يوميات الأخبار

أغلى هدية فى عيد الحب

نوال مصطفى
نوال مصطفى

عشرون ورقة بيضاء صغيرة، مطوية، أفتح ورقة ورقة لأقرأ جملة واحدة فى كل منها مكتوبة بخط رائع منمق.

أجمل الهدايا هى تلك التى يصنعها الإحساس، تغلفها المشاعر، ينحت تفاصيلها الحب، تفوح من أوراقها الملونة رائحة الصدق، تربت على قلوبنا بفيوض من حنان. تلقيت واحدة من تلك الهدايا التى لا تقدر بثمن الأسبوع الماضى من إنسانة جميلة اسمها هالة. طبعًا ستسألون: ومن هى هالة؟ وما دخل القارئ العزيز بهدية تلقيتها من إنسانة لا يعرفونها؟ لكنها بالنسبة لى تمثل تجربة إنسانية استثنائية عشتها، قصة بسيطة مليئة بالمعنى، جديرة بالتأمل لذلك أردت أن أشاركك قارئى العزيز بها.
هالة سيدة شابة مكافحة، عاندتها الحياة، لكنها لم تستسلم أبدًا، حاولت ولا تزال أن تقيم مشروعها الصغير حتى تسدد ديونها، وتنجو بنفسها وأطفالها من خطر السجن الماثل أمامها إذا لا قدر الله لم تتمكن من سداد الديون لجمعية الإقراض التى أخذت منها القرض.
جمعتنى بهالة جلسة خاصة فى جمعية رعاية أطفال السجينات، حكت لى وفتحت قلبها بكل صدق، استمعت إليها بآذان منصتة، وتركيز شديد، هى أم لأربعة أطفال، أحدهم بنت تعانى من متلازمة «داون» وتحتاج لعلاج مستمر غالى الثمن. كانت قبل أن تحل علينا لعنة «كورونا» تشترى دجاج صغير، تربيه على سطوح البيت وتبيعه، وتساعد فى فتح بيتها، وإطعام أولادها.
جاءت كورونا فأغلقت أبواب الرزق أمام الكثيرين خاصة هؤلاء الذين يصارعون ببسالة من أجل لقمة العيش. زادت الديون، وارتفع سقف الإهانة والبهدلة من قبل موظفين فقدوا ضمائرهم ممن يعملون فى تلك الجمعيات التى ظاهرها الرحمة وباطنها الجحيم! تعرضت هالة للسب بأقذر الشتائم فى شارعها وأمام أولادها من هؤلاء الموظفين، بل تعرضت للتعدى على بيتها وضربها وتهديدها أمام أولادها بتقديم إيصالات الأمانة للقسم. أهوال يتعرض لها الفقراء فى بلادنا بكل أسف من بعض جمعيات الإقراض وعندى عشرات القصص الدامية التى توضح حجم الكارثة الإنسانية التى تواجهها نساء فقيرات بلا ظهر، ولا سند. تلك الجمعيات التى تحتاج إلى ردع ومراجعة واتخاذ موقف صريح وحاسم معهم.
أعود للهدية التى قدمتها هالة إلى سمر أحمد، مسئولة وحدة الدعم بالجمعية، لتوصلها إليّ. هالة لا تملك مالًا، لكن لديها لؤلؤة غالية الثمن تختبئ داخل قلبها الكبير. قررت أن تصنع لى هدية مما عندها فى البيت، وبالفعل صنعت هدية بسيطة جدا فى شكلها، غالية جدا فى معناها، برطمان زجاجى زينته بورق أحمر كوريشه بذوق وشكل جميل جدا، داخل البرطمان مجموعة من الوراق الملونة والخرز وفوق كل هذا عشرين ورقة بيضاء صغيرة، مطوية، أفتح ورقة ورقة لأقرأ جملة واحدة فى كل منها مكتوبة بخط رائع منمق، الجمل جميعا تحمل أوصافا لشخصى تحمل أطنانا من الحب والامتنان. أعيد كل ورقة إلى مكانها فى البرطمان بحرص شديد لاحتفظ بتلك المشاعر الحقيقية التى صنعت يومى، وبددت سحب الكآبة التى كانت تعبر حياتى فى تلك الفترة. هدية هالة كانت وستظل من أغلى وأعز الهدايا إلى قلبى. الصدق هو الكنز الحقيقى والهدية الأكبر فى الحياة.
مصطفى أمين.. وعيد الحب
خرج من السجن بعد تسع سنوات قضاها ظلمًا بين القضبان، أحب أن يتمشى فى شوارع القاهرة التى أوحشته، وأن يطالع وجوه الناس الذين طالما كتب عنهم ولهم، وسط غوصه هذا، وأثناء وجوده فى حى السيدة زينب رأى نعشا لميت، يحمله رجلان، ولا يسير خلفه سوى رجل ثالث.
