وهم البحث عن الآثار بالفيوم

وهم البحث عن الآثار بالفيوم
وهم البحث عن الآثار بالفيوم


 مصرع 31 مواطنا من بينهم 6 فى حفرة واحدة خلال الثلاث سنوات الأخيرة

مواطنون يبيعون الغالى والنفيس لتحقيق حلم الثراء السريع ومدير الآثار يحذر المواطنين من النصب

كنت أسمع بعض الأصوات الغريبة داخل منزلى يتلوها نور خافت يظهر فى غرفة مظلمة، استمر هذا الحال وقتًا طويلًا إلى أن نصحنى أحد أقاربى بالاستعانة بشيخ من أولياء الله وبالفعل جاء الشيخ وبدأ يجلس فى الغرفة لنحو نصف ساعة، ثم خرج ليزف لى البشرة بأن منزلى يحوى مقبرة فرعونية مليئة بالذهب، انتابنى شعور بالسعادة والفرح واتفقنا على الحفر ولكنه اشترط أن يجلب أحد المشايخ من دولة الصومال أكد لى أنه يقيم فى أحد الفنادق بالقاهرة ويحتاج لمبلغ من المال حتى يأتى ليحدد عمق الحفرة وكان هذا المبلغ 5 آلاف جنيه دفعته أنا وبعض أقاربى.

وجاء الشيخ، رجل أسود ضخم عريض يرتدى بذلة سوداء اللون، لا تظهر ملامحه منها وبدأ يتمتم بكلمات غريبة وفى يده حقيبة سوداء اللون، ثم طلب منا الجلوس وعدم الحديث، وفجأة طالبنا بأن نغمض أعيننا وفعلنا لبعض الثوانى ثم نظرنا لنجد الحقيبة السوداء بها 4 تماثيل صغيرة ذهبية طالبنا بعدم لمسها وطلب إحضار «ديك» لذبحه وفعل، ووضع الدماء فوق الحقيبة وحفر حفرة ودفن فيها الحقيبة بما تحويه من تماثيل ذهبية، ثم طالبنا بالجلوس معه فى غرفة أخرى، فاستجبنا وبدأ فى حديثه لنا بأن المنزل يحتوى على مقبرة فرعونية ولكى يتم فتحها نحتاج إلى أعواد من البخور الهندى، وأقنعنا بأنه إذا توفر البخور سيقوم بتسخير الجن لسحب المقبرة بدلا من الحفر واقتنعنا بفكرته لأننا رأينا الذهب أمام أعيننا وعددنا وقتها كان 4 رجال، وعندما سألناه عن ثمن البخور أجاب بأنه بما يعادل 50 ألف جنيه مصرى لأنه يساعد فى عملية تسخير الجن.

وطلبت من زوجتى منحى ذهبها لبيعه وكذلك باقى الثلاثة الذين كانوا معى ودبرنا المبلغ وأعطيناه للصومالى ووعدنا باستقدام البخور بعد 3 أيام ومرت الثلاثة أيام ولم نعثر على طريق له، وعلمنا من الفندق الذى كان يقيم فيه أنه سافر، عاودنا مهرولين إلى الغرفة لأخذ التماثيل الذهبية وفتحنا الحقيبة ووجدناها مليئة بالحجارة وهنا كانت الصدمة شديدة خسرنا كل ما نملك.

تلك ببساطة حكاية من ضمن آلاف الحكايات للبحث والتنقيب عن الآثار فى مراكز وقرى الفيوم والتى أصبحت هوسا أصاب الأهالى كما رواها لنا خالد محمود من إحدى القرى الواقعة على ضفاف بحيرة قارون، والذى أكد أنه تعرض لنوع من سحر العيون، ويشير إلى أنه استعان بالشيخ الذى أكد على وجود مقبرة فى المنزل واتضح أنه ضمن تشكيل عصابى تخصص فى علم «السيمياء» وهو أحد علوم السحر السفلى الذى يستخدمه المحترفون ومفاده سحر أعين من يجلس أمامه، على أن يرى الحجارة ذهبًا لبرهة من الوقت، وهو ما حدث معنا وشعرنا بأننا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلم الثراء الفاحش ولكننا فى النهاية وجدنا أنفسنا نبيع الغالى والنفيس على وهم العثور على شىء غير موجود من الأساس.

فيما يروى محمود محمد، واقعة غريبة بطلها يدعى «عم سيد» من منطقة دمو يقول: «كنت مهووسا بالآثار والبحث عن الثراء الفاحش السريع إلى أن تعرفت على رجل يدعى «عم سيد» من منطقة دمو بالفيوم أوهمنى بأن لديه قطعا أثرية وعملات ذهبية كثيرة فدعوته فى منزلى وفوجئت به يخرج من بين جنبات جلبابه بعض العملات التى تحوى نقوشا فرعونية تبين أنها ذهبية، وأكد لى أنه يمتلك عددا كبيرا منها بالإضافة إلى بعض التماثيل الصغيرة الفرعونية، وبدأت أبحث عن وسيط ليحضر خبير آثرى يعاين العملات وبالفعل عثرت على أحد تجار الآثار من القاهرة وأحضر خبيرا أثريا وذهبنا بصحبته مع «عم سيد» فى أحد المناطق الصحراوية بالفيوم، وأخرج لنا العديد من العملات الأثرية النادرة وبعض التماثيل الأثرية وعاينها الخبير وبالفعل أكد أثريتها وعودتها للعصر الفرعونى».

