د. هاشم بحرى رئيس قسم الطب النفسى بجامعة الأزهر

الجرى وراء الثقافة الغربية «خيبة» وضياع للهوية المصرية

 د. هاشم بحرى خلال حواره مع «الأخبار»
د. هاشم بحرى خلال حواره مع «الأخبار»

الحفاظ على هويتنا المصرية أصبح تحديا صعبا فى ظل انحرافات سلوكية بدأت تظهر مؤخرا فى أسرنا المصرية، لكن هل تلك الانحرافات باتت تنبئ عن تحولات جذربة فى أخلاق المجتمع؟..هذا السؤال كان محورا للمناقشة مع أستاذ الطب النفسى د.هاشم بحرى الذى شدّد على ضرورة أن يكون لنا خط مختلف ولا نتبع الثقافات الغربية المدمرة لهوية الشعوب. وأكد على أننا فى حاجة لرؤية جديدة لتطوير علاقتنا داخل الأسرة المصرية.

«أصحاب المصالح».. عقبة أمام التطوير وتنمية المجتمع

بداية.. هل ترى أننا بحاجة إلى حملات قومية لتشكيل الوعى الصحى بالمجتمع ؟
فى 2005 تقريبا، كان المجلس القومى للطفولة والأمومة، والمجلس القومى للمرأة يتميزان بأن بهما تمثيلا لجميع الوزراء، أى مجلس وزراء مصغر، وكنت أحد مستشارى المجلس القومى للطفولة والأمومة فى عهد السفيرة مشيرة خطاب، وكان دور هذا المجلس الوزارى المصغر أنه يستمع إلى كل المستشارين فى كل المجالات، وبالتالى كان هناك نوع من التخطيط للوضع آنذاك.

وفى تلك الفترة نفذنا برنامجا للوقاية من المخدرات وكان برنامجا قوميا استمر العمل به على مدار ثلاث سنوات بالتعاون مع الأمم المتحدة ووزارة التربية والتعليم، نجح البرنامج بشكل كبير حتى أدرج فى المناهج الدراسية وكان مادة نجاح رسوب.

 

بعد ذلك تبعه برنامج ضخم للأطفال بلا مأوى، وما أقصده أن الحديث عن الوعى الصحى يستلزم حوارا مع خبراء فى كافة المواضيع المتعددة لتنمية المجتمع لأن هذا يشكل فارقاً كبيراً لأنه على سبيل المثال: قسم الطب النفسى بجامعة الأزهر مهتم جداً بالعمل المجتمعى، وأذكر أنه قد طلب منا أن نرفع القمامة من منشية ناصر، وهى قريبة جداً من مستشفى الحسين.

فوجئنا عندما بدأنا العمل أن الموضوع ليس فقط مجرد إزالة القمامة فهناك أصحاب المصالح وهم : مجتمع الزبالين، ورؤوس الأموال الخاصة به، وحيوانات مرتبطة بوجود القمامة، وصناعات فرعية لتدوير القمامة، وكذلك مجالس محلية مستفيدة أن هذه الفئات تظل تعمل ولا تثير مشاكل، وهناك فئة أيضاً تستفيد من أن يظل المكان على هذا الشكل حتى لا تداهمهم الشرطة.

وبالتالى كان لابد وقبل رفع كيس واحد من القمامة، أن نوفر حلاً لاحتياجات كل فئة، ومن ثم أى خطوة فى تغيير الوعى أو الثقافة أو الاتجاهات لابد من البحث عن الخطوط المستفيدة من كل شىء.


وماذا عن متابعتك اليوم لنشاط مجلسى الطفولة والأمومة، والمرأة ؟
لا أرى لهما نشاطا فاعلا كما كان فى السابق، إذ ربما تكون لهما أنشطة مع مجالس، أو اتحادات أخرى، أو مع عدد من الوزارات، لا أعلم، التمثيل الوزارى كان يسهل الأمر، مثلما يحدث الآن فى العاصمة الإدارية، بمعنى أننا كنا نتخذ القرارات فى أول اليوم وفى آخره كنا ننفذها، بالتالى سهولة الأمر كانت فى سرعته.
 

العلاج..دينار!
رغم التقدم التقنى إلا أن ثقافة الدجل والشعوذة استغلت تلك التقنية فى زيارة انتشارها.. كيف تفسر ذلك ؟
ما قبل ابن سينا وعظماء علماء الشرق الأوسط كانت لا توجد خزعبلات كما هو الحال الآن، لأنه كانت تؤتى بالأسباب، لكن ما حدث بعد ذلك أن الخدمات الطبية انهارت وأصبحت سيئة جداً، والمريض إذا أصابه مثلاً ألم فى ذراعه يلجأ إلى الكمّدات، ثم يسأل من حوله، وفى النهاية يذهب إلى المستشفى الحكومى لينتظر دوره فى الكشف بعد 200 مريض، أما الطبيب فعليه أن يفحص كل هذا العدد وإن لم يسرع سيكون مصيره الضرب، وبالتالى الخدمة قليلة جداً، والأدوية وتنويعاتها غير متوافرة لذلك كان المريض يلجأ إلى العلاج الشعبى.

فى وقت من الأوقات مصر كان فيها ثانى مستشفى أمراض نفسية على العالم بعد بغداد ولكن حرقه التتار، فدخل بعد ذلك مستشفى ابن طولون. آنذاك لم يكن أحد قد اخترع دواء للحالات النفسية وكان المطلوب أن المريض العقلى يكون إنسانا مقبولا ومحترما فى المجتمع لأن قبوله واحترامه سيهدئ الأعراض التى يعانى منها، فكان المريض يذهب إلى المستشفى يومياً ليعطوه ديناراً وبالطبع الشارع كله يعلم أن هذا المريض معه نقود فكان الجميع يقدم له الطعام والشراب، وأى صاحب محل يفرح جداً لدخوله لأنه سيدفع، إذن المجذوب زمان كان محبوبا وكانوا يقولون عنه « أن فيه حاجة لله»، أما اليوم فيقولون « العبيط أهوه»، إذن على حسب الخدمة الطبية التى يتم تقديمها إذا كانت صحيحة وحتى بدون علاج لن يكون هناك دجل أو شعوذة.


هيئة  الشراء  الموحد
ربط انتشار الدجل والشعوذة بسوء الخدمات الطبية.. ما تقييمك لها حالياً ؟
على مستوى المستشفيات الحكومية أرى تقدماً كبيراً بسبب هيئة الشراء الموحد، قبل ذلك كان كل مستشفى يشترى قائمة دواء خاصة به وشركات الدواء كانت تقدم الهدايا للأطباء الذين يصرفون الدواء وكان هذا يصب فى صالح صرف الدواء وليس صالح المريض حتى قامت الحكومة بإنشاء هيئة الشراء الموحد الذى تحدد أى نوع دواء يتم صرفه وذلك بناء على سعره، وتعبئته، وصناعته، وفاعليته، ونتائجه الجيدة وتوزعه على كل المستشفيات الحكومية، والتعليمية، التأمين الصحى.

وبالتالى أصبح لا يوجد تلاعب من قبل شركات الأدوية الأجنبية والتى كانت أسعار أدويتها باهظة جدا، لذلك أرى أن هيئة الشراء الموحد إيجابية وممتازة، بالإضافة تجديد المستشفيات تحت إشراف القوات المسلحة مثلما حدث فى مستشفى الحسين مما أحدث نقلة نوعية فى المستشفى وخدماته، نعم يوجد تحسن بنسبة 40 % وبالتأكيد أحسن من صفر لكن ليس هذا هو المراد من رب العباد.


هل ترى أن تزايد الانحرافات السلوكية داخل الأسرة المصرية ينبئ عن تحولات جذرية فى أخلاق المجتمع ؟
الأسرة كائن، والكائن له عقل واع ولاواع، ومثالاً : لدينا بيت غير نظيف وغير مرتب، والأم ترفض هذا التصرف، وتطلب من أولادها أن يظل المنزل نظيفاً، من يتحدث هو العقل الواعى للأم، أما فى العقل الباطن اللأولاد فلا فارق معهم، ثم تظل الأم تحاول مع أولادها، حتى تيأس وتنهار وتكون النتيجة أنها أصبحت تعيش نفس الحالة، إذن سلوك الرفض يتحول من العقل الواعى إلى العقل اللاواعى.

ومثالاً آخر: شوارع مصر كانت معروفة من زمان أنها نظيفة لكن عندما امتلأت بالقمامة أصبحنا نسير بها بشكل عادى.. إذن العقل الواعى صاحب العقل اللاواعى وأصبح الإنسان غير رافض لأى شىء من حوله، بالتالى سلوك المجتمع قائم على رضا الأسرة عن هذا السلوك.
 

هل نحن فى حاجة لأسلوب جديد لتربية أبناء هذا العصر ؟
بالتأكيد، نحن نحتاج رؤية جديدة لتطوير علاقتنا داخل الأسرة مثلها مثل فكرة تجديد الخطاب الدينى، لقد تقابلت مرة مع (رشدى فكار) هو مؤرخ إسلامى والابن البار لـ(روجيه جارودى) فى باريس وسألته :«لماذا مع كل الجينات التطورية نحن غير قادرين على فعل شىء؟»، فقال لى : « تخيل سيارة أمريكانى 8 سلندر بها مشكلة فى الموتور ونحن نجرى وراءها.. كل قاذورات الثقافات الغربية نقف وراءها»، يجب أن يكون لنا خط مختلف، مثل اليابانيين هم لديهم عربتهم ولديهم الخط الخاص بهم، ويحافظون على عاداتهم وتقاليدهم، كذلك الصين والهند.أما فرنسا عندما شعرت بأنها ستفقدها ثقافتها وحضارتها على يد الأمريكان حددت قناة واحدة فقط لعرض الأفلام الغربية الأمريكانى.بالتالى لابد أن نصون أنفسنا،ولا نسير خلف الثقافة الغربية بحجة أنها تطور فهى خيبة وبالتالى نحن سنفقد هويتنا.


هل تعتقد أن تدليل الأبناء يفقد الآباء الشعور بالخطر تجاه أولادهم ؟
مراحل التطور عند الإنسان تكلم عنها علماء كبار مثل (إريك إيركسون)، و(فرويد) وصنفوها عمرياً..كل مرحلة عمرية لها رغباتها وإشباعاتها، والأسرة إذا أعطت الابن أقل يشب محروماً، وإذا أعطته أكثر يشب مدللا ولا يهمه أى شىء فى الدنيا، لذلك على الأب أن يعلم جيداً ما الذى يعطيه لابنه وفى أى مرحلة.. لكن ما يحدث أننى عندما أشترى (لاب توب ) لابد أن أعرف وظائف الأزرار التى أمامى قبل أن أضغط عليها..بالتالى كم أب قرأ «أزرار»ابنه قبل أن يربيه!
 

ما التفسير العلمى لظاهرة تباهى المخطئ بنشر خطيئته عبر وسائل التواصل الاجتماعى ؟
بالتأكيد هو لا يتباهى بفعله ولكنه من المؤكد أنه يسعى لزيادة عدد مشاهديه من أجل دخل مادى أكبر. أذكر أننى عندما كنت فى الولايات المتحدة الأمريكية بدأت قناة cnbc الإخبارية إرسالها ببث أخبار عادية جداً حتى آخر اليوم ثم عرضت إحصائية لمعرفة آراء الناس فيما قدمته طوال اليوم فكانت النتيجة أن الآراء كلها أجمعت على أنها تريد أخبارا بها « مصائب ».
 

كيف ترى تأثير وسائل التواصل الاجتماعى على مجتمعنا فى الفترة الأخيرة، خاصة بعد الإغلاق الجزئى الذى عشناه بسبب الموجة الأولى لكورونا؟
أراه إيجابياً لأننى واحد من الناس عندى مؤتمر سنوى دولى، وكنت معتاداً أن يأتى من الخارج طبيبان أو ثلاثة أطباء كل عام، هذا العام حضر تسعة أطباء أون لاين لذلك موضوع تبادل المعلومات أون لاين فى المجال الطبى إيجابى جداً.
 

وماذا عن تطبيق الـ (تيك توك ) بشكل خاص ؟
(فلوس) ! وهو كذلك على مستوى العالم كله، لاشك أن سلبياته صعبة جدا ولكن له زبونه. لا يوجد أحد يجبر غيره على مشاهدة شىء وعندما كانوا يتحدثون من قبل على أن أفلام الرعب تؤثر على الناس.. وكان السؤال هو من الذى يحب مشاهدة هذه النوعية من الأفلام فوجدوا أن شخصية المتلقى بها مشكلة لأنه يخرج ما يشعر به من غل وغضب داخل الفيلم.

وكيف ترى نجاح فكرة تشكيل الوعى الجمعى أمام سلبيات الشبكة الإلكترونية ؟
مثل السجائر، هى مضرة وهذا وعى جمعى، ولكن لا يحدث أن أحدا يتأثر به أو يصدق كلامه إلا إذا ابنه أصابته كارثة أو انتحر.. فى هذه الحالة تبدأ الناس تصدق، لقد حضرت فى فرنسا افتتاح أول مستشفى لعلاج إدمان الإنترنت، مستشفى كامل بعيادات خارجية، وتمريض.. إذن الأمر وصل إلى مرحلة إدمان للموبايل وللإنترنت !
 

الموجة   الثانية
مخاوف عديدة من موجة ثانية لوباء كورونا..فهل ترى أننا تجاوزنا تأثير الموجة الأولى ؟ وكيف نهيئ أنفسنا من الناحية النفسية للموجة الثانية؟
أجرينا بحثا فى مستشفى العباسية وجامعة الأزهر حول تأثير كورونا على المصريين على مجموعتين.. إحداهما أصيبت بكورونا، وأخرى لم تصب بالوباء وجدنا الآتى:الأمراض العصابية ( القلق والرهاب والفزع والخوف ) زادت جداً، الأمراض العقلية ثابتة كما هى، نسبة الإصابة فى الرجال أكثر من النساء،وفى الأعمار المتوسطة كانت بشكل أكبر.

أما الأمراض النفسية زادت جداً والأطفال كانوا أكثر تأثرا وانعكس ذلك على الدراسة والتركيز والوزن وعملية الهضم..مشاكل كبيرة جداً لم نتجاوزها بعد.. لذلك لابد من محاولة عمل أى نشاط داخل المنزل وعدم الاستسلام للجلوس بدون حركة فى حالة لو تطور الأمر.