شكل الجيوش مصر القديمة وأبرز مهماتها

صورة موضوعية
صورة موضوعية

على الرغم من الطبيعة السمحة والمسالمة التى اتسمت بها الشخصية الحضارية للمصرى القديم، فإن هذا الأمر لم يمنع الأمة المصرية من أن يكون لها السبق بين حضارات العالم القديم فى نشأة أول جيش نظامى وظهور أول مؤسسة عسكرية على أرضها. 

يقول الدكتور محمد رأفت عباس والباحث الاثري، أن تكوين الجيش المصرى يعود إلى عصر الدولة القديمة ، حيث تحدثنا المصادر المصرية عن أولى الحملات الحربية للجيش المصري القديم فى أرض فلسطين لحماية الحدود المصرية من غارات المعتدين بقيادة ونى الذى كان واحدا من كبار رجال الدولة فى عهد الأسرة السادسة، وقد استمر هذا الدور العظيم لجيشنا فى الدفاع عن الأرض المصرية خلال عهد الدولة الوسطى مع الحملات الحربية المختلفة التى قادها ملوك مصر لحماية حدود البلاد من غارات المعتدين، خصوصا تلك الحملات التى قاد فيها الملك سنوسرت الثالث جيش مصر لتحقيق انتصارات حاسمة فى الحدود الجنوبية عند منطقة الجندل الثانى فى بلاد النوبة.

ومع تعرض مصر لمحنة احتلال الهكسوس وحدوث الغزو الأجنبى الأول لها فى تاريخها من حدودها الشمالية الشرقية، أدرك المصريون أن التخلص من نير الاحتلال الأسيوى لن يأتى إلا بإرادة شعبية عظمى وقوة عسكرية ضاربة، فقضوا وقتا طويلا فى الاعداد لحرب التحرير ضد المحتلين الهكسوس. 

لقد عمل ملوك الأسرة السابعة عشرة الطيبية التى قادت مصر فى حرب التحرير المجيدة ضد الهكسوس على إعادة بناء الجيش المصرى على قواعد وطنية وأسس علمية رفيعة المستوى، بل وعملوا كذلك على تطوير آلة الحرب المصرية بشكل كبير لمواجهة آلة الحرب المتفوقة للمحتل الأسيوى، حتى تحقق لمصر النصر على الغزاة وتم تطهير التراب الوطنى من دنس المحتل الأسيوى على يد الملوك البواسل كامس وأحمس الأول الذى أصبح أول ملوك الأسرة الثامنة عشرة وعصر الدولة الحديثة.

ومع بداية عهد الدولة الحديثة الذى عرف كذلك بعصر الإمبراطورية المصرية تغير الفكر العسكرى والاستراتيجى للقيادة المصرية التى أدركت أن حدودها الفعلية تبدأ فى مناطق سوريا وبلاد كنعان ( فلسطين ) ، وأن حماية الأمن القومى المصرى والدفاع عن حدود مصر يبدأ من السيطرة على هذه المناطق لمنع الغزوات التى قد تأتى إلى مصر من خلالها ، وليس بغرض الاحتلال وقهر الشعوب كما كانت تفعل إمبراطوريات العالم القديم ، فخاض الجيش المصرى خلال تلك الحقبة عشرات المعارك الحربية الشرسة فى سوريا وفلسطين والنوبة والصحراء الغربية ، وكان له الفضل فى تكوين إمبراطورية مصر الكبرى خلال تلك الحقبة بعد أن قام بفرض قوة ونفوذ وهيبة مصر السياسية والحربية فى منطقة الشرق الأدنى القديم ، لتشمل تلك الإمبراطورية سوريا وفلسطين شمالا وبلاد النوبة حتى الجندل الرابع جنوبا بفضل انتصارات الجيش المصرى. 

وقد أمدتنا نصوص عصر الدولة الحديثة والمناظر الحربية الرائعة المسجلة على جدران المعابد المصرية العظيمة كالكرنك والأقصر والرمسيوم ومدينة هابو وأبيدوس وأبو سمبل بمعلومات غزيرة عن تاريخ وتنظيم الجيش المصرى خلال تلك الحقبة ، وعن الانتصارات العظيمة والمعارك الحربية الشهيرة التى خاضها ذلك الجيش ، كمعركة مجدو فى عهد تحوتمس الثالث ضد دويلات المدن السورية والكنعانية ، وحروب سيتى الأول ضد الحيثيين والممالك السورية والكنعانية ، ومعركة قادش فى عهد رمسيس الثانى ضد الإمبراطورية الحيثية وحلفائها ، وحروب الملكين مرنبتاح ورمسيس الثالث ضد الليبيين وشعوب البحر. 
ويذكر علماء المصريات والمؤرخون أن النظم العسكرية المصرية قد شهدت خلال تلك الحقبة تطورا مذهلا لم يحدث من قبل فى تاريخ العالم القديم ، فقد قسم الجيش المصرى إلى فرق من المشاة والمركبات الحربية والقوات البحرية بشكل لا يقل فى مستواه الاستراتيجى عن الجيوش النظامية الحديثة ، وأصبح الجيش المصرى أكبر قوة عسكرية ضاربة فى تاريخ العالم القديم بفضل التطوير والتحديث الذى أدخله ملك مصر المحارب العظيم تحوتمس الثالث الذى قد اتسم بعبقرية عسكرية واستراتيجية فذة.
ويمكننا القول أن جيش مصر القديمة كان الدرع الواقى للدولة والأمة والحضارة المصرية من قوى العدوان والتخريب ، بل كان هذا الجيش فى الكثير من الأحيان هو الدرع الحصين لحضارة الشرق الأدنى القديم بأكمله من الغزوات البربرية المدمرة التى كانت تهدد حضارات تلك المنطقة ، والتى كانـت تقـوم بها شعـوب متخلفة حضاريـا بغرض الاستيطان والنهب والسلب ، فقد حمى هذا الجيش حضارة الشرق الأدنى القديم بأسره من طوفان غزوات شعوب البحر المدمرة خلال عهد الرعامسة ، والتى لو كان قد قدر لها النصر والسيطرة لسادت هذه المنطقة شريعة الغاب والبربرية ، لولا تصدى جيش مصر الباسل لهم.

اقرأ أيضا

حكايات| «مير».. من هنا حكم الفراعنة مصر