من حيث المبدأ

قوة السياسة.. وسياسة القوة

محمد حمدي
محمد حمدي

نعانى نحن المصريين من موروث ثقافى سائد يربط تلقائياً بين الحزب السياسى القوى وبين الدولة، نبادر إلى التلويح بأن الحزب المجتهد هو حزب الحكومة.. نسارع بوصف أى مؤسسة ناجحة قوية متمكنة من أدواتها بـ «المسنودة» أو المحسوبة على جهة هنا أو هناك، حقيقة هذا إرث سنوات طوال من تبعات سياسات أورثتنا إياها أنظمة متعاقبة فاسدة، طبقت على الجميع منطق «الاستعباد» أو «الاستبعاد» ؛ فالقريب منها الموالى لها الذى قدم فروض الولاء والطاعة والاستعباد «حبيب» يحصد كل المزايا، والرافض والمنتقد لا يحظى إلا بالاستبعاد من أحوزة المناصب وسياقات المكاسب، وللأسف لازلنا أسرى لهذه الصورة النمطية لأنظمة الحكم التى سادت لما يربو على 31 عاماً، 30 منها سيطر عليها نظام مبارك، وعام وحيد هو عام الجماعة الإرهابية.. وللأمانة فإن التجربتين كانتا كفيليتن بترك ذكرى سيئة لسياسة موصومة -هى سياسة القوة- ونهج معيب فى إدارة الدولة، «حزب الحكومة وحكومة الحزب» مصطلح عهدناه،ونسق عام يعكس لعبة سياسية سيئة السمعة، لكنها لعبة كانت مُحكمة فصلها «ترزية قوانين» هذه الأنظمة،لتتمكن أحزابهم من تكوين أكثريتها البرلمانية وتشكيل حكوماتها، و»كله بالدستور والقانون»، وطوال أكثر من 30 عاماً مورست فيها تحت قبة البرلمان المصرى شتى أشكال بطش الأغلبية وتهافت المعارضة، وبعد تغييب متعمد لمشروع وطنى واضح الملامح،وفى ظل إعلاء فج لمصالح حزبية ضيقة، كونت الجماهير فكرتها عن السياسة والأحزاب.. أما اليوم فنحن أمام سياسة بمفهوم جديد تمتلك أدواتها وتتمكن منها، تدرك أن المعنى المبسط للسياسة هو التوفيق بين المصالح المختلفة، وتُعلى المصلحة العامة للوطن ومواطنيه.. فى القلب من هذه التجربة حزب «مستقبل وطن».. وأنا أراه صاحب تجربة ملهمة، تستحق أن تشعل غيرة المنافسين فى الملعب السياسى، أما التجربة الملهمة للحزب فهى مخالفة لما شهدناه طوال 31 عاماً من 1981 حتى 2012، ومنافية لنهج الحزب الحاكم الذى يتمترس خلف أغلبيته الزائفة، محاولاً تمرير مشروعاته ورؤيته الذاتية.. جنح مستقبل وطن إلى ممارسة قوة السياسة.. دشن أماناته فى المحافظات وانطلق فى كل الشوارع، تمركز بالقرى والنجوع، أسس مشروعاً مبتكراً مختلفاً، فطن إلى ألاعيب «الإخوان»، وابتكر وسائل مضادة ومشروعة، ليهدم نموذج «كرتونة» الجماعة التى وُزعت على الفقراء والمساكين لاستغلال احتياجهم، وشراء انتمائهم.. طور الحزب الفكرة ودفع بها لمسارات أكثر رحابة، تجلت التجربة عندما كثف الحزب من توزيع الكراتين على الفقراء فى ظل أزمة كورونا.. أنا لا أغازل الحزب ولا أجامل.. وإنما وجب على كصحفى متخصص أن أتناول التجربة التى نجحت قياداتها فى نسج خيوط مصفوفة سياسية متفردة، راعت الاصطفاف الوطنى حتى عند صياغة وتدشين قائمة لخوض انتخابات البرلمان ضمت 12 حزباً، دونما استئثار أو طمع فى الأغلبية.. التجربة تستحق الدراسة المتأنية مع الأخذ فى الاعتبار بالفارق الكبير بين قوة السياسة، وسياسة القوة.