إنها مصر

تطهير الجيوب !

كرم جبر
كرم جبر

حاولت الجماعة الإرهابية على مدى سنوات طويلة، أن ترسخ مفهوم «الأوطان ضد الأديان»‬ فى نفوس التلاميذ الصغار، وساعدها على ذلك ما تمتلكه من مدارس فى مراحل التعليم الأولي، وعلمت التلاميذ الصغار، أن يرفعوا علماً أخضر أو أسود من الورق، بدلاً من علم مصر، وأن يردوا على نشيد «‬بلادي.. بلادي» بــ «‬جهادي.. جهادي»، ولن ينصلح حال مصر ولن تطمئن على مستقبلها، إلا إذا استمرت ثورة التعليم، لتطهير هذه الجيوب وما تحويه العقول.
الوطن عند الجماعة الإرهابية ترانزيت، أو «‬لوكاندة»، تقطنه انتظاراً للمحطة القادمة، التى تخطط لها منذ إنشائها وهى إقامة الخلافة الإسلامية، ليسود قادتها السلطة والحكم، على جثة الوطن وهوية المصريين، واعتادوا أن يرجعوا للجحور ويدخلوا مرحلة الكمون، كلما كانت قبضة الدولة قوية، وسادت المشاعر الوطنية الجارفة.
الجماعة الإرهابية لا تعلم أن الوطن ليس قطعة من الأرض، قابلة للتنازل أو المساومة، ولكنها مشاعر متجذرة فى الأعماق، يشعر بها كل حر يحب وطنه وينتمى إليه، ويأكل من زرعه ويرتوى من نيله ويتنفس هواءه، ويكون مستعداً للتضحية بروحه وحياته من أجله.. وأن الإنسان بلا وطن كيان بلا روح وجسد بلا إحساس، ويفقد الأمن والاستقرار والطمأنينة، «‬وطنى لو شُغلت بالخلد عنه، نازعتنى إليه فى الخلد نفسي».
>>>
ظن الإخوان أن بمقدورهم تغيير القوة الناعمة المصرية واستبدال قوة إخوانية خشنة بها، فواجهوا حائط صد قوياً من حراس الحضارة والثقافة والفنون والمبادئ والأفكار والأخلاق وغيرها من أدوات الردع المعنوى، وتحولت البلاد إلى سجادة نار تحت أقدام الذين حاولوا طمس الهوية الوطنية أو تذويبها، وانهزمت ثقافة اللحى والذقون وأناشيد «خيبر خيبر يا يهود» وموسيقى دفوف الحرب.
علم مصر نموذج للوعى الناعم فى أعماق المصريين، بألوانه الأحمر والأبيض والأسود، رفعوه فى أيديهم ورسموه على وجوههم وزينوا به ملابسهم واحتضنوه فى قلوبهم، بينما قوبلت أعلام الإخوان الخضراء والسوداء بمشاعر الكراهية والاستنكار والاستهجان.
>>>
لا أنسى أبداً يوم خرج السودانيين بالملايين، لاستقبال الرئيس جمال عبد الناصر فى الخرطوم، بعد نكسة يونيو 1967، وحطموا كل الحواجز وصاحبوا سيارته حتى الفندق الذى يقيم فيه، وبعثوا برسالة قوية إلى العالم، بأن العرب لن يقبلوا الهزيمة ولن يستسلموا، وخرجت قمة اللاءات الثلاثة «لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف»، متسلحة بروح الاستقبال الأسطورى لعبد الناصر.
السودان كانت دائماً فى قلب مصر، وكانت حضناً آمناً يستقبل الكتاب والشعراء والأساتذة والمفكرين، يا رب تعود تلك الأيام الجميلة، حينما فتح السودانيون قلوبهم، وهم يستقبلون رفاعة رافع الطهطاوي، ومحمود سامى البارودى والدكتور محمد حسين هيكل وعباس محمود العقاد، وآلاف الأسماء الأخري، التى تؤكد أن مصر كانت حاضرة بقوة فى السودان، وأن السودان كانت العمق الاستراتيجى والثقافى والتاريخى لمصر، وكذلك كانت مصر، على قدم المساواة والمحبة والتآخي.