مطربو المهرجانات.. صغارنا في خطر

ممدوح الصغير
ممدوح الصغير

خلال قراءتي لملفٍ في مجلة أخبار النجوم، كلَّف به صديقي المحترم  محمد عدوي، رئيس التحرير، زملائي بأسرة تحرير المجلة عن مطربي المهرجانات، وبين صفحاته كانت الأرقام التي أزعجتني وتُزعج أي عاقلٍ في هذا الوطن.. الأرقام كانت عن نسب مشاهدة أغاني المهرجانات على اليوتيوب، الموقع الأهم والأول في عدد الزيارات عالميًا، والذي يُراهن عليه مجلس إدارة شركة جوجل في حصد مليارات الدولارات من الأرباح، وحسب إحصائية نشرتها شركة جوجل عن أرباحها المُحققة خلال عام 2014، بأنها تخطَّت 59 مليار دولار؛ بعد حصول أصحاب المواقع والقنوات على مكاسبهم بعد  النشر والعرض، وكان أصحاب شركة جوجل قد قرروا شراء موقع اليوتيوب عام 2006، مقابل مليارٍ و680 مليون دولار، في صفقةٍ كانت حديث سكان الكون.
 في ملف أخبار النجوم كانت الأرقام الصادمة لبعض أغاني مطربي المهرجانات، إحداها تحوَّل لترند على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قاربت نسب مشاهدتها ما يقرب من نصف  مليار مشاهدة، وإجمالي نسب مشاهدة أغاني مطربي المهرجانات في مصر تخطَّى 12 مليار  مشاهدة، وهو رقمٌ يُعادل ضعف سكان الكون، وأربعة أضعاف زوَّار الشبكة العنكبوتية عالميًا.

الأرقام  تُنذر بكارثةٍ على المدى القريب والبعيد، بعد أن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بأسمائها المختلفة، تتحكم في تشكيل عقلية صغارنا وثروتنا للغد، دون أن يكون لنا رد فعلٍ مناسبٍ في حماية عقول صغارنا.
 لم يكن في خطتنا إصدار تشريعات تحمي عقول صغارنا من الاحتلال الفكري الوافد من بلاد ما وراء البحار، وفشلنا داخليًا في التصدي لمطربي المهرجانات، الذين تحولوا لقدوة  لصغارنا، بعد ظهورهم في برامج التوك شو، إذ صار المراهق عقله يتشكَّل مع كلماتٍ خادشةٍ لمطرب مرفوضٍ من نقابة الموسيقيين، التى ضمن أعضائها أسطورة الطرب أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ مطرب ثورة يوليو،  المُقرَّب من الرئيس جمال عبدالناصر، وكرَّمه بمنحه أعلى وسامٍ في الدولة.

 مؤخرًا كان انشغال الرأي العام بواقعة اعتداء ابن المسؤول المهم على أحد أفراد رجال المرور، وتعامله بطريقةٍ لا تليق في دولة رئيسها حريصٌ على تعزيز الثقافة، واعتبار دولة  القانون التي لا وجود فيها للمحسوبية والواسطة، وللأسف الصبي مرتكب الواقعة وأصحابه في المرحلة العمرية، كانوا ضحايا  لثقافاتٍ وافدةٍ لنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لم يعد في قانون المحرمات بها شىءٌ مرفوض، بعد أن تقاعست الأسرة في أداء دورها، وأخفقت المدرسة أيضًا عن أداء واجبها كما ينبغي، وكان تقصير دور  المسجد والكنسية في إكمال  دورهما، وظهر الخلل في سلوكيات المراهقين، الذين إن  تكلموا كانت الكوراث في الحوار، حتى الأندية لا تُؤدى دورها  المطلوب، كما أن المراهق لا يُضاف لسلوكه إلا التعصب والانحراف.

بمحض إرادتنا تركنا غيرنا يُعدِّل ويتحكم فى سلوكيات صغارنا، تركناهم لتطبيق تيك توك، وكلنا يعلم أهداف التطبيق، ومَنْ يقف خلفه، وكان تقاعس النخبة فى أداء دورهم، إذ كان عليهم دور فى إطلاق صرخة  تُفيق الجميع من الغيبوبة، خاصة أننا منذ سنوات نعلم أن من لا يُحبنا سوف يُحاربنا بسلاح الفضاء الإلكترونى، الذي بأقل مجهود يستطيع من يقف خلف شاشة تليفون محمول مساحته لا تزيد على 20 سم التحكُّم فى المزاج العام لسكان المنطقة العربية، تغريدة واحدة لا يزيد عدد حروفها على 256 حرفًا كفيلةٌ بشيوع ثقافة الاختلاف بين سكان عدة محافظاتٍ، بوستٌ ممولٌ على الفيسبوك، قادرٌ على تدمير سمعة شخصيات ناجحة.

فى الماضى البعيد كنا نتحكم فى الثقافات الوافدة على قيمنا، اليوم فشلنا فى أن نُراقب ما يصل لعقول صغارنا، حتى مَنْ خرج عن النص الأخلاقى بعرض لقطاتٍ خادشةٍ عبر تطبيق تيك توك، وجد منَّا كل التشجيع، وأصبحوا نجومًا فى المجتمع، ويسعون الآن، عبر ما يُبث على صفحاتهم، فى تدمير مسقبلنا القريب من خلال العبث فى عقول صغارنا.. مطلوبٌ منَّا أن نفيق من الغيبوبة التى نعيش  فيها، ونعلم حجم الأخطار التى تنتظرنا فى الغد القريب.. حفظ الله  مصر.

وللحديث بقية