تساؤلات

« قفا الحلاقة»

أحمد عباس
أحمد عباس

والعم جندى حارس للعمارة المجاورة لحمادة الحلاق، عصبى جدًا وحاسم، ولما يزأر بأنه ذاهب إلى عمله، فلا يتهاون، يجلس فورًا على الدكة فى الخارج، و«يهاتى» فى خلق الله.
يغيب يغيب عم جندى ثم يعود مرة أخرى يتفحص محل حمادة الحلاق بعناية، ويتفرس فى وجوه القاعدين فى انتظار الحلاقة، وفى كل مرة يجد وجوها جديدة غير التى غادرها المرة السابقة، على أمل أن يناديه حمادة ليأخذ دوره، لكن المنتظرين يتغيرون، فيرمق جندى حمادة الحلاق بنظرة حادة، ويقول له بتأفف: «ايه يا عم حمادة انت مش عايز تسترزق واللا ايه، ورانا شغل يابا الحاج»، ثم ينصرف إلى الدكة.
وتبدو أن هذه طبائع حمادة الحلاق التى اعتاد عليها، أن يؤخر جندى لنهاية اليوم، ليضمن ختاما على هواه، لا يخلو من المسايرة والتنكيت، وسيجارة دافئة، تكون ملفوفة «ع الرايق» كما يصفها دائمًا يكون جندى قد تناطع على أحد السكان المرتاحين واقتنصها منه بسيف الحياء.
أخيرًا يبرطع جندى على كرسى حمادة الوثير، ويشلح جلبابه، ويخلع «شبشبه» ويضع ساقا على ساق بوجاهة خبير، وينادى على حمادة بصوت آمر: «شغل لنا الانتخابات شغل»، ولما تأتى الصورة على وجه الرئيس الأمريكى ترامب يسحب جندى النفس التمام ويقول: «الراجل الأصفرانى ده مش سالك، وشكله هايعملها ويعدى، بقولك ابن عفاريت». ثم يتحول المشهد لآخر يعرض لقطات من مؤتمر لبايدن، فيتمتم الجندى: «الله! شوف الحلاقة فى أمريكا، فى ثانية يحلق، وثانية يغير البدلة، وثانية يروح من مكان لمكان والناس تتغير، أهو ده الكلام السليم، بقولك كُهنة صحيح بس لعيب، الدهن فى العتاقى يابا الحاج، هايغفلهم ويعدى».
وبينما يناوله حمادة السيجارة المتينة، سأله: «انما انت من امتى بتفهم فى السياسة يا جندى، الا ما شوفناك مرة رايح انتخابات هنا!»
بعد ثالث نفس استطرد الجندي: «أما انك حلاق تِلم بصحيح، دى أمريكا يا ابا الحاج.. امريكا، مش انتخابات المناشى بتاعتكم، أنا أقل من انتخابات أمريكا رجلى ماتعتبش خطوة». ساعة على الأقل حلل خلالها الجندى المشهد الانتخابى الأمريكى كما تراءى له، ثم هدأته السيجارة وصمت.
ثانيتان على الأكثر ثم وقف الجندى ونفض مريلته على صدره، ودعك عينيه بعد أن أحمرتا من أثر السيجارة وهو يتفحص شاشة التلفاز المُعلق، كانت الصورة لمشهد يضم الرئيسين الحالى والمحتمل خلال مناظرة سابقة، ثم استعاذ جندى من الشيطان الرجيم، وقال: «الراجل واقف بيكلم نفسه يا ولداه، اتجنن قبل مايبقى رئيس!».
فى ثانية واحدة أدرك حمادة وهو يلملم ذاته من الهيستيريا التى أصابته ما لم أدركه أنا، فالجندى نظره طشاش، ويعانى أعراض طول نظر ولا يرى الأشياء القريبة، ولا يعرف أن هناك مرشحين اثنين، وكلاهما لدى الجندى «رجل أصفرانى واحد».
لطع حمادة العم جندى كفا معتبرا على قفاه فسخط جندى جدا، وكاد أن يمسك فى خناقه، لكن حمادة غافله وناوله الثانى، وقال له: «نعيما يا مقطف، ده قفا الحلاقة» وده قفا «الراجل الأصفرانى».