البرلمان بعد الطعون الانتخابية.. بين «سيد قراره» والقضاء

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

- خلافات رجال القانون والسياسة تزيد الموقف اشتعالاً بين النواب والحاصلين على الأحكام
- فوزى: المصطلح لم يعد له وجود في الدستور الحالي والنقض صاحب الاختصاص الأصيل

- الزيني: المجلس صاحب الرأي النهائي ولا يوجد تعارض بين السلطتين التشريعية والتنفيذية


كتب | علاء الحلوانى - خالد عثمان - أيمن عامر

"سيد قراره".. مصطلح أثار الجدل فى الحياة السياسية المصرية طوال العقود الثلاث الماضية واستمر حتى الآن، نتيجة قيام البرلمان طوال هذه الفترة بالتعامل مع الأحكام القضائية التى تصدرها محكمة النقض أو القضاء الإدارى وفقاً لهذا المبدأ الذى يستند على رأي رئيس المجلس والأعضاء أو بالمعنى الصحيح «الاتجاه العام»، وهذا المبدأ لم يختلف تطبيقه فى برلمانات ما قبل أحداث «25 يناير» وما بعدها فى المجلس الذى سيطرت عليه الجماعة الإرهابية وتم حله وأيضاً المجلس الحالى رغم التعديل الدستورى الذى جاء فى دستور «2014» المعدل لدستور «2012» وهذا ما حدث فى بعض الأحكام التى أحيلت للمجلس الحالى وتعامل معها المجلس وفقاً لمبدأ سيد قراره.

اقرأ أيضا| برلماني : مصر قدمت مردودا طيباً فى ملف حقوق الإنسان‎

الدكتور صلاح فوزى أستاذ القانون والفقة الدستورى وعضو لجنة العشرة لتعديل الدستور، يؤكد أن صحة العضوية تختص بنظرها محكمة النقض وفقاً لنص المادة «107» من الدستور الحالى وتؤكد بأن محكمة النقض هى صاحبة الاختصاص الأصيل بالفصل فى صحة العضوية وتقدم إليها الطعون فى مدة لا تتجاوز الثلاثين يوماً من تاريخ إعلان النتيجة النهائية للانتخابات على أن تفصل فى صحة الطعون خلال «60 يوماً» من تاريخ تقديمها للمحكمة وفى حالة الحكم ببطلان العضوية تبطل تماماً من تاريخ إبلاغ المجلس بالحكم، فلا يوجد للمجلس أى دور أو اختصاص لمجلس النواب فى هذا الشأن، أما الطعون فى صحة النتيجة وحصد الأصوات فتكون من اختصاص المجلس التى ترسلها للهيئة الوطنية للانتخابات وهى التى تقرر إرسالها للمجلس وفى الحالتين يكون حكم القضاء إلزامياً للمجلس.


ويرى عصام شيحة القيادى للوفد والمحامى بالنقض، أن محكمة النقض هى صاحبة الاختصاص الأصيل لكن يبقى استحالة تحقيق ذلك نتيجة وجود شرط موافقة ثلثى الأعضاء على إقرار الحكم من عدمه وهذا يصعب فى الكثير من الأحوال بسبب التعاطف الذى يلقاه العضو الصادر ضده الحكم من زملائه.


ويرى سمير الششتاوى المحامى بالنقض، أنه طبقاً للمادة 107 من دستور 2014 المعمول به اعتباراً من 18 يناير 2014 تختص محكمة النقض بالفصل فى صحة عضوية أعضاء مجلس النواب وتقدم إليها الطعون خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان النتيجة النهائية للانتخابات  وتفصل فى الطعن خلال ستين يوماً من تاريخ وروده إليها وفى حالة الحكم ببطلان العضوية تبطل من تاريخ إبلاغ المجلس بالحكم.


 وعلى ذلك أصبح وفقاً لدستور 2014 الحكم الصادر من محكمة النقض بشأن صحة العضوية أثر ملزم فالحكم ببطلان العضوية وإبلاغه لمجلس النواب يعنى فقدان العضو لصفته النيابية بقوة القانون بمجرد الإبلاغ ولا سلطان ولا سلطة لمجلس النواب بعد ذلك. وهناك فرق بين صحة العضوية وتختص بالفصل فيه محكمة النقض دون غيرها وبين إسقاط العضوية عن العضو وهو أمر لا يتعلق بالفصل فى العملية الانتخابية وإنما يتعلق بسلوك العضو وهو ما يختص به مجلس النواب فتسقط العضوية بصدور قرار من المجلس وأغلبية ثلثى أعضائه.


ولكن يثير التساؤل عن ما هى الإجراءات التى يجب على البرلمان إتباعها بعد صدور الحكم من محكمة النقض ببطلان العضوية هل نحن فى حاجة إلى صدور قرار من البرلمان أم أنه يكفى بالحكم الصادر من محكمة النقض؟


المادة 107 من الدستور واضحة فى أن العضوية تبطل بمجرد إبلاغ مجلس النواب بحكم المحكمة، وهو ما يعنى فقدان العضوية بقوة القانون وبناء على حكم محكمة النقض وليس أى إجراء آخر من مجلس النواب.


وهذا عكس ما كان سائداً قبل 2011 فكان مجلس الشعب هو الذى يفصل فى صحة العضوية فيما أطلق عليه المجلس سيد قراره مما آثار غضب الكثيرون وخاصة رجال القانون والقضاء لأن ذلك كان يعنى عدم احترام أحكام أعلى محكمة فى مصر وهى محكمة النقض وكان يجعل أحكامها حبراً على ورق أو أحكام استشارية تخضع لتقدير مجلس الشعب أنذاك أما الآن فالقول الفصل فى صحة العضوية هو لمحكمة النقض دون غيرها.


وقال الدكتور أيمن الزينى أستاذ القانون بجامعتى طنطا والسادات، إنه وفقاً لنص المادة 351 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب، يخطر رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات المجلس بنتيجة انتخاب الأعضاء، كما يخطر المجلس بقرار رئيس الجمهورية بتعيين الأعضاء، وذلك وفقاً للأحكام والضوابط المنصوص عليها فى المادة (102) من الدستور.

وأشار الدكتور أيمن الزينى، إلى أن الطعون التى تنظرها محكمة النقض للأعضاء الذين لم يوفقوا فى الانتخابات قد تكون شكلية ولن تؤثر على عضوية الأعضاء الفائزين فى الانتخابات البرلمانية خاصة أن مجلس النواب أصبح سيد قراره بدءاً من الانعقاد الأول له، مشيراً إلى أن أصحاب الطعون سيقدمون الأحكام القضائية النهائية إلى مجلس النواب، وهو فى هذه الحالة المجلس سيكون «سيد قراره» وهذا أمر ليس فى مصر فقط، بل يطبق فى جميع دول العالم خاصة أن القواعد الدستورية التى تحكم كل دساتير العالم ترسخ مبدأ الفصل بين السلطات، فلا يجوز تغول السلطة القضائية على السلطة التشريعية واختصاص البرلمان كسلطة تشريعية، ومن ثم أحكام القضاء فى هذه الحالة لا تلزم البرلمان بالتنفيذ.

وقال الدكتور أيمن الزينى إن مبدأ سيد قراره لا يتعارض مع الدستور قائلاً: إن مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ دستورى، فلا يجوز أن تتدخل السلطة التنفيذية فى صلاحيات السلطة التشريعية وأيضاً لا تتدخل السلطة القضائية فى اختصاصات السلطة التشريعية وأيضاً البرلمان كسلطة تشريعية لا يتدخل فى أحكام القضاء ، مشدداً هذه مبادئ دستورية.

وأكد الدكتور على حامد الغتيت الفقية القانونى والدستوري، أن مصير تلك الطعون التى ينظرها القضاء هو الفصل فيها طبقاً للحجج المقدمة وسيصدر القضاء الأحكام القطعية لها، مشدداً على ضرورة احترام الأحكام القضائية، مشيراً إلى أن القول بأن المجلس سيد قراره هو إتباع لتقاليد برلمانية أتبعها مجالس شعب سابقة فى عهود زمنية وسياسية مختلفة، وهذا قول لا يتسيده القانون والأحكام القضائية، مؤكداً على أن من حق أى مرشح لم يتوفق فى الانتخابات ورأى فى تصوره الحق فى الفوز طبقاً لأسباب جدية وحجج يقدمها للقضاء متظلماً من النتيجة وهو ما سيفصل فيها القضاء مصدراً الأحكام القطعية.

وأكد الدكتور على الغتيت، أن قول «المجلس سيد قراره» ليس قول قانونى ولكنه مسلك سياسى اتبع فى مجالس برلمانية سابقة ليس له سند قانونى أو دستورى، وليس عليه تعليق أو إفتاء قانونى ، مؤكداً أن الأحكام الدستورية سواء الواردة فى صلب الدستور أو الأحكام الدستورية غير المكتوبة والتى تسود كل دول العالم يؤكدون أن التدرج فى التشريع له ثوابت وهى أن القانون يحترم الدستور وعلى القاضى أن يصدر حكم القضاء القانونى الملتزم بالدستور وعلى السلطة التنفيذية المختصة تنفيذ أحكام القضاء على الجميع، مستطرداً وإذا ما صدر الحكم القضائى صحيحاً نهائياً يجب الالتزام به مهما كانت الاجتهادات السياسية.