الصوت أم الإشارة.. أيهما أقدم كلغة تواصل بين البشر؟

الصوت أم الإشارة .. أيهما أقدم في ما قبل التاريخ؟
الصوت أم الإشارة .. أيهما أقدم في ما قبل التاريخ؟

ألقى الباحث الأنثروبولوجي ياسر الليثي، الضوء على أصل اللغات ومتى وكيف وأين نشأت، وهو موضع بحث ونقاش منذ قرون وإلى الآن، واختلفت الآراء حول الأصل الفعلي للغات وعمرها.

ويوضح "الليثي"، أن أسباب صعوبة دراسة هذا الموضوع هو استحالة العثور على اللغات في شكل أحافير، كما هو حال الأشياء الملموسة في الثقافة المادية الأخرى، وبناءً على ذلك يجب على كل من ينوي دراسة أصل اللغة أن يستخلص الاستنتاجات من أنواع أخرى من الأدلة كسجل الأحافير والأدلة الأثرية وأيضا من التنوع اللغوي المعاصر، ومن دراسات اكتساب اللغة أو المقارنات بين لغات البشر ونظم التواصل بين الحيوانات، خصوصًا الرئيسيات. 

اقرأ أيضًا: اكتشاف موقعين سكنيين عمرهما 2000 عام شمالي الصين

ويضيف الباحث الأنثروبولوجي، أنه بحسب "تولرمن" عالمة اللغويات الشهيرة، فمعظم ما نطلق عليه وصف لغات قديمة لا تتعدى أعمارها 6 آلاف عام، وهي من حيث الأساس تشبه تماما اللغات الحديثة، ويمكن رصد الجذور الحقيقية لمعظم اللغات قبل 50 ألف سنة على الأقل، ويظن معظم علماء اللغويات أن المدى الزمني أبعد من ذلك بكثير.

وتقول تولرمن: "يعتقد عدد منا أن الأمر يعود إلى نحو نصف مليون عام، إن النطق (الصوت الفعلي للغة الحديث) لا يساوي اللغة (والتي تعني نظامًا كاملًا من الكلمات والرموز)، وهو ما يجعل من الصعب جدًا اقتفاء جذور اللغة عبر أدلة جينية في ظل ما يزخر به الحاضر من معرفة".

وتضيف تولرمن، أننا نحتاج إلى امتلاك قدر كبير من الكلمات حتى نستطيع إقامة بناء سردي وأن نقص القصص وأن نكرّس لطقوس، وعليه، فإن الأمر ربما استغرق مئات الآلاف من السنين من البدايات الأولى حتى يستطيع الإنسان أن يحكي قصة.

من جانبه، يقول خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، عن هذه الدراسة، إنه يوجد بين اللغة البدائية واللغة المعاصرة خطوة فسيحة وقفزة هائلة، لكن كل اللغات المنطوقة اليوم بالغة التعقيد، ونحن نعلم أن البشر المتكلمين بكل تلك اللغات المختلفة بدأوا يتمايزون عن بعضهم البعض كتجمعات بشرية قبل نحو مئة ألف عام على الأقل، وحينئذ على الأقل، كان هذا المستوى من التعقيد قائمًا، بحسب "تولرمن".

ويضيف: "ليس لدينا دليل، وبالرجوع لفصائل القردة بحثا عن إشارات ممكنة، نجد أنها تستخدم ما يسميه المتخصصون (كلمات)، فالقردة  تصدر أصواتًا يُدرك مغزاها أو على الأقل تثير انتباه بقية أعضاء الجماعة تجاه وجود حيوان آخر مُفترس كالنسر والنمر على سبيل المثال، ويمكن البناء على ذلك والقول إن تلك الأشياء الملموسة البسيطة للغاية في بيئتنا المحيطة كانت ذات يوم الكلمات الأولى التي تلفظ بها الإنسان".

وينوه الدكتور ريحان، إلى نظرية بديلة تقول إن الكلمات الأولى كانت تشبه كلمات أخرى أساسية نستخدمها اليوم، مثل "شش" طلبا للهدوء و"بِسْت" للفت الانتباه و"واو" للتعبير عن الدهشة وغيرها، ولا تزال هذه الكلمات حية في كل اللغات على اختلافها، لكن الجامع بينها هو غياب التركيب اللازم من ترتيب للكلمات والعبارات لبناء جُمَل محكمة الصياغة في أية لغة.

