أم كلثوم للعندليب: تعالى نهق لنا شوية

أم كلثوم والعندليب
أم كلثوم والعندليب

كانت أم كلثوم، ظريفة، ملكة عصرها، وحنجرتها المعجزة التي احتار في تحليلها العلماء، وأجيال هذه الأيام سمعتها ولم تعش معها.. فقط كانت خفيفة الدم، وأطلق عليها سيدة الدعابات والقفشات، التي تناقلها معاصروها لدرجة أن الكاتب الراحل علي أمين قال عنها: "لو توقفت أم كلثوم عن قفشاتها، فإنها تكون قد توقفت عن الغناء".


السطور التالية تروي أشهر الطرائف الخاصة بأم كلثوم وإن امتلكتها حالة من الغضب، والحنق، وهددت بإغلاق الستار بعدما أغضبها رجل من إحدى مدن الصعيد، أثناء الغناء.


في أحد الأيام دعاها الكاتب الساخر، جليل البنداري، كي تشدو بإحدى أغنياتها بمناسبة عيد ميلاده، والذي كان يعيش حياة غريبة تتفق مع عبقريته، فقد كان يقيم في عمارة تواجه حديقة الحيوان بالجيزة، حيث كان مدخل الوصول إلى شقته طويلا، وجعل من هذا المدخل متحفا خاصا به، ولنجوم الفن، والأدب، والغناء، فقد ملأ الأرفف الرخامية بأنواع من الحيوانات المصنوعة من الخزف، والفرو، والخشب، ووضع فوق كل منها لوحة خطية تشير إلى أحد نجوم المجتمع، والمشاهير.


بداية بعبدالحليم حافظ (الحمار الوحشي المخطط)، ومحمد عبدالوهاب (الأسد)، وحسام الدين مصطفى (القرد)، ومحمد الكحلاوي (الديك)، وفريد الأطرش (الضفدع)، وكمال الطويل (الجمل)، وأم كلثوم (الكروان)، وصلاح جاهين (الحوت)، وهند رستم (سمكة القرش).

 


وأثناء حضور حشد كبير من أهل الفن، والأدب، والذين علت وجوههم الدهشة، من تصرف الكاتب جليل البنداري، إلا أن عبد الحليم حافظ وما إن وقعت عيناه على اسمه موضوعا فوق الحمار الوحشي، أخذ يسأله في غضب، وضجر، ما معني هذا يا أستاذ جليل؟ وقبل أن ينطق البنداري بكلمة واحدة،  لاحقته أم كلثوم قائلة: وهي تبتسم.. معناه.. إن سيماهم في وجوههم يا سي عبدالحليم، وانفجر الجميع في الضحك حتى دمعت عيون البعض، وعلت حمرة الخجل وجه حليم، وهم بالإنصراف، معلنا غضبه، فما كان من أم كلثوم إلا أن أمسكت به من ذراعه وقالت: خلاص متزعلش كده.. تعالى بقى نهق لنا شوية، لم يتمالك حليم نفسه، وسقط على الأرض من كثرة الضحك، وسط تصفيق، وقهقهات الجميع.


وفي إحدى الحفلات أيضا والتي أقيمت على شرف أحد رجال القانون، وبعد أن أنهت أم كلثوم وصلتها الغنائية، وبدأ الجميع في الرقص على صوت الموسيقى الهادئة، تقدم منها شاب قاض وقال لها: ممكن ترقصي معايا، فقالت: لا طبعا، علشان "حرقص" الجلسة.

 

اقرأ أيضا| سر بكاء ابن بيرم التونسي أمام أم كلثوم

 

وكانت أم كلثوم أثناء زيارتها، لأحد أعضاء فرقتها الموسيقية بعد أن اشتد به المرض.. فقال لها: أنا تعبان أوي يا ست.. فردت عليه قائلة: وهي تضع يدها فوق رأسه.. أنت بخير.. شد حيلك يا راجل..  بكرة تخف.. وتروح الجنة.


وأشهر ما رواه عنها الفنان سيد مكاوي، وعن خفة دمها، حيث قال: أثناء قيامه بتلحين أغنية "يا مسهرني"، طلبت منه تعديل إحدى الجمل الموسيقية، فرد عليها.. أما نشوف يا ست.. ولاحقته.. وهي تهز رأسها..  يبقى عمرك ما هتعدلها يا سيد..  وضحك سيد مكاوي، وكاد أن يغشى عليه من كثرة الضحك.


تلك كانت بعض من لقطات، وقفشات، سيدة الغناء العربي، وامبراطورة الظرف، والطرب، والتي انتابتها حالة من الغضب، والاستياء، عندما كانت تشدو، وتغني بإحدى مدن الصعيد، وفجأة قفز أحد الحاضرين، من فوق مقعده، وبصوت مدوي أخذ يردد "يا جاموس المغنى يا ست.. يا جاموس المغنى يا ست"، وانطلق يرددها بحماس شديد، توقفت أم كلثوم عن الغناء، وعلت وجهها حدة الغضب، وهددت بإغلاق الستارة، واقترب منها أحد العازفين يهمس في أذنيها قائلا: إن الرجل صعيدي اللهجة، ويقصد أن يقول: "يا قاموس المغنى ياست"، ابتسمت أم كلثوم بعد أن تفهمت الموقف لكنها لم تترك ذلك أن يمر دون أن ترد بإحدى قفشاتها، حيث قالت له: آه بس فين العجول اللي تفهم".


أما عن المتحف الخاص بالكاتب الراحل جليل البنداري، حيث ذكر أحد رجال الأدب، معلقا بمجلة الكواكب في الثامن عشر من يناير عام ١٩٩٧، بأن ذلك المتحف الذي أقامه الكاتب جليل البنداري ليس من قبيل الإهانة لأي أحد من النجوم والمشاهير، بل هي فلسفة خاصة بالكاتب، صاحب المدرسة المتميزة في الكتابة، وأن لكل فنان معنى محدد في الحيوان أو الطائر الذي وضع اسمه عليه، وضرب مثلا بالمخرج حسام الدين مصطفى، والذي كتب اسمه فوق (القرد)، فهو يوضح بأنه مخرج شقي يستطيع القفز من لون إلى آخر، في أعماله الفنية دون التقيد بقالب معين، وهكذا كان الحال بالنسبة لباقي النجوم والكتاب.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي