فى الصميم

23 ديسمبر..

جـلال عـارف
جـلال عـارف

فى الصباح الباكر يأتى الخبر اليقين: تم الانسحاب. البقايا المهزومة من جنود الجنود الغزو الفاشل خرجت فى ظلام الليل، وفى حراسة البوليس الدولى الذى أرسلته الأمم المتحدة ليؤمن الخروج الأخير لمن جاءوا قبل شهرين ظنا منهم أنهم قادرون على أن يوقفوا حركة التاريخ وأن يقهروا الى الأبد إرادة الشعوب التى كان عنوانها فى هذه الأيام الصعبة هو «مصر» وكان  رمزها الأسطورى هو «بورسعيد».
تزحف المدينة نحو القناة فى مشهد لايمكن أن تتوه تفاصيله عن الذاكرة. دموع الفرح مع مشاعر الفخر والكبرياء المنتصر. فوق الحشود التى تحتفى بالنصر الغالى تشعر بأن مواكب الشهداء تظلل السماء وتحتضن الأرض والبحر والقناة التى عادت لحضن الوطن لتنهى احدى اكبر جرائم التاريخ.
لم تكن لحظة فارقة بالنسبة لمصر فقط، وانما للبشرية كلها. كان نظام عالمى بأكمله يتهاوى بكل مافيه من ظلم واستعمار وقهر للشعوب واستغلال لثرواتها. كان الانتصار فى «بورسعيد» هو البشارة  بعالم جديدة من هناك ـ ومع النصر العظيم ـ كان الاعلان بأن تحرير باقى الوطن العربى سيكتمل، وبأن حركة التحرر الوطنى فى أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ستنتصر، وبأن شعوب العالم التى وقفت مع مصر فى وجه العدوان كانت تدرك أن العالم بعد نصر بورسعيد لن يكون أبدا كما كان على مدى قرون من قهر الشعوب.
واليوم.. وبعد كل هذه السنوات يظل نصر «بورسعيد 56» خالدا فى تاريخ مصر وفى مسيرة الانسانية كلها. تسقط كل دعاوى التشكيك وتصفية الحسابات الصغيرة وأحاديث العملاء والخونة. يبقى كفاح الشعب العظيم وتضحياته الجسام. وتبقى كلمات عبدالناصر «تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية» مفتاحا للمعركة الخالدة. ويبقى الصمود الاسطورى فى وجه العدوان وحتى النصر تأكيدا لقدرة شعبنا العظيم على صنع التاريخ وقهر التحديات.
تحية لأرواح شهدائنا، وسلاما لبورسعيد الباسلة، وليبق 23 ديسمبر عيدا لأحرار العالم ورمزا لانتصار الشعوب.