ويضيف: «اتفقنا على الأسعار وحانت لحظة التسليم فوجئنا بـ«عم سيد» يقول لا يمكن تسليم البضاعة اليوم لأن الجبل مراقب بعناصر من الشرطة واتفقنا على التسليم غدًا ولكننا فوجئنا بأنه يطلب «عربون» وأخرج التاجر وقتها مبلغ 5 آلاف جنيه على أساس أنها عربون بعدما أدخل علينا «عم سيد» عدم معرفته بقيمة الآثار التى يمتلكها وظن التاجر أنه ضحك عليه بمبلغ زهيد نظير هذه الآثار، وفى اليوم التالى حانت لحظة التسليم حضر التاجر ومعه 3 أفراد وأنا ومعى شقيقى وبدأ فى تسليم العملات للتاجر وبعض التماثيل الصغيرة بعدما رفض «عم سيد» بيع البضاعة كلها ودفع التاجر وقتها 100 ألف جنيه بالإضافة إلى 5 آلاف عربون ووضع البضاعة فى السيارة وبدأ فى التحرك، وبعدها بساعتين فوجئت باتصال تلفونى من التاجر يخبرنى بأنه يريد مقابلتى فى القاهرة لأمر هام للغاية انتابنى الشك وظل يلح على أن أذهب ولكننى رفضت وفوجئت بعدها بأن العملات والتماثيل مقلدة وليست حقيقية، وبعدها بوقت كاف عرفنا أن هذا الرجل ومعه تشكيل عصابى يمتلكون بعض القطع الأثرية بالفعل ولكنه يوهم بها ضحاياه ويصر على تسليمها لهم فى اليوم التالى بعدما يقوم بتبديلها وتقليدها تمامًا، كما علمنا أنه قام بهذا العمل مع عدد كبير من المواطنين المهووسين بالآثار».

ويضيف فايز محمود، أن فترة الانفلات الأمنى التى أعقبت ثورة 25 يناير أصبح المواطنون فى هوس البحث عن الآثار وقام العديد منهم بالحفر بالقرب من مدينة ماضى الأثرية، على عمق أكثر من 15 مترا دون جدوى، مشيرًا إلى أن بعضهم قام بنبش مقابر العمال الفرعونية بالقرب من المدينة الأثرية للبحث عن وهم أطلقوا عليه الزئبق الأحمر، وكانوا يخرجون رفات العمال ويبحثون داخلها على الزئبق، وعقب استرداد الأمن عافيته اختفت تمامًا هذه العمليات بالقرب من المناطق الأثرية بالفيوم.

من جانبه أكد سيد الشورة، مدير آثار الفيوم، أن هناك أساليب كثيرة للنصب على المواطنين الذين يريدون تحقيق حلم الثراء السريع دون أدنى مجهود، مشيرًا إلى أن هناك حكايات كثيرة تم النصب فيها على المواطنين بالفيوم من بينها من استقدم شيخ بعدما أقنعه بأن منزله يحوى الآثار ونصب عليه فى 90 ألف جنيه، والمضحك المبكى أن الشيخ أعجبته عباءة صاحب المنزل فى قرية شكشوك وأخذها منه بحجة أنه يشعر بالبرودة، وذهب ولم يعد، بالإضافة إلى أن أحد المواطنين قام ببيع 4 رؤوس ماشية يمتلكها كانت تدر له اللبن والجبن والزبدة، وباعها عقب النصب عليه بحجة أن أرضه تحوى آثار، لافتا إلى أن كل ذلك هراء ولا أساس له من الصحة.

وأضاف «الشورة» أن عمليات النصب على المواطنين كثيرة بحجة وجود كنوز فى منازلهم وأراضيهم على الرغم من أن آخر كشف أثرى رسمى تم العثور عليه، ذهب به فى الفيوم منذ نحو 30 عامًا، كان استخراج قناع مطلى بماء الذهب عثرت عليه إحدى البعثات الأجنبية التى كانت تعمل بالمحافظة، وتم إيداعه فى المتحف المصرى، وآخر الكنوز التى تم اكتشافها فى مصر عامة مقبرة توت عنج آمون سنة 1922، وما يحدث للمواطنين مجرد خداع ووهم تحقيق الثراء السريع، نافيًا أن يكون هناك بخور هندى يتم اكتشاف الكنوز به وأن هناك وهما أطلق عليه البعض الزئبق الأحمر والأبيض وكلها أوهام يبيعها النصابون للبسطاء من المواطنين، مطالبًا بضرورة الابتعاد عن هذه الخرافات والعيش فى الواقع، خاصة وأنه تم رصد العديد من المواطنين ممن يقومون بالحفر داخل منازلهم وتكون نهايتهم مأساوية إما انهيار الحفرة فوق رؤوسهم أو إلقاء القبض عليهم، أو انهيار المنازل المحيطة بهم، بالإضافة إلى المبالغ الطائلة التى ينفقها المواطنون على الحفر.

وكشف «الشورة» أن عدد الذين لقوا مصرعهم فى عمليات البحث عن الآثار بمحافظة الفيوم خلال الثلاث سنوات الماضية بلغ 31 مواطنا من بينهم 6 فى حفرة واحدة بقرية العجميين التابعة لمركز أبشواى كانت على عمق 30 مترا، وكان آخر من لقى مصرعه 2 فى حفرة بقرية الروبيات التابعة لمركز طامية منذ نحو 4 أشهر.

وحذر مدير عام آثار الفيوم المواطنين من الوقوع تحت طائلة القانون بعد تعديله حيث يتم حبس من يقوم بالحفر فى منزله أو أرضه الزراعية وإحالته للمحاكمة الجنائية.

اقرأ أيضا:

ضبط عامل بحوزته ٤ تماثيل أثرية وورق بردي بسوهاج