اندهش الكاتب القدير مصطفى أمين، وسأل هذا الرجل: لماذا لم يودع النائم فى هذا النعش أحد من أحبابه؟ كيف تحملونه أنتم فقط إلى مثواه الأخير ولا أحد سواكم؟ رد عليه الرجل بأسى وقال: بصراحة هو رجل فى السبعين، لكنه ربنا يرحمه بأه، لا كان بيحب حد ولا حد بيحبه!.
تساءل صاحب المدرسة الصحفية العريقة أخبار اليوم: إلى هذا الحد جفت المشاعر، توارى الحب واختفت الرحمة من قلوب الناس؟ عاد الكاتب الكبير إلى بيته حزينًا، لم يغب المشهد الذى صادفه عن خياله، ظل يقفز إلى ذاكرته كلما حاول نسيانه، كأنه يضئ ضوءا أحمرًا أمامه يحثه على فعل شيئ يوقظ المشاعر من سباتها العميق، ويصهر جليد الأحاسيس التى تجمدت بين الناس، وحل مكانها الجشع، الأنانية، والجحود.
فى صباح اليوم التالى، عندما توجه إلى جريدة الأخبار، وصعد إلى مكتبه فى الطابق التاسع للمبنى الدائرى الشهير، طلب قهوته الصباحية، أمسك ريشته، وكتب عموده اليومى «فكرة» عن عيد جديد ينوى تبنى الدعوة له، يضاف إلى الأعياد الإنسانية الأخرى التى ابتكرها مع توأمه على أمين وأهمها «عيد الأم».
كتب مصطفى أمين أن الحب هو أعظم منحة وهبها الله تعالى لكل الكائنات على وجه الأرض، يجب ألا تأخذنا الحياة بصراعاتها من أنفسنا، وتنتزع منا إنسانيتنا بسبب الجرى وراء المادة، والتضحية بالمشاعر والقيم الجميلة التى تجعل للحياة معنى وطعم، فدعونا نحتفل بالحب ولو يومًا واحدًا فى السنة، واقترح أن يكون يوم 4 نوفمبر من كل عام.
هكذا ولد عيد الحب بين سطور «فكرة» عام 1984. واحتفل به المصريون وجعلوه عيد الحب المصرى الذى يختلف عن العالمى «الفلانتين داى» الذى يحتفل به العالم يوم 14 فبراير من كل عام.
الفكرة المصرية أعم وأشمل فى رأيي، مصطفى أمين تكلم عن طاقة الحب وسحرها بين بنى البشر وكافة المخلوقات من حيوان ونبات، وقصد المعنى الكامن لتلك الطاقة الجبارة التى فى استطاعتها فعل المعجزات إذا آمن بها المرء وأدرك قيمتها، وقوة تأثيرها فى حياته هو والآخرين.
رحم الله أستاذى العظيم مصطفى أمين صاحب الفكرة العبقرية: عيد الحب.
خطبة الجمعة
بوست مهم كتبته سارة إبراهيم صاحبة جروب «bookmark» الشهير. البوست الذى لفت نظرى وأريد أن أتحدث عنه وأشارككم مضمونه لم يكن خاصا بالجروب ولا بالكتب، فقد نشرته سارة على الحساب الشخصى لها على الفيسبوك وليس الجروب. وتحدثت فيه عن خطبة الجمعة. فماذا قالت؟.
«منذ ثلاثة أسابيع لفت انتباهى أن خطبة الجمعة التى يلقيها شيخ الجامع المجاور لبيتنا (وبالتالى يصلنى صوته واضحا) كانت عن «الإنسان بوجه عام، وكيف تكون أفعاله وتعاملاته الحسنة مع الآخرين هى الصورة الحقيقية التى يصدر بها دينه ويعبر عن جوهره الحقيقى وهو المحبة والتسامح» كان يتحدث عن الإنسان فى كل مكان، بغض النظر عن جنسه أو دينه. في الاسبوع التالي تحدث عن التبسم فى وجه أخيك صدقة. كان يضغط على الكلمة، كأنه يقول لنا «افردوا بوزكوا شوية ماحدش واخد منها حاجة». قلت إيه ده!! الراجل ده بيقول كلام زى الفل يخلى الكل يسمعه.الأسبوع اللى بعده لقيته بيتكلم عن «بر الوالدين». تحدث الرجل من منطلق الأخلاق فى مواضيع مهمة، بزوايا بعيدة كل البعد عن الكليشيهات الجاهزة الجامدة، التى لا تخاطب الروح بقدر ما ترهب النفس. الشيخ ده فى رأيى يستاهل جايزة ويستحق يكون مثل يعمم فى جميع دور العبادة.»
صدقت يا سارة. هذه نوعية أئمة المساجد التى نحتاج إليها ونحن نصحح المفاهيم، ونعيد وجه الإسلام الحق، دين الإنسانية الذى يدعو إلى أرقى القيم وأسماها.
فلاشات صحفية:
>> ينفخ المغرضون فى النار ليحولوا تصريحات الرئيس الفرنسى ماكرون إلى حرب مستعرة بين المسلمين والغرب! وكأننا فى حاجة إلى المزيد من الوقود ليشعلها. الرئيس فى رأيى أساء التعبير، وربما كان تحت ضغط عصبى وشعبى بعد ذبح المدرس الفرنسى وما تبعه من ذبح فى حادث نيس، الرجل قال لا نتدخل فى حرية التعبير، وهذه ثقافتهم التى تختلف تماما عن ثقافتنا، الرسوم المسيئة للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام شئ نرفضه جميعا كمسلمين، لكن رد الفعل لا يجب أن يكون بمقاطعة فرنسا ومنتجاتها، ولا بإشعال الفتنة وتزكية روح العنصرية والإسلاموفوبيا عند الفرنسيين. هناك ملايين المسلمين يعيشون على الأرض الفرنسية، هل فكر أحدكم فى تأثير ما يحدث عليهم؟ إننا نعرضهم من خلال إشعال الفتنة إلى أخطار لا قبل لهم بتحملها. هل تسىء الرسوم إلى الرسول حقا أم للرسامين الذين رسموها؟ رأيى أن الرسول أسمى من أن تسىء إليه رسوم، وقد تعرض فى حياته لما هو أصعب وأحقر، وعانى كل ألوان الأذى كما قال الدكتور سعد الدين الهلالى، لكنه كان متسامحا، لا يرد على الإساءة أو الأذى، لأنه صاحب رسالة يريد أن ينشرها، ولا يحب أن تعطله أو يشتت فكره تلك الأفعال الحقيرة التى لا تسىء فعلا إلا إلى مرتكبيها. الفكر المنطقى، العقلانى، النابع من روح الإسلام وفلسفته يا سادة هو أكثر ما نحتاج إليه.. ارحمونا يرحمكم الله !
 مهرجان الجونة
أهم ما يميز مهرجان الجونة الدولى السينمائى الدولى أنه انعقد فى ظروف صعبة، وتحمل القائمون عليه المغامرة بقلب جامد، يقبل التحدى. كثير من مهرجانات السينما العالمية ألغت دورتها هذا العام بسبب ظروف كورونا، أو أقامته افتراضيا، لكن يحسب لمهرجان الجونة أنه بعث رسالة واضحة جلية للعالم، أن مصر بلد الأمان، الجمال والفن. وأننا قادرون على إقامة مهرجان واقعى، على الأرض بهذا الحجم والرونق حتى فى زمن الكورونا اللعين، مع أخذ كل الاحتياطات الصحية التى تفرضها الظروف من ضرورة ارتداء الكمامات والحرص على التباعد الاجتماعى. منح مهرجان الجونة السينمائى فى دورته الرابعة جائزة سينما من أجل الإنسانية إلى فيلم 200 متر الفلسطينى للمخرج أمين نايفة، كما فاز أيضا بجائزة فيبريسى وهى جائزة النقاد.
>> الفيلم المصرى القصير «ستاشر» يفوز بجائزة السعفة الذهبية كأفضل فيلم روائى قصير من مهرجان كان السينمائى الدولى فى دورته الـ73. إنجاز عالمى يتحقق للسينما المصرية، بعد إعلان هذا الخبر المبهج فاز نفس الفيلم بجائزة نجمة الجونة 2020.
 كلمات:
اخترت لكم من حدائق فلاسفة التصوف هذه السطور الرائعة التى أضاءت روحى ورأيت أن أشارككم إياها:
> ذلك الشخص الذى يختطفك من نفسك إلى نفسك يستحق الحب.
> الصمت أيضا له صوت لكنه بحاجة إلى روح تفهمه.
> اقترب ممن يفتحون فى روحك نوافذ من نور، ويقولون لك إنه فى وسعك أن تضيء العالم.
> أنت يا من وجهك شمس لروحى، لا تبتعد عنى.
> أحب الأشخاص الأقوياء.. وخاصة، أولئك الذين تكمن قوتهم فى رقتهم وعطفهم.
شمس التبريزى