ملحمة تحويل ميدان التحرير إلـــــى «متحف مفتوح»

ميدان التحرير بعد التطوير
ميدان التحرير بعد التطوير

ياسمين عبدالحميد

10 شهور أو تزيد قليلًا.. كانت كافية لتحقيق الإنجاز.. ففى تلك المدة الوجيزة نجح المصريون كعادتهم فى تحدى الصعاب وحوّلوا ميدان التحرير ∀التاريخى∀، أحد ميادين قلب القاهرة النابضة، إلى متحف عالمى مفتوح يليق بمصر ومكانتها ويعبر عن حضارتها العريقة، ويكون شاهدًا على الحدث الذى ينتظره العالم أجمع بكل شغف، وهو مرور الموكب الكبير لملوك مصر ∀المومياوات الملكية∀ وصولًا إلى متحف الحضارة..

مُجرد المرور فى ميدان التحرير بثوبه الجديد يجعلك تشعر بالفخر والامتنان لحضارتك المصرية الأصيلة، والانتماء لتاريخ وطنك الحديث، بعد أن ترى كيف تم المزج بين التاريخ الحديث والحضارة الفرعونية ليُخرج المصريون إلى العالم هذا الميدان العالمى.. لقد تحول إلى قطعة من الجمال وليصبح مزارًا ضمن المزارات الأثرية والسياحية بمدينة القاهرة، وشاهداً تاريخيا على حياة مصر والمصريين يُبرز حضارتنا الفريدة للعالم، ويُضاهى فى جماله ميدان الشانزليزيه الفرنسى بباريس وهو الميدان الذى أنشئ التحرير على غراره..

حيث كان الخديو إسماعيل مُغرمًا بالعاصمة الفرنسية، وأراد تخطيط القاهرة على غرارها فأنشأ ميدان الإسماعيلية مشابها للشانزليزيه وتتلاقى فيه كل شوارع القاهرة مع الميدان الذى أصبح اسمه بعد ذلك ميدان التحرير..

ملامح التطوير

أول ما يلفت انتباهك لحظة الدخول إليه من بعيد وبعد تطويره هو تلك المسلة الفرعونية الشامخة التى ما إن تقترب منها إلا وتجدها مُحاطة بـ4 كباش فرعونية فى وسط الميدان، وتلك المقاعد الموزعة حولها بالتساوى وبطريقة هندسية فى جميع أنحاء الميدان، وهذه المسطحات الخضراء، وتلك الأنواع المُختلفة من الأشجار والوروود، وواجهات المحال التجارية موحدة التصميم، وواجهات العمارات موحدة الألوان، بعد أن تم رفع كافة اللوحات الإعلانية الموجودة أعلاها.. ثم منظومة الإضاءة المتطورة التى تُظهر فى المساء معالم الميدان بالكامل وكأنه قطعة فنية آية فى الجمال.

المهندس سيد فاروق، رئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب، قال إن مشروع تطوير ميدان التحرير شارك فيه عدد من مؤسسات الدولة، وتحت إشراف مجلس الوزراء، ومن سيدير الميدان سيعمل جاهدا على الحفاظ على مكوناته، فلم يعد مجرد ميدانا مروريا، بل هو معبِّر عن مصر بكل مكوناتها وحضارتها بالآثار الموجودة به وأهمها بالطبع المسلة والكباش الأربعة وكذلك شجر الزيتون.

   ويوضح أن تطوير الميدان لم يكن بالأمر الهيِّن خاصة أن المنطقة كانت مُحاطة بحركة دائمة للمواصلات ويتوسطها محطة مترو أنور السادات، كما أن العمل على تطويره كان يستلزم استخدام معدات شديدة الضخامة، وكانت تلك الصعوبة الأكبر التى واجهت العاملين هناك، حتى أن قياس الحمولة التى يفترض أن تكون فوق محطة مترو الأنفاق، أخذ الكثير من الوقت والاستعدادات حتى لا يكون هناك خطورة على محطة المترو، وعلى القطع الأثرية التى تم وضعها فى الميدان..

وكان تطوير الساحة الرئيسية للميدان ∀الصينية∀ هو الجزء الأهم بالمشروع، وقد جاءت فكرة التصميم عبر وضع علامة مميزة للميدان تعبر عن مصر وقوتها وحضارتها وشموخها، فكان اختيار ∩المسلة الفرعونية∪ لتوضع بالمنتصف.

ويشير المهندس وليد عمارة، أحد المشرفين على أعمال تطوير الميدان، إلى أنه تم تركيب وإعادة ترميم مسلة الملك رمسيس الثانى، وتم نقلها من منطقة صان الحجر الأثرية بالشرقية، وكانت مقسمة لعدة أجزاء، وبلغ ارتفاعها مُكتملًا بعد تجميعها 19 مترًا، وبلغ وزنها نحو 90 طنًا، وهى منحوتة من حجر الجرانيت الوردى، وتصور الملك رمسيس الثانى واقفًا أمام أحد المعبودات، إضافة إلى الألقاب المختلفة له محفورة على المسلة.

وتم تثبيت 4 كباش فرعونية حولها رمزا إلى القوة وتم وضعها على القواعد المخصصة لها، هذا بخلاف نافورة بـ3 مستويات حول المسلة لتضفى مظهرًا جماليًا على الميدان، مع توفير أعداد مناسبة من المقاعد والجلسات للمواطنين فى جميع أنحاء الميدان، وبما يتناسب مع حجم الحركة به، كما تم تطوير مسارات المشاة، بما يسهِّل من عبور المواطنين فى أماكن مُحددة، كما تم إضافة لمسات جمالية من خلال زيادة المسطحات الخضراء، وتوفير أنواع مختلفة من الزراعات مثل شجر الزيتون.

ويؤكد أن المشهد بالكامل داخل ميدان التحرير قد اختلف تمامًا، وأصبح لدينا نحو 30 ألف متر للجمهور من المواطنين تم إعدادها كممشى سياحى، يستطيع المواطن السير والجلوس فيها دون دفع أى أموال، كما أنه لن يكون هناك رسوم للتصوير.. مُشددًا على أن العمل أثناء فيروس كورونا لم يعق العاملين، حيث كان يتم تطهير أماكن إقامة العمال بصورة دورية، وكان هناك تشديد على ارتداء الجميع للكمامات.

توزيع الإضاءة

تكلفة الإضاءة بلغت 60 مليون جنيه.. هكذا وبلغة الأرقام بدأ كلام محمد عبدالعزيز، رئيس شركة الصوت والضوء، أوضح أن: هذه التكلفة شملت إضاءة ميدان التحرير بالكامل، وكافة المبانى المُحيطة بالميدان ومنها مبنى وزارة الخارجية، وجامعة الدول العربية، ومجمّع التحرير، والمتحف المصرى بالتحرير، وإضاءة المنطقة المحيطة بالمسلة والكباش الأربعة، إضافة إلى إضاءة النخيل المزروع وسط الميدان وعلى الجانبين.

ويشير إلى أن الإضاءة فى صورتها النهائية تستهدف إظهار الشكل الجمالى للميدان وإبراز المعالم الحضارية به، حيث يتم إضاءة كل قطعة أو وحدة بالميدان وفق دراسة لكل وحدة على حدة، وفى الوقت ذاته تُحقق التناغم بين إضاءة الوحدات مع بعضها البعض.

ويوضح أن إضاءة ميدان التحرير ليست الأخيرة، لكن هناك سلسلة من مشروعات إضاءة القاهرة من بينها القاهرة الخديوية، لافتًا إلى أن هذه المشروعات تستهدف فى المقام الأول استعادة الوجه الحضارى للعاصمة التاريخية والحضارية فى قلب العالم العربى.