عاجل

في ذكراه.. رحلة تمرد «الماغوط» من «الكُتاب» إلى ريادة القصيدة النثرية

الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط
الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط


«الموت ليس هو الخسارة الكبرى.. الخسارة الأكبر هي ما يموت فينا ونحن أحياء».. «لا تنحني لأحد مهما كان الأمر ضرورياً، فقد لاتواتيك الفرصة لتنهض مرة أخرى»، من أقوال الشاعر الكبير الراحل محمد الماغوط .

تحل اليوم الذكرى الـ 86 على ميلاد الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط، والذي يعد من أبرز شعراء قصيدة النثر في الوطن العربي.

ولد الشاعر محمد الماغوط في مدينة سلمية عام 1934، كان الماغوط ينحدر من أسرة فقيرة، فقد قضى والده، أحمد عيسى، حياته بالعمل فلاحًا بالأجرة في أراضي الآخرين، وقد كان قاسيًا في معاملة ابنه محمد الذي وصفه، قائلًا: " كان أبي لا يحبني كثيراً، يضربني على قفاي كالجارية.. ويشتمني في السوق" .

اقرأ أيضا| «خان تيولا» يُطيح بـ«عفريت ترانزيت» من وصافة شباك تذاكر السينما

أنهى الماغوط دراسته في "الكُتّاب"، وانتقل إلى الدراسة في المدرسة الزراعية الموجودة في المدينة، وفي تلك الفترة، تعرف على الشاعر سليمان عواد، الذي كان ينشر كتاباته في دوريتي "الآداب" و"الأديب"، وهنه اطلع على الشعر الحديث، ولاسيما مؤلفات الشاعر رامبو.

انتقل الماغوط إلى دمشق لمتابعة دراسته الثانوية، فقصد ثانوية "خرابو" الزراعية في غوطة دمشق. لم يكن الماغوط في الحقيقة يهوى الزراعة أو العمل في الأرض، ولكن ظروف أهله المادية، وتقديم المدرسة للطعام والشراب مجانًا دفعاه إلى الى الدراسة فيها، ومع ذلك، لم يكمل دراسته، وخرج من المدرسة قاصدًا دمشق، ومنها عاد إلى سلمية.

عندما عاد الماغوط إلى سلمية، قرر الانتساب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، آنذاك، كان في سلمية حزبان فقط؛ البعث والقومي السوري، فكان الثاني خيار الماغوط نظرًا لاحتوائه مدفأة، وهو أمر لم يكن شائعًا تلك الأيام في منازل الأسر الفقيرة.

بعد أن تزوج محمد الماغوط من سنية صالح، أنجبا طفلتين: شام التي أصبحت طبيبة وتزوجت لتستقر أخيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وسلافة التي تزوجت وعاشت في دمشق.

كانت روح التمرد مغروسة فى نفس محمد الماغوط منذ الصغر، إذ بدأ التدخين فى التاسعة من عمره فقط، واقتصر التعليم الذى ناله الماغوط فى طفولته على الدروس التى كان يتلقاها مع أبناء الفلاحين الآخرين فى "الكُتّاب"، والتى شملت القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم.
 
احترف محمد الماغوط الأدب السياسى الساخر وألف العديد من المسرحيات الناقدة التى لعبت دوراً كبيراً فى تطوير المسرح السياسى فى الوطن العربي، كما كتب الرواية والشعر وامتاز فى القصيدة النثرية التى يعتبر واحدًا من روادها، وله دواوين عديدة.

 تعرف الماغوط في بيروت على الكثير من الشعراء والأدباء اللبنانيين والعرب، فالتقى الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، ونشأت بينهما صداقة قوية، كما التقى زوجته سنية صالح في منزل الشاعر أدونيس.

صدر أول ديوان شعري للماغوط عام 1959، وكان عنوانه "حزن فى ضوء القمر"، وفي العام التالى أصدر ديوانه الثاني "غرفة بملايين الجدران".
 
في ستينيات القرن الماضي، أقبل الماغوط على العمل الصحفي، فنشر عدد مقالات ساخرة فى مجلة البناء، وأصدر مسرحية "المهرج" عام 1960 بعدها عيّن الماغوط رئيسا لتحرير مجلة الشرطة، وكتب فيها مقالات ساخرة دوريًا.
 
 ألف الماغوط عددًا من المسرحيات الساخرة أهمها: ضيعة تشرين، وغربة وكاسك يا وطن. واستمر الماغوط بالعمل الصحفى خلال عقد السبعينيات، فكتب فى صحيفة تشرين السورية، كما كتب أيضًا فى مجلة المستقبل، التى كانت تصدر فى مدينة باريس الفرنسية.
 
كانت فترة الثمانينيات من القرن الماضى كارثية على حياة الماغوط؛ إذ فجع بوفاة أخته ووالده وزوجته خلال مدة قصيرة بين عامى 1984 و1985، وبعدها بثلاثة أعوام توفيت والدته أيضًا، وكان لوفاة زوجته أثر بالغ عليه، وحزن عليها حزنًا كبيرًا، ولم يتزوج مجددًا بعد وفاتها. 
 
عاد الماغوط بعد ذلك إلى التأليف، فكتب عدة سيناريوهات لأفلام سينمائية مهمة مثل التقرير، والحدود والمسافر، بالإضافة إلى بعض المسلسلات التلفزيونية أشهرها حكايا الليل، من جهة أخرى، نشر الماغوط نصوصًا شعرية جديدة فى مجلة الوسط التى تصدر فى لندن.
 
تعرض للسجن والاعتقال عدة مرات بسبب انتمائه للحزب السورى القومى الاجتماعي، حاز جائزة "سلطان بن على العويس الثقافية للشعر" عام 2005، ونشر محمد الماغوط خلال سنوات حياته الأخيرة عددًا من الدواوين الشعرية أهمها: سيّاف الزهور2001، و"شرق عدن غرب الله" 2005 و"البدوي الأحمر" 2006، وتوفى فى دمشق، فى 3 أبريل عام 2006، بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان، ودفن في بلدته الأم السلمية .