حروف ثائرة

«استروا الفن ربنا يستركم»!!

محمد البهنساوى
محمد البهنساوى

«قوى مصر الناعمة».. هكذا نصف ما تمتاز به مصر فكريا « وما أكثره «..ويمنحها الريادة إقليميا ودوليا..والفن أهم تلك القوى.. وظل لعقود القائد والسائد والموجه فى منطقتنا..والفن المرآة التى يشاهدنا فيها الجميع خاصة أشقاءنا العرب وما تعكسه يرونه حقيقة ما تعيشه مصر حتى ولو اختلف الواقع..وللحق فإن الفن كان له صولات وجولات تعبيرا عن مصر ودعما لريادتها وقوتها الشاملة.
نذكر وقت أن كانت القاهرة نبض حركات التحرر الدولية وقلب العروبة وقبلة الباحثين عن الحرية..كان بعض القادة يحددون زياراتهم لها متزامنا مع حفلة كوكب الشرق..ومن يرد الزعيم جمال عبد الناصر تكريمه يدعه لحفل يجمع أم كلثوم مع العندليب حليم..أو لفيلم أو مسرحية.. ونذكر دعوة فريد الأطرش من فراش المرض لناصر لحضور افتتاح أحد أفلامه..ولم تكن مفاجأة تلبية زعيم بحجم عبد الناصر للدعوة..لأن الفن وقتها كان بحجم مصر وزعيمها ومكانتها..ناهيك عن العلاقات الوطيدة التى جمعت فنانى مصر بملوك ورؤساء الأمتين العربية والإسلامية ودورهم فى تحقيق التقارب مع شعوبهما قبل الحكام.
قوة هادرة قد تكون شهدت فترات ضعف فكرى وتدنٍ فنى وخلقى مثل بعض أفلام السبعينيات التى تماشت مع فئة طفت فجأة فوق سطح الانفتاح الاقتصادى.. لكن سرعان ما بدأت السينما والمجتمع يتخلصان من تلك الأفلام وهذه الفئة الطافية.. وما بين صعود وهبوط سار الفن المصرى.. لكنه كان وسيظل الأكثر جاذبية والأشد تأثيرا لنا ولأشقائنا العرب والمسلمين.. ليصبح أحد محددات أمننا القومى خاصة فى ظل ما نتعرض له من حروب الجيل الرابع.
لكن هل ما شاهدناه مؤخرا بمهرجان الجونة السينمائى يعكس حقيقة فننا الراقى المؤثر.. ويعبر عن دولة ناهضة فتية تحاول كسر كل القيود لتتحرر ليس من عبء الأخلاق لا سمح الله إنما من تهم غياب الذوق والأخلاق والتأثير التى يحاول المتربصون إلصاقها بنا؟..نتذكر مهرجان القاهرة السينمائى خاصة أيام الراحل الكبير سعد الدين وهبة..وكيف كنا ننتظر المهرجان لحضور أفلامه العالمية وأيضا ندواته الثرية حوارا وضيوفا.. وكان الحديث كله عن الفن ولا أذكر أن ساد جدل على ملابس أو حركات النجوم.. والمهرجانات العالمية خاصة أشهرها «كان وأوسكار» ليست الملابس موضوعها الرئيسى حتى فى ظل تجاوز البعض.. ومهرجان كان الفرنسى يلزم الحضور بالزى الرسمى «بدل للرجال وملابس سهرة أنيقة وأحذية بكعب عال للسيدات ويمنع من لا يلتزم من الدخول.
أما مهرجان الجونة فالوضع مختلف..وأتحداك عزيزى القارئ أن تتذكر خبرا عن مضمون الأفلام أو ندوة أو محاضرة..كل هذا متاح للمدعوين فقط ولا عزاء للجمهور..الملابس فقط هى البطل ومحور الاهتمام..ممثلات لم نر لهن عملا فنيا منذ شهور أوسنوات تخطف أنظار المهرجان بما ترتديه..أو إن صح القول بما لا ترتديه.. وإحداهن تحرص كل ظهور على إثارة السوشيال ميديا بعرى ملابسها وفجاجته.. وللأسف سار خلفها بالجونة عدد لابأس به من النجمات بحثا عن «التريند».
العزيزان نجيب وسميح ساويرس..لا ننكر مواقف العائلة الوطنية..ولا ننكر حقكما فى استغلال المهرجان للدعاية للجونة وكافة مشروعاتكما..لكن رجاء راجعا ما يحدث واضبطا إيقاعه ليكون أداة بناء لا معول هدم للمجتمع خارجيا وداخليا.. المهرجان فرصة للدعاية القوية لسياحة مصر وليس «للانجرياتها».. ولتدرسوا تجربة «كان» تحديدا فى كشف المواهب ووضع كود صارم للملابس.. «استروا الفن ربنا يستركم»!!