شــاعر فى أرض المعـــركة

رفعت سلام
رفعت سلام

جرجس شكرى

فى لقائنا الأخير فى بيته - منذ ما يقرب من شهرين تقريبا، أنا والصديق أحمد سراج - حملت معى الطبعة الجديدة من «قصيدة النثر» ترجمة راوية صادق ومراجعته وتقديمه، الكتاب الذى أحدث دوياً حال صدوره بالعربية استقبلنا رفعت سلام هذه المرة جالساَ على كرسيه منهكاً وقد نال منه المرض، نال من صموده وإصراره، حاول أن يبدو قوياً، حاورنا، كان يبتسم بصعوبة، ويتكلم بصعوبة وتقريبا لا يتحرك، لم أستطع الاستمرار فغادرت، وودعت سراج دون أن أنظر إليه ومر أمامى شريط ذكريات ثلاثين عاماً.
عرفته مع جيل السبعينات فى مطلع التسعينات وكنا ننظر بامتنان إلى الجيل الممهد الطريق إلى قصيدة النثر، ننحاز إلى صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطى حجازى وأدونيس والماغوط وسواهم ولكن الأقرب إلينا شعراء السبعينات فى مصر حتى ونحن نختلف معهم.
توطدت علاقتى مبكراً بحسن طلب وبعد ذلك حلمى سالم وأمجد ريان وعبد المنعم رمضان ووجدته فى لقاء حول أمل دنقل فى أتيليه القاهرة مختلفاً عنهم، وكأنه يقيم سياجًا، وقد أبعدنى هذا السياج عنه فى البداية إلى أن قرأت ترجمته ليانيس ريتسوس ومن قبل ديوانه إشراقات فسقط هذا السياج، وحين صدرت الأعمال الكاملة لكفافيس طلب منى أنا أشارك فى تقديم الكتاب بقراءة قصيدة للشاعر اليونانى العظيم، كنا نلتقى على فترات متباعدة ولكن ظل انتظامه الصارم فى مشروعه الثقافى مدهشاَ ومختلفاً فدائما ما كان لديه ما يقدمه.
سعدت بعملنا فى مشروع النشر، يفعل كل شىء بدقة، يسلمنى الكتاب للطبع لم أندهش فأنا أعرف حرصه على ما يقدمه للثقافة المصرية، ثم اختلفنا حول أسلوب العمل وعلى الرغم من امتداد هذا الخلاف خارج الثقافة الجماهيرية، فلم يتجاوز فى حقى ودافع عن مشروعه ودافعت عن مشروع النشر.
وجدتنى أزوره فى بيته ووجدته سعيدًا، نسيت أنه مريض، ونسى معاناته الجسدية، وظل محافظاً على تألقه، على إصراره وتصميمه على وجهة نظره، كنت أضحك وهو يجادلنى فى غلاف المختارات التى أصدرناها له، طلب غلافاً صممه محمد بغدادى وهو يعرف أن هذا مخالف للوائح.. نسى مرضه، فحاربنا اللوائح وانتصرنا.
كان يخوض معركة يومية، معركة مع الشعر، مع اللغة، مع الأفكار، مع الآخرين رغبة فى المناقشة، رغبة فى التفكير وطرح الأسئلة.