بلا حرج

كورونا والغارمون الجدد !!

أحمد غراب
أحمد غراب

إذا كان المبدأ الفقهى يقول : « إن العقد شريعة المتعاقدين « فإن هناك مبادئ أخرى كثيرة فى التشريع الإسلامى ينبغى مراعاتها فى جميع المعاملات وعند تنفيذ العقود بصفة خاصة، أهم هذه المبادئ رفع الحرج عن الناس، ويتضح ذلك جليا فى قول المولى عز وجل : « وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج...»
والسماحة والتيسير على الناس من أهم المبادئ التى تميز شريعتنا الغراء لقول الحبيب المصطفى   عليه أفضل الصلاة والسلام : « رحم الله امرأ سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى « وأرحم الراحمين سبحانه وتعالى يؤكد على هذا المعنى بقوله : « يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر «
وهناك نظرية فقهية تحدث عنها الفقهاء منذ أكثر من ألف عام تسمى « نظرية الظروف الطارئة « التى يجب مراعاتها فى المعاملات والعقود الزراعية والصناعية كالبيع على التراخى، والدفع الآجل وعقود التوريد بعيدة المدى، فلا يمكن تجاهل الكوارث البيئية والصحية كالأوبئة والأعاصيروالسيول وأثرها الاقتصادى والاجتماعى على الناس، وللأئمة الأربعة أبى حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل آراء كثيرة فى الظروف الطارئة لا يتسع المقام لسردها.
ومن أهم مصارف الزكاة والصدقات فى ديننا الإسلامى الحنيف مصرف الغارمين ؛ لكن الدكتور نصر جعفر سلامة له وجهة نظر أخرى فى مدى تطبيق نظرية الظروف الطارئة على الآثار الاقتصادية والاجتماعية القهرية لفيروس كورونا فى بحثه الواقعى بمعهد البحرين للدراسات المصرفية ؛ حيث قدم فيه دراسة مقارنة حول أثر الجوائح على الالتزامات العقدية فى ضوء الفقه الإسلامى والتشريعات الوضعية، مطالبا الجهات التشريعية بإعادة النظر فى مثل هذه الجوائح تشريعيا ؛ لرفع الحرج عن المتعسرين من الناس، والتيسير عليهم عند الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية فى ظل الظروف العالمية الحالية.
ما أقسى أن يكون السجن مصير كثيرين من المجتهدين والمبتكرين؛ لأسباب قهرية لا ذنب لهم فيها من قريب أوبعيد ؛ لذلك اجتهد الفقهاء قديما ولم يكتفوا بمصرف الغارمين فى الزكاة والصدقات، بل نجحوا فى إيجاد حلول واقعية أخرى لهذه المشكلة من أجل استمرار العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بلا خلل أو اضطراب يعوق حركة الحياة فى المجتمع.