بوستات «الخطف» على السوشيال ميديا بين «الهروب» و«البحث عن الاهتمام»

بوستات «الخطف» على السوشيال ميديا بين «الهروب» و«البحث عن الاهتمام»
بوستات «الخطف» على السوشيال ميديا بين «الهروب» و«البحث عن الاهتمام»

محمد طلعت

"إلحقوني بنتي اتخطفت، إلحقوني أختي اختفت، إلحقوني حاولوا يخطفوني".. بالتأكيد كل منا شاهد بوست أو تويتة على مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة تتحدث عن ذلك الأمر، وبالتأكيد أيضا أغلبنا تعاطف بل واستخدم الشير الموجود في صفحته لكي يساعد في نشر الموضوع في أماكن أخرى وبالتأكيد أيضا كل بوست نشرناه كانت هناك تعليقات من صفحات مجهولة تزيد من ترويجه في اتجاه أن هناك حالات خطف كثيرة تحدث ويتم التكتم عليها من قبل الشرطة.

وبالتأكيد أيضًا عندما سمعنا ذلك الكلام ازددنا غضبًا بل وفي داخل كل منا اتهمنا الشرطة بالتقصير، لكن فجأة نكتشف أن البنت التي نشرنا عن اختفائها وخطفها  لم تكن مخطوفة بل تركت المنزل بكامل إرادتها لارتباطها عاطفيًا مع أحد الاشخاص بعيدًا عن اهلها، وأخرى هربت من منزلها بسبب كلام لم يعجبها من والدها، وأخرى ادعت خطفها لزيادة التعاطف معها على الفيس ولكي تجذب لايكات أكثر، ووقائع الخطف هذه التي تعاطفنا معها وانتقدنا الأجهزة الأمنية عليها لم تكن موجودة إلا في مخيلة البعض وهذا يضع أمامنا تساؤلا، لماذا وصلت بيوتنا وأسرنا لمثل هذا الموقف؟!، وأين دور الأسرة فيما يحدث، وأخيرًا لماذا ننشر شيئًا قد يسبب حالة من الخوف والرعب في المجتمع دون أن نتأكد منه. أسئلة كثيرة لوقائع عديدة سنحاول الإجابة عنها.

خلال الأيام الماضية، انتشرت قصة إيمي بنت مصر الجديدة، التي نشرت بوست على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث فيه عن تعرضها لمحاولة اختطاف، خلال ساعات تحول البوست إلى واحد من أكثر البوستات انتشارًا على الجروبات المختلفة مع تعليقات من عينة «شوف بنت أهي اتعرضت لمحاولة اختطاف واتكلمت طيب فين الشرطة لما بنت تتخطف من مصر الجديدة نفسها يبقى بناتنا في خطر»، هذه البوستات انتشرت ومع تحقيقات الشرطة وتفريغ الكاميرات في المكان الذي ادعت فيه الفتاة الاختطاف، تبين أنه لم تكن هناك واقعة على الإطلاق وأن الفتاة في اعترافاتها عندما تم مواجهتها بالفيديوهات تبين أنها لم تتعرض للاختطاف بل قالت إنها كانت مع بعض من صديقاتها وأصدقائها في أحد الكافيهات، وعندما تركتهم للعودة لمنزلها استقلت ميكروباص وأثناء ركوبها اصطدمت رأسها بالباب، فقررت وقتها أن تحاول جذب تعاطف بعض صديقاتها على صفحتها على الفيس بوك، فكتبت بوست تقول إنها تعرضت للخطف، وهى لم تكن تقصد أن يحدث ما حدث بل كل هدفها هو إعادة الاهتمام بها من قبل صديقاتها مرة أخرى، بالطبع سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية تجاهها لنشرها الفزع والخوف في المجتمع من خلال منشورات كاذبة.


واقعة أخرى في نفس التوقيت تقريبًا كانت في المرج لكن هنا لم تدعي الفتاة أنها تعرضت للخطف بل نشرت بوست تقول فيه أن هناك أحد الاشخاص نشرت صورته ادعت انه يخطف البنات والأطفال، وأنه حاول أن يخطفها  وحذرت في منشورها منه وطالبت من يراه بأن يعاقبه لأن لديه وقائع قام بها من قبل.


هذا المنشور أدى لحالة من الرعب والذعر في نطاق حي المرج الكبير خاصة مع انتشار البوست كالنار في الهشيم، لدرجة أن البعض أحجم عن إنزال أولاده من المنزل، وبعد أن تتبعت الشرطة الأمر مع إجراءات التحريات والتحقيقات تبين أن ذلك الشخص لم يكن خاطفًا بل إن الفتاة التي لم يتجاوز عمرها ١٧ عامًا اختلفت تلك القصة بسبب وجود خلاف سابق بينها وبين الشخص الذي نشرت صورته وأنها نشرت هذه القصة لكي تعاقبه وتجعله عبرة لمن يعتبر.


قضية أخرى لا تزال البوستات الخاصة بها منتشرة في كل مكان ومازال البعض يتحدث عن الأمر وكأنه يحدث في شارعهم، رغم أن الموضوع وهمي باعتراف الفتاة، لكن الشير الوهمي جعل الأمر وكأنه حقيقة واقعية فلم ينشر أحد ممن نشر البوست في السابق أخبار تكذيبه وحقيقته، فاستمر خوف الناس كلما شاهدت المنشور دون أن تعرف حقيقة الأمر .


الحقيقة في النهاية تكون مرة وخير دليل على ذلك قصة فتاة المنوفية طالبة كلية الصيدلة التي نشرت أسرتها استغاثة على مواقع التواصل الاجتماعي بصور من إحدى كاميرات المراقبة لفتاة تستقل توك توك وعليها تصريح بأنها الصورة الأخيرة التي التقطت للفتاة قبل اختفائها لتنتشر في كل جروبات الفيس وتويتر وتعود نغمة خطف الفتيات باستخدام التوك توك، وما حدث وقتها ومازال يحدث وسيحدث في المستقبل اتهم الجميع الشرطة بالتقصير وأن المنوفية على لائحة الخاطفين.


انتشر البوست بصورة كبيرة فاتصلت بشقيقها وقتها لمعرفة ابعاد الأمر فكان رده صادم وعنيف» احنا مش عايزين إعلام احنا نشرنا الأمر على الفيس وبنتابع مع الشرطة»، ومرت الأيام وأعادت الشرطة الفتاة لمنزلها لكن السؤال الذي لابد أن يسأله اي شخص فينا، أين كانت الفتاة وهل كانت مخطوفة كما نشر عنها، الإجابة بكل بساطة لا لم تكن الفتاة مخطوفة على الاطلاق بل إن الفتاة تركت منزلها باختيارها لأن شقيقها كان دائم الاعتداء عليها بالضرب، وأنها تعرفت على أحد الاشخاص واحبته واتفقت معه على الهرب والارتباط بعيدًا عن أهلها الذين كانوا يتعاملون معها بكل عنف جعلها تترك المنزل.


نفس الامر تقريبا حدث في الإسكندرية مع الواقعة التي كانت سببًا في حالة من الذعر العامة في المحافظة الساحلية الكبيرة بعد اختفاء مراهقة في المرحلة الإعدادية ووصل الأمر لدرجة أن أهالي المحافظة عاشوا أياما في حالة رعب قبل أن تتكشف الحقيقة ويتبين أن المراهقة هى من تركت منزلها بكل إرادتها بسبب أن والدها يضربها، وعادت الفتاة لأسرتها كما شاهدناها في الفيديوهات والصور التي كانت تعبر عن أشياء مؤلمة من نظرات الفتاة لأسرتها وكأن عيونها تقول كلمات كثيرة عجز عنها اللسان.


طرحنا الأمر على الدكتورة يارا عبد الرحمن أستاذة علم الاجتماع فقالت:  نعيش واقعا مؤلما خاصة في الأسرة المصرية التي أصبحت نتيجة للتكنولوجيا الحديثة والإيقاع السريع الموجود في المجتمع الحالي منهارة أو مفككة، فدور الأم في حياة ابنتها والذي هو الدور الأهم تراجع كثيرا ففي أي منزل الآن ترى جميع أفراد الاسرة متواجدين فيه لكنهم رغم ذلك غائبين عن المنزل فكل منهم يمسك هاتفه المحمول يستطيع أن يعيش فيه حياة خارجية دون أن يعرف باقي أفراد الأسرة عن الأمر شيئًا، فالأم لاتعرف مع من تتحدث ابنتها المراهقة بل نستطيع أن نقول انها اصبحت لاتهتم بأن تعرف، فهى الأخرى تكون مشغولة بأشياء كثيرة وهنا تكون اول خطوة في الطريق السيئ الذي تمشي فيه الأسرة المصرية وهو طريق التفكك، فالترابط الذي كان يميز الأسرة المصرية طوال تاريخها منذ الآلاف السنين تعرض للتآكل.


 وتضيف استاذة علم الاجتماع أن وسائل التواصل الحديثة وانتشارها بهذه الصورة الكبيرة هى السبب الأساسي فيما نحن فيه فلم تعد هناك رقابة، وعندما ينشر بوست ايا كان تجد أن هناك تجييش دون وعي من المتواجدين على هذه المواقع لزيادة تشييره وقد يفعلها أغلبهم دون حتى أن يقرأ الأمر فالمهم أن الجميع يشيره فلماذا يتخلف عن نشره أيضا دون أن يضيع ولو دقيقة واحدة ليتأكد من حقيقة البوست وهو ما يعرف بسياسة القطيع فقوة نشره وتشييره تعطيه المصداقية حتى وإن كان خياليا.