهي، ولكنه لم يقتنع بأنه أصبح فنانا، ولم يستجب لحديث الناقد الفني حتى طلب منه مدير تحرير روز اليوسف العمل كرسام في الجريدة، حتى طلب منه الراحل محمد حسنين هيكل العمل كرسام كاريكاتير في الأهرام .


وكان الرسامون أو بعضهم في هذا التوقيت يعانون من فقر في الخيال والموضوعات والإفراط في نكات مبتذلة وغير ذات معنى، لكن «جاهين» كان يتكلم في رسوماته عن هموم اجتماعية وموضوعات سياسية وسلبيات حاربها بريشته وقلمه، ولم يخل رسمه بعد ذلك من خفة ظل مصرية وطرافة يتسم بها الكاريكاتير عمومًا كفن.


أشهر شخصياته الكاريكاتيرية


وقد رسم صلاح جاهين العديد من الصور الكاريكاتيرية المعبرة التى اشتهرت شخصياتها مثل الفهامة، قيس وليلى، درش، قهوة النشاط، وكلها من الرسومات التى تحاكي الواقع حتى الآن، وكان كل ما حققه «جاهين» من نجاحات في فن الكاريكاتير كان ينقصه التطرق لأبواب أخرى فقد كان يتمنى أن تخرج رسوماته السياسية إلى النور، قائلا حينها: "طبعا مكانش ينفع إن أنا أنشر أي كاريكاتير سياسي في جريدة وده كان هيهدد مستقبلي كله".


ورغم أنها لم تكن رسوما لاذعة إلا أنه اكتشف عدم صلاحيتها للنشر، ففكر في أن يجمعها في كتاب، ولكن في نفس الوقت كانت الهيئة العامة للكتاب تطبع مجموعات كاريكاتير، فطلبوا منه أن يختار أفضل رسوماته لوضعها في هذا الكتاب، فرشح لهم جاهين الكثير من رسوماته مما استغرق الكثير من الوقت ليجعله يتفرغ لطباعة كتاب خاص به، وترك حوالي 1000 كاريكاتير لم يستطع استكمالها، على أن يختار منهم عطيات الأبنودي، وابنه بهاء جاهين، وتكون لهم حرية الاختيار النهائي لما سيوضع في هذه الكتب.


أول رسومه ساخرة


كانت أول نكت أو رسوم ساخرة لجاهين عن «الراديو في الأتوبيس»، لأن في ذلك الوقت انتشر اقتراح بوضع راديو في الاتوبيسات العامة ولم يكن صوت الراديو بنفس الجودة الحالية، فبمجرد تحرك الأتوبيس كانت الإشارة الصوتية تشوّش ويصبح الصوت مزعجا، فدشن حملة ضد هذا الاقتراح.


وقد خلق «جاهين» تجربة جديدة في الكاريكاتير المصري لم تكن معتادة في الصحف والمجلات آنذاك، كما تمرد على كاريكاتير الشخصية الواحدة، وأدخل مدرسة جديدة للكاريكاتير للصحافة العربية هي «كاريكاتير الموقف» أو ما بات يعرف بعد ذلك بـ«مدرسة صلاح جاهين للكاريكاتير»، التي مازالت معتمدة في الكاريكاتير العربي حتى يومنا هذا.


كان «جاهين» يراعي أنه يرسم في جرائد يقرأها أساتذة الجامعات والموظفين والطلبة وأنصاف المتعلمين، فكان يحرص على التواصل مع المتلقي ويبسط الأمور الضخمة بغير تسطيح أو إخلال فكانت رسوماته على عمقها تخرج مفعمة بالسخرية فيضحك لها القارئ ويتفاعل معها ويستمتع بها، ففي رسومات صلاح جاهين اهتمامًا بالتفاصيل؛ فهو إذا رسم بيتًا -كمثال- وجدنا الملابس والمتعلقات والسجاد والتلفزيون تمامًا كما لو أننا في منزل مصري حقيقةً.


