إنها مصر

كيف حدثت المعجزة ؟

كرم جبر
كرم جبر

لم يكن أحد يتخيل أن تكون مصر خالية من العشوائيات الخطرة بنهاية عام 2020.. فما حدث بالفعل معجزة.
ولأن الذاكرة تنسى الألم والمعاناة، ذكرَّنى «فيس بوك» بهذا المقال الذى كتبته فى 5 نوفمبر 2012 عن المخاطر المدمرة للعشوائيات.. لنعرف أين كنا وكيف أصبحنا؟
>>>
الثورة القادمة قد تأتى من العشوائيات، ولن يكون شعارها «الشعب يريد إسقاط النظام» ولكن «الشعب يريد حرق البلد»، ولن تكون ثورة سلمية بل دموية، وقودها الفقر والجوع والحرمان والحياة غير الآدمية لمواطنين مصريين، فقدوا الأمل فى الحياة وعجزوا عن إيجاد لقمة العيش، فماذا يفعلون والجوع يحاصرهم ويشل عقولهم عن التفكير، وهل ننتظر منهم أن يحبوا وطناً يكرههم، بينما يرون غيرهم غارقين فى النعمة والثروة، ولا يتركون لهم حتى الفتات؟!
إنها مشكلة مزمنة ومتراكمة ومتوارثة منذ مئات السنين، ولا يمكن حلها فى شهور أو سنوات قليلة، والمهم الآن هو محاصرة المرض، ومنع انتشار العشوائيات أكثر من ذلك، وأن تعلق الحكومة على جدران أكبر قاعة فى مجلس الوزراء خريطة كبيرة للقطر المصرى، عليها دوائر حمراء للعشوائيات، وجدول زمنى مُعلن للتخلص منها، سواء بالنقل إلى مناطق بديلة أو بتطوير وتحديث المناطق القابلة لذلك.
لن أضيف جديداً إذا قلت إن العشوائيات هى الصوبة التى تنمو فيها الجرائم والأمراض الاجتماعية بكل أشكالها، وأنها الموطن الطبيعى للمخدرات والهاربين من الأحكام، ولكن يقطنها أيضاً مصريون شرفاء، سقطوا من أجندة الحكومات السابقة، ووجدوا أنفسهم يعيشون فى حفر من جهنم دون مرافق أو خدمات ولا شوارع ولا شمس أو هواء، العشش متلاصقة وتحرمهم من الحق فى الخصوصية، ناهيك عن جرائم ومشاجرات الزحام، التى تفرض قوانينها وسطوتها على من يعيشون فيها، فتظهر «الفتونة» والبلطجة والإتاوات، على غرار ما شاهدناه فى أفلام نجيب محفوظ والتوت والنبوت وفتوات الحارة.
ولا أتعشم كثيراً فى المبادرات الشعبية وتبرعات رجال الأعمال، لأنها فشلت على طول الخط، ولم تكن أبداً لوجه الله أو لإنقاذ سكان العشوائيات، بل للدعاية السياسية والفوز بالمقاعد البرلمانية.
إذا اندلعت الشرارة فى العشوائيات، فلن تبقى على أخضر أو يابس، فسكانها ليس لديهم ما يخافون عليه، لا قصور ولا شقق فاخرة ولا سيارات ولا أمل فى الحياة، ولا يهمهم أن يسود الخراب لأنه لن يجد شيئاً لديهم.
انظروا جيداً إلى خريطة توزيع العشوائيات فى مصر، إنها مثل أحزمة الديناميت حول الأحياء الراقية والمدن الجديدة، تجثم على صدرها وتحصى أنفاسها وتحسد سكانها على النعمة التى حرموا منها، وأصبح ضرورياً فتح خراجها بجرأة وشجاعة وتنظيفه من القيح، حتى يصح الجسد كله وتتعافى مصر من هذا الهم الكبير.
< 5 نوفمبر 2012