زاهى حواس: الرئيس السيسى أنقذ مصر مثلما فعل «حور محب»

د.زاهي حواس
د.زاهي حواس

وزراء الآثار خافوا من شهرتى.. وتعجبنى ثقة «العنانى» فى نفسه

أقود بعثة للبحث عن مقبرة «نفرتيتى» و حملة لاستعادة رأسها
إعلان ملابسات وفاة «سقنن رع» خلال شهر
وبردية بناء الأهرامات لم تأخذ حظها إعلامياً
حديثى عن الهوية المصرية لم يعجب الزنوج.. وأغلقوا شارعاً فى أمريكا لمنع محاضرتى

لدينا معركة فرعونية تدرس بالأكاديميات العسكرية

 


هناك شعرة فاصلة بين الغرور والثقة فى النفس، تستطيع أن تشعر وأنت تتحدث مع الدكتور زاهى حواس، عالم الآثار المصرى الشهير، أنه أدرك حدودها جيدا، فاستطاع أن يحافظ على توهج دائم وقبول، لا يمكن أن يحظى به الشخص المغرور..فالرجل الذى قد تطبع سيرته الذاتية فى عشرات الصفحات، اختار أن يكتفى باسمه مجردا من المناصب والألقاب العلميةفى الكارت الشخصى الخاص به، مصحوبا بأرقام هواتفه وبريده الإلكتروني، على خلفية بيضاء، لا تحمل أى طابع أثرى يدل على تخصصه، قائلا أن « اسم زاهى حواس كاف للدلالة على المهنة»..ربما قد يرى أعداء النجاح من كارهى الرجل، والذين أسماهم بـ ( دواعش الآثار)، فى مثل هذه العبارة نوعا من الأنا والغرور، ولكن العارفين بقيمته وقدره والمتتبعين لتصريحاته، والتى قال فى إحداها أنه يفضل ان يلقبه الناس بـ «الحفار الأثري»، يدرك أنه رجل عشق مهنته، فاستطاع أن يصدر هذا العشق للآخرين، فصار اسمه كاشفا عن مهنته..ولهذا السبب كان هو خيارى الأول، وأنا أبحث عن شخصية تمثل مجال الآثار فى سلسلة حوارات (شيوخ بلا عمامة)، والتى تستلهم خبرات شيوخ المهن المختلفة لننير بها الطريق إلى المستقبل، وكانت جولة بالعين فى مكتبه قبل بداية الحوار كافية لتمنحنى الطمأنينة بأننى أمام الخيار الصحيح..فإضافة إلى الشهرة الطاغية للرجل، والتى ترشحه للحوار عملا بالقاعدة الصحفية التى تقول أن « الأسماء تصنع الأخبار»، فإننا أمام رجل لا ينقطع عن القراءة والكتابة، حتى إن رفوف مكتبته تنوء عن استيعاب الكتب، فاختار أن يرص بعضها على الأرض..كما أنه يحتفظ فى مكان مميز بمكتبه بنسخة طبق الأصل من رأس نفرتيتي، والتى يحلو له فى بعض الأحيان أن يقسم بها، كما يفعل الريفيون فى أرض مصر الطيبة، عندما يقسمون برأس أبائهم وأمهاتهم، وهو ما منحنى أملا فى أنى ربما أحصل منه على جديد فى قضية استعادة النسخة الأصلية من الرأس والتى تحتفظ بها ألمانيا فى متحف برلين.. وإلى نص الحوار.

 

 

» بداية: من المفارقات التى توقفت أمامها وأنا أعد لهذا الحوار، أنك تركت المنصب منذ 9 سنوات، ومازلت محافظا على وهجك المحلى والدولي.. هل هناك سر فى ذلك؟
لم يعط نفسه فرصة للتفكير وأجاب على الفور قائلا : « العشق»، فأنا أتحدث عن الآثار، كما لو كانت هى الفتاة التى أحبها.


» يمكن أن يكون هناك عاشقون مثلك للآثار، لكنهم لم يحققوا شهرتك؟
يشير بإصبعه إلى السماء قائلا:هذا ما يسمونه (الكاريزما)، وهى رزق من الله، يجعلنى عندما أسافر إلى أى بلد، أحظى باهتمام الإعلام.


» ولكننا نريد استنساخ زاهى حواس لكى يكون هناك العشرات مثلك؟
يبتسم