كانت قوة صلاح جاهين الكاريكاتيرية، تكمن في سلاسة الخطوط و توازن رسم الشخصيات، في ابتعاده عن الموضوعات الشائعة أو التقليدية، ونظرة واحدة لرسومه الآن، رغم مرور كل هذه السنوات، توحي بأنها رسمت حديثا، فهي تعبر عن هموم المجتمع العربي التي لم تفارقنا حتى الآن منذ السبعينيات .


إصابة «جاهين» بالإكتئاب


وفي لقاء نادر لـ«جاهين» في برنامج «أوتوجراف» قال: "كنت في الأول برسم تعبيرات وديكور وناس واللي خلاني اتجه للكاريكاتير إني كنت بحب الصحافة قوي، وعايش في وسط الصحافة مع أحمد بهاء الدين ومصطفى محمود، فقولت أعمل الحاجة اللي أعرفها لأن أصلا كنت دارس فن"، مضيفا: "حاولت أزين الصفحات اللي بظبطها مع الكتاب، وكان في ناقد وجهني وقالي أنت حسك فكاهي ورسوماتك حلوة ارسم كاريكاتير، حتى جاء بهاء الدين رئيس تحرير روزاليوسف، وقالي تعالى ارسم الصفحات، ومن وقتها".


وعلى الرغم من استمرار «جاهين» فترة طويلة في رسم الكاريكاتير، والابتسامات التي كان يرسمها على الوجوه من خلال رسوماته، أصيب «جاهين» أكثر من مرة بالاكتئاب، بحسب ما قاله في اللقاء: "هو مرض المهنة لرسامين الكاريكاتير عموماً، كثير جدا من المهرجين أو رسامين الكاريكاتير عندهم اكتئاب، وأنا لفيت كتير في أمريكا ولندن وقابلت رسامين الكاريكاتير بتوع الصحف الأجنبية هناك، لاحظت على معظمهم إنهم مصابين بالاكتئاب برضه، وأنا أصبت بالاكتئاب كتير جدا".


واعترف «جاهين» خلال اللقاء أن زوجته قررت أن تعرضه على أكبر الأطباء النفسيين بالخارج، حتى تنتهي حالات الاكتئاب التي كانت تصيبه قائلا: "في مرة زوجتي قالت ليا أنا لازم أوديك لأكبر دكتور نفساني في العالم، فودتني على لندن، وقالت للدكتور دي حاجة غير معقولة إنت عارف جوزي في مصر بيشتغل رسام كاريكتير، راح قالها وإيه يعني ده كل رسامين الكاريكاتير عندهم اكتئاب ومن زبايني كان "فيكي"، ومكنتش أعرفه وقتها، وسألت عليه قالوا عليا ده رسام كاريكاتير مشهور وانتحر، وقتها كان عندي شعر، وقتها وقف".


أزماته بسبب الكاريكاتير


لقد كانت رسوم صلاح جاهين الكاريكاتورية مؤثرة للغاية، لدرجة أنها تسببت أكثر من مرة في أزمات سياسية عديدة كان من أبرزها اختلافه مع الشيخ محمد الغزالي بالكاريكاتير عند مناقشة مشروع الميثاق في عام 1962، فاستباح طلاب الأزهر دمه وتظاهروا وتجمهروا أمام جريدة الأهرام. 


كما أجرى معه المدعى العام الاشتراكي تحقيقًا بسبب كاريكاتير، انتقد فيه تقريرا حول نتيجة التحقيق في شأن تلوث مياه القاهرة.


كان صلاح جاهين على شفا دخول المعتقل، فقد وُضِع اسمه على رأس قائمة المعتقلين أكثر من مرة - نظرًا لما يعرف عنه من ميول يسارية ونقد للنظام - لولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر شخصيًا لحذف اسمه خمس مرات من هذه القائمة.