من ناحيه أخرى، يقول عالم اللغويات (مايكل كورباليس)، متحدثا عن (لغة الإنسان الأول): "كانت (سفنكس)، وحشًا رهيبًا في الأساطير اليونانية، وكانت تعيش على مشارف طيبة، موقعة الرعب في قلوب أهلها وزوارها، بما تطرحه عليهم من ألغاز، وقد نذرت سفنكس أن تقتل نفسها إن وجدت ما يحل اللغز وهو: (ما الشيء الذي يمشي على قدمين في شبابه، وأربع في طفولته، وثلاث في شيخوخته، ولكن كلما زادت أقدامه كان أضعف) وجاء أوديب بالحل: (الإنسان، يزحف في طفولته على أطرافه الأربعة، وفي شيخوخته يتكئ على عصا يصلّبُ بها ساقيه الواهنتين. وفقط في زهوة الحياة، يمشي منتصبًا على قدمين – فقتلت سفنكس نفسها كما وعدتْ، وتخلص منها أهل طيبة)".

إن المشي انتصابًا على قدمين، كما يقول كورباليس، هو العامل الرئيس الذي ميَّز الإنسان من القردة العليا: (الشمبانزي، البونوبو، الغوريللا، الأورانجوتان) وإذا كانت اللغة قد بنيت في البدء على (الإشارات)، فلا بدّ أن نعد المشي على القدمين، خطوة مهمة، لأنه أتاح للإشارة أن تتطور بحُرية ويرجع تاريخ أول مخلوق، حدد مبدئيًا على أنه من الإنسانيات إلى حوالي (ستة ملايين سنة)، فقد وُجدتْ بعض المجموعات الأشولية في افريقيا، وخارج افريقيا، وبشكل بارز في فلسطين، التي يفترض أنها كانت تقع على ممر لاحق للهجرة من شمال شرقي افريقيا إلى جنوب غربي آسيا .

ويُضيف (كورباليس)، بأن الفيلسوف كونديلاك هو أول من طرح في منتصف القرن الثامن عشر، الفرضية القائلة بأن – اللغة نفسها نشأت من الإشارة،  والخلاصة، هي أنه، مُنذ (6 ملايين سنة) مضت، نهضنا واقفين على أقدامنا، وهذا الوقوف هو الخاصية الرئيسية التي ميزت الإنسانيات عن القردة العليا الأخرى، ولكن التقدم من اللغة الأولية إلى اللغة المنطوقة النحوية الحقيقية، ربما لم يبدأ إلا منذ أكثر من مليوني سنة مضت، عندما ظهرجنس الهومو.

وكانت اللغة إشاريةً، على رغم أن الأصوات أخذت تتخللها بصورة متزايدة ، وفي الحقيقة أن هذه التغييرات قد لا تكون اكتملت حتى في نياندرتال منذ 35 ألف سنة، لكن الأصوات جاءت تتويجاً للإشارات وليس للحلول مكانها، فاللغة حتى اليوم، نادراً ما تكون صوتية خالصة، وقد يعود اختراع الكلام إلى (مائه ألف سنة) مضت، وقد يكون تقدم التكنولوجيا، نتيجةً لاختراع الكلام الذي حرَّر الإنسان من المشاركة في الإتصال، وسمح للناس بالحديث بينما هم مشغولون بأنشطة يدوية.

النظرية الإيمائية

تنص النظرية الإيمائية على أن لغة الإنسان تطورت من الإشارات والإيماءات التي كانت تستخدم للاتصالات البسيطة، ولكن يبقى السؤال المهم لكل النظريات الإيمائية هو ما سبب تحولهم من الإيماءات إلى اللغة الصوتية ولتفسير ذلك فقد اقترحت تفسيرات مختلفة مثل: "أن أجدادنا بدؤوا باستخدام الكثير من الأدوات، والمعنى أن أيديهم أُحتلت وأنشغلت ولم يعد باستطاعتهم استخدامها للإيماءات والإشارات". 

الإيماءات اليدوية

تتطلب أن يكون كلا من المتكلم والمستمع مرئيين ومشاهدين لبعضهم البعض في كثير من الحالات، ربما احتاجوا إلى التواصل حتى بدون الاتصال المرئي ومشاهدة بعضهم، على سبيل المثال، حينما يحل الظلام أو عندما تعوق أوراق الشجر عنهم الرؤيا.