التعافي من الإدمان.. «بداية جديدة» مبادرة حكومية لإعداد نماذج مشرفة

صورة موضوعية
صورة موضوعية

هاجر زين العابدين 

 

أحمد يؤسس مركزاً لصيانة الأدوات الكهربية والهواتف: «يوم التعافي تاريخ ميلادي»


بعد 14 سنة إدمان.. محمود يستعيد حياته ويفتتح مشغلا للملابس

 

 

«خسروا أنفسهم وحياتهم ووظائفهم بسبب الانسياق وراء المخدرات والإدمان.. عاقوا الأهل.. واستنزفوا أموالهم.. انفصلوا عن أسرهم، حولوا دنياهم إلي جحيم» وما إن حاولوا العودة للطريق السليم بالتعافي من سموم الكيف، وجدوا كثيرا من المطبات على رأسها رفض المجتمع عودتهم بعد التعافي، ليقف الكثير منهم في طوابير البطالة لرفضهم من أماكن العمل.   


أطلق صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، مبادرة «بداية جديدة» بالتعاون مع بنك ناصر الاجتماعي لإقراض المتعافين من تعاطي وإدمان المواد المخدرة قروض ميسرة لإنشاء مشروعات صغيرة، تساعدهم على العودة إلى العمل والإنتاج مرة أخرى، وتمكينهم من إيجاد مصدر رزق لهم يعينهم على أعباء الحياة ويساعدهم في الإنفاق على أسرهم.    

 
تواصلت "الأخبار المسائي" مع المتعافين الذين نجحوا في تأسيس مشروعا خاصا بهم ليصبحوا قدوة ونموذج مشرف في المجتمع.

 

«داخل غرفه موحشة، تمتلئ بالقوارض والحشرات، يجلس محمود مختار (32عاما) بملابس رثة على (البلاط)، في ليل من ليالي الشتاء قارص البرودة، يرتعش جسده النحيل من شده البرد، فقد أفقدته المخدرات كل شئ ليصبح جليس نفسه في غرفة بلا سقف يحميه «كان هذا المشهد هو نقطة التحول في حياة محمود ليجد نفسه يردد بداخله «أيه اللي عملته في نفسي دا».    

 
منذ 14 عاماً، وقع "الثلاثيني" تحت وطأه الإدمان، ومع كل جرعة يتناولها من المخدرات يقابلها خسارة كبيرة في حياته، فخسر أهله بعدما أصبح يسرق محتوياتهم لبيعها، وانفصل عن زوجته وأبناءه لعدم تحمله المسؤولية، ليجد نفسه محتالاً ومطارداً من قريته في محافظة المنيا، ليرسي به المطاف بغرفة صغيرة في إحدى شوارع القاهرة «كنت الأول بأشرب عشان أعرف اشتغل، لكن مع الوقت بشتغل عشان أعرف أشرب « لم يكن الثلاثيني يدرك أن بعد وفاة أخيه الأكبر سيتجه لعالم المخدرات، فقد أوهمه أصدقاء السوء، أن تعاطي جرعة بسيطة من «الحشيش» تذهبه لعالم أخر، تمكنه من التغلب على مشاعر الحزن، ليظل في دوامة تسرق منه ريعان شبابه ويصبح مغيباً عن كل شئ ولا يعلي اهتماماً سوي بالجرعة التي يتعاطاها كل يوم. 


مشغل للتفصيل 


«4/4/2019، هو تاريخ ميلادي ومن حينها لم أتعاطى أي مخدر» يصف محمود، تاريخ دخوله لمركز العزيمة بمحافظة المنيا، بيوم مولده، فهو يوم بدء جولة التعافي من الإدمان.


واستكمل: «بقيت بني أدم، وبسأل على أهلي وأهتم بوالدتى وأذهب معها للطبيب»، ويصف حاله بعد أن أصبح لا يتعرض للذل من أجل جرعة مخدر، وأصبح يشعر بمشاعر الفرح والحزن والسعادة، ومن حينها تبدل حاله للأفضل، واستطاع بعد رحلة التعافى أن يقدم على قرض «بداية جديدة» ليتمكن من فتح مشروعه «أتيليه لتفصيل الملابس الحريمي والرجالي» ليجلس على مقعده الخاص داخل المشغل يعمل بكل حب وإقبال على الحياة عندما يسمع عبارات الثناء والشكر على التصميمات الرائعة التى ينتجها.


«يجلس أحمد توفيق على سريره داخل عنبر 6 بمستشفى المطرية، شارد الذهن بعد  تلقيه خبر وفاة صديقه المدمن بعد مرور ثلاثة أيام من عزوفه على الإقلاع، يدور برأسه مجموعة من التساؤلات ماذا سينتهي به المطاف إذا لم يتخذ قرار التعافي؟  ليجد نفسه يجيب على تساؤلاته ياهتموت.. ياتتحبس يا هتتجنن»، اقتنع أن ذهابه لعزاء صديقه لن يجدي وعليه أن يكثرله من الدعاء.


وقع الخبر، كالصاعقة على مسمع أحمد توفيق "39 عاما" الذي يعيش في عالم الإدمان منذ 20 عاما، ولكنه كان السبب في عزمه على التعافى لينتشل نفسه من الهلاك المحقق.


أدرك معنى الحياة  


منذ 5 سنوات إلا شهر بتاريخ 2/11/2015 «أقدم على التبطيل» أي الامتناع عن تداول المخدرات «بنحسبها باليوم» حسبما يصف. 


دفعه حب المغامرة للتجربة وبحكم المعتقدات الخاطئة، أنه لن يكون مكتمل الرجولة إلا بالدخول في عالم المخدرات -رغم كونه نشأ في أسرة محافظة- نالت منه المخدرات بالبطئ، فتأخر في الدراسة وهرب من الجيش لأربع سنوات ولم يحصل على وظيفة، «خمس محاولات متتالية بأخذ قرار التبطيل ولكن دون جدوى وباءت جميعها بالفشل، وفي المرة السادسة استقبله الطبيب المعالج ليخبره بعدم قبوله في المستشفى مرة أخري، ولكنه أثبت هذه المرة أنه يعزم على التعافي، لتفوقه اختير متدربًا ومشرفًا على الخط الساخن في استقبال المكالمات لدعم غيره، ليصبح فردا مؤثرا في المجتمع.


وعبر قائلاً: «الانتكاسة اختيار.. والتبطيل قرار، مش مسؤولين عن مرضنا ولكن مسئولين عن التعافي، وأمي تتشرف بيا».


وافتتح مشروعه الخاص بصيانة الهواتف الذكية والأجهزة الكهربية، بعدما حصل على قرض وزارة التضامن للمتعافين ومستمر فى تسديد القرض حتى الآن منذ خمس سنوات.


العلاج بالعمل 


ويوضح أحمد صبري «أخصائي نفسي» بمركز العزيمة للتأهيل النفسي بالمنيا التابع لصندوق مكافحة الإدمان، أن المركز بمثابة المجتمع العلاجي بعد تخطي المريض أعراض الإنسحاب.


يسير المركز، على ثلاث خطط علاجية خلال 90 يوما، (إعادة التأهيل النفسي، والعلاج بالعمل، والعلاج بالرياضة)، ولفت صبري إلى أن أغلب المرضى يأتوا للعلاج فى أعمار كبيرة، وقد فقدوا كل شئ، العمل والتعليم والأسرة خلال فترة الإدمان، فتصبح الفرص ضعيفة فى الحياة بعدما ضاعت كل الفرص الخاصة باستقراره، ولكي نحافظ على منع انتكاسة المريض، نجري له إعادة تأهيل نفسي ودمج مجتمعي، نظراً لقلة مهاراته وخبراته الحياتية، والهدف من برنامج "منع الانتكاسة" هو أن يعيش حياته بشكل منظم ومستقر وناجح، بدون أي مخدرات، أما عن العلاج بالعمل، فيتم تعليم المريض مهن مختلفة من خلال ورش «الحدادة، النجارة، الخياطة، الكهرباء، والزراعة والكمبيوتر».


متابعاً: "ومن خلال التقييم عن مدى التزامه بجدية العمل يكن هناك ترقية بالتدريج إلى أن يصبح نائب المسئول عن الورشة، وعن العقوبات تتمثل في زيادة عدد ساعات العمل أو حرمانه".


مشروعات الصندوق 


وأوضح عمروعثمان مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، استمرار دعم المتعافين من الإدمان عن طريق دمجهم في المجتمع حيث يتم توفير مشروعات صغيرة للمتعافين من تعاطي المخدرات من خلال مبادرة «بداية جديدة» لإقراض المتعافين لإنشاء مشروعات صغيرة بغرض تحقيق الدمج المجتمعي لهم، حيث يعد ذلك إحدى أهم المراحل اللاحقة للعلاج الطبي والنفسي لمريض الإدمان، إضافة إلى مساعدتهم على تقليل فرص حدوث الانتكاسة، لافتا إلى أنه يتم تلقي أفكار حول المشروعات الملائمة لهم ودراستها ومساعدتهم.


وسلم عمرو عثمان، مجموعة جديدة من المتعافين شيكات لدعم مشروعاتهم الصغيرة بعد تعافيهم من الإدمان من خلال الخط الساخن “16023” لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان وتتراوح قيمة المشروع من 60 ألف إلى 80 ألف جنيه، وذلك فى إطار الحرص على تقديم خدمات ما بعد العلاج  المجانى والدمج المجتمعى للمتعافين كأفراد نافعين فى المجتمع.


وكان صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، قد أطلق مبادرة  بالتعاون مع مجلس التدريب الصناعى بوزارة التجارة والصناعة بهدف التدريب المهني لمتعافى الخط الساخن للصندوق بمشاركة المتعافين من تعاطي المخدرات.