بحثًا عن الإيرادات.. شركات الإنتاج ترفع شعار «الجمهور عايز كده»

صورة موضوعية
صورة موضوعية

كتبت: مرفت عمر

عدد من المهن هيمنت على تركيز كتاب الدراما والسينما، وتحولت إلى أعمال فنية كالكاتب والصحفي والمحامي والضابط وتاجر المخدرات بل والبلطجي، في حين غابت مهن أخرى كأن لا وجود لها أو كان ظهورها سطحيًا بعيدًا عن مخاطر المهنة، بينما تعاملت معها السينما التسجيلية بجدية وأخرجت أعمالًا قوية كانت بمثابة وثيقة يلجأ إليها الكثيرون في أبحاثهم.

تحمل تلك المهن دراما تضمن عوامل الجذب التي يطمح إليها الكيانات الإنتاجية، فمجالات صناعة الطوب الحجري والتعدين والتنقيب عن المنتجات البترولية والمناجم والكهرباء وطواحين الهواء تمثل عالماً مبهماً أمام الكثيرين، ما خفي أعظم مما عرف، وكل المهن غير المطروحة على الساحة تستقطب المواطن البسيط لمعرفتها، ولكل منها مخاطرها التي تضمن بناء درامي محكم وجاذب، إلا أن الكتاب اعتادوا طرق أبواب معينة عرفوا تفاصيلها من خلال عملهم دون بذل الجهد في البحث عن الجديد. 

ومن المجالات التي تم التطرق إليها على استحياء في الأعمال السينمائية والتليفزيونية برغم المخاطر التي يتعرض لها العاملون فيها وتعود بالسلب على حياتهم الخاصة مهندس البترول، حيث قدم في عدد من الأعمال الكوميديا منها «عالم عيال عيال» لرشدي أباظة وسميرة أحمد، و«عروس النيل» لرشدي أباظة ولبنى عبد العزيز، و«للرجال فقط» نادية لطفي وسعاد حسني و«ملك البترول» إسماعيل ياسين، بينما كان «حفار البحر» هو الفيلم الأبرز الذي تعرض لهيمنة الشركات الأجنبية على البترول المصري والعربي، أما الآن فلم يعد لها وجود، فهل هو استسهال من الكتاب أم أن المناخ العام غير مشجع على الكتابة، هذا ما يجيب عنه التحقيق التالي.  

يرى الكاتب والمخرج أحمد عويس، أن الكتابة تخضع لقيود ولا يتحرك الكاتب وفق حدسه، إذ أن لديه بوصلة توجهه للقضايا التي يتحمس لها المنتج أو الفنان، القضايا التي تجذب المشاهد لمتابعة العمل، ولا يخفى علينا أن الكثير من المهن كانت محورا لأعمال قديمة لم يعد لها وجود الآن فلم تعد صالحة للكتابة عنها، إلى جانب الرقابة الذاتية التي تمنعه من الاحتكاك بقضايا شائكة أو سبق تقديمها فأدت دورها في وقت ما، كما أن المنتج الذي يتحمس لمهنة ما لتكون محورا لعمل جديد يصبح دافعا للكاتب لمعايشة ومعرفة تفاصيلها، فالأمر ليس صعبا في البحث بقدر ما يحتاج سوقا لترويجه، الاستسهال هنا ليس من جانب الكاتب وهذا سبب رئيسي في انحدار السينما في الوقت الحالي. 

أما المخرج محمود كامل فقال، إن السوق المحلية تتغذى عادة على المألوف وطرق قضايا جديدة يعد مخاطرة لا يتحملها المنتج، لذا فأعمالي تعد وثيقة لتأريخ مرحلة قد لا يتحمس لها البعض، وحينما أقدمها أسعى لتوصيل رسالة ما بعيدا عن هوس الإيرادات ومنها فيلم «بنات ثانوي»، الجيل الذي يمثل مستقبل مصر في السنوات المقبلة وكيف يفكر وما هي تطلعاته وثقافته، فلم نعد نشاهد مشاكل الطبقات المتوسطة على الإطلاق، فالمشاهد يبحث عن المتعة والتسلية فقط من تلك الأفلام أو المسلسلات وهو دور أصيل للعمل الفني بلا شك، فأصبحنا نرى القصور والفيلات ومعاناة أصحابها التي لا يتأثر بها المشاهد وهو ما يلهيه عن مشاكله، كما أن أماكن التصوير اقتصرت على محافظتي القاهرة والإسكندرية تاركين باقي المحافظات بقضاياها. 

الفنان أحمد بدير أكد أن الأساس في الاختيار بالنسبة للممثل هو الثراء الدرامي للشخصية ولا يهتم كثيراً بالمهنة، وبالتأكيد أي مهنة يستطيع الممثل تقديمها كما يجب إذا وجد النص المناسب، واستطرد قائلا أوافقك الرأي في أن التركيز على مهن بعينها أصبح أمرا مملا، وطرق أبواب جديدة يعد أمراً مهماً، ربما يتنبه له القائمون على الصناعة ذات يوم، فلكل مهنة تفاصيل تختلف عن الأخرى، وكما نقدم الفقير متمثلا في موظف حكومي أو بلطجي، بإمكاننا وضعه في محجر أو مصنع أو حتى في البحر، وذات الشيء في عالم الأغنياء، ولم أعترض أبدا على تقديم مهنة ما بقدر ما يكون اعتراضي هل مؤثرة في الأحداث أم لا.

وكشفت الكاتبة باكينام قطامش، أن الكاتب في مصر مكبل بعدد من القيود منها رغبات نجم العمل في المقدمة حيث أصبح الممثل يتحكم في كل صغيرة وكبيرة، أيضا المنتج الذي يبحث عن الربح لذا لا يقوى على المخاطرة ويفضل ما اعتاد الجمهور على تقبله، إلى جانب التفاصيل الدقيقة لحياة المهنة المختارة لتكون محور الأحداث والتي قد يغفلها الكاتب، فهو في النهاية شخص محكوم بدائرة صغيرة حددت ثقافته وخبرته، إلا أن المناخ العام إذا تغير فلن يمانع الكاتب في معايشة أي مهنة عن قرب ليصبح مؤهلا للكتابة عنها، وهو ما يعد متاحا أكثر لكتاب الروايات وحينما يتحمس لها مخرج أو فنان تتحول إلى عمل سينمائي أو تليفزيوني.