موائد القرابين بمصر القديمة وعلاقتها بالعالم الآخر

صورة موضوعية
صورة موضوعية

رصد الباحث الآثارى على سرحان بكلية الآثار جامعة جنوب موائد القرابين أحد العناصر الهامة في بناء العمارة الجنائزية في مصر القديمة ويعد أول استخدام لها منذ بداية الأسرات الحاكمة.

ويشير الباحث الآثارى على سرحان إلى أن أقدم منظر يصور مائده القرابين علي الأختام الأسطوانية الحجرية منذ الأسرة الأولي حوالي (2890- 3000) ق.م وكانت تمثل الطريقة العقائدية لإعادة الروح للمتوفي، وكان في بداية الأمر اعتبار موائد القرابين مجرد أوعية للطعام والشراب  والتي تتوافق تمامًا مع الواقعية القديمة للملك في جميع مراحله الإيدلوجية أيضا تم ظهور الزخرفة التصويرية علي موائد القرابين لكن هناك فرق بين موائد القرابين واللوحات الجنائزية.

ويوضح على سرحان أن اللوحة الجنائزية عبارة عن قطعة من الحجر المنحوت مستطيلة الشكل وفي الغالب تكون ذات قمة مستديره وينقش علي وجهها اسم المتوفي وألقابه ولم تكن مائدة الطعام التي تقدم للمتوفي قربانًا في عصور مصر الأولي ، يتجاوز رغيفًا يوضع علي حصير يبسط أمام المقبرة وأضحت صورة الرغيف والحصير رمزًا للقربان في الكتابة المصرية ، وأصبحت بتطور الحضارة منذ الدولة القديمة تتخذ أشكالاً شتي ، منها المنقول الذي يؤتي به عند أداء الشعائر ، ومنها الثابت الذي ينحت في الحجر أمام الباب الوهمي أو اللوح الذي يدل علي مكان القربان ويعتبر الغذاء عنصرًا أساسيًا لكل مجتمع ويمثل إعداده النشاط المركزي لكل ثقافة وعلى ذلك فالكثير من المجتمعات تقضي الكثير من الوقت في تجهيز الطعام وكما هو الحال في الوقت الحاضر في مصر فقد اعتبر الخبز عنصر أساسي في تكوين الغذاء المصري القديم فعلى الرغم من تضمن حملة القرابين وجملة القرابين وكذلك قوائم القرابين للعديد من أنواع الطعام التي تفيد المتوفى في العالم الآخر إلا أن الخبز قد تميز بظهوره على مائدة القرابين الموضوعة أمام المتوفى صاحب المقبرة الجالس إلى مائدة القرابين، وفي الغالب ما يصور صاحب المقبرة وهو يلامس أرغفة الخبز.

ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار الضوء على هذه الدراسة موضحًا الفرق بين موائد القرابين وآواني القرابين حيث تباينت أحجام أواني القرابين التقليدية بين الأواني صغيرة الحجم التي تراوح ارتفاعها بين 15-20 سم وبين الأواني الكبيرة التي تراوح ارتفاعها بين 25-38 سم ويبدو من دراسة أحجام هذه الأواني أن الأشكال الأولى من عصر الأسرتين الثالثة والرابعة قد تميزت بأنها أكبر حجمًا من مثيلاتها من عصر الأسرتين الخامسة والسادسة وإن كان ذلك لا يمثل قاعدة عامة لأحجام أواني القرابين في مختلف الأماكن.

وصنعت أواني القرابين التقليدية من طمي النيل الخشن الذي لم يحرق حرقًا جيدًا وقد قام "رازينر" بتحليل لعينات من مادة صناعة هذه الأواني ولاحظ أنها صنعت من طمي نيل خشن ذو مسامية عالية وأضيف إليه في أغلب الأحيان القش بكميات كبيرة في أغلب الأحيان ما يكون السطح الخارجي لهذه الأواني خشن عادي بلون بني مائل إلى الحمرة أوبني فاتح وفي أحيان أخرى يغطى السطح الخارجي لهذه الأواني بغشاء رمادي اللون أو بلون أحمر أو اللون الأبيض.

ويتابع الدكتور ريحان بأنه كثيرًا ما كانت تنقش بعض مناظر الطعام من خبز ولحم وطير وفاكهة وزهر من فوق رسم الحصيرة الأصلية وذلك مع أدعية تقليدية بوافر الطعام من قبل الملك والآلهة لروح المتوفي وربما زودت أحيانًا بمواضع منقورة للزيوت وقناة يجري فيها ما يصب عليها من القربان السائل حيث يستقبل في وعاء ملحق بها أو يوضع تحتها وكانت هذه الموائد تقام أحيانًا هدية من الأحياء إلي أحبابهم المتوفين وقد أطلق علي مائدة القرابين اسم ( خاوت ) و (تت) .

وكان لهذه المائدة مغزي ديني، وكان يوضع علي الموائد شتي أنواع القرابين وأهمها الخبز الذي كان له أهمية كبيرة للمتوفي حيث عثر عليه في المقابر منذ عصر بداية الأسرات ووجدت تعاويذ في نصوص الأفراد ومتون الأهرام والتوابيت وكتب الموتي تهدف إلي ضمان استمرارية إمداد المتوفي بالخبز في العالم الأخر  واعتبر الخبز طعام للآلهة أنفسهم واللحوم بأنواعها وخاصة الساق الأمامية للثور التي تحوي قوة الإنعاش وجاء في بعض البرديات الطبية أنه يمكن تنشيط المريض بعلاجه بجسم آخر يحتوي علي قوة الحياة وهو الساق المقطوعة من ثور حـي ، وكانت القرابين تُوضع بدءًا من عصور ما قبل التاريخ على حصير من القصب وكانت كلمة " Htp"  تُمثل تصوير تلك الحصيرة الموضوع عليها رغيف الخبز والتى أصبحت فيما بعد السطح العلوى للمائدة الذى تُوضع عليه القرابين.

اقرأ أيضا: حكايات الأسماك في مصر القديمة.. أنواعها وطريقة صيدها وحفظها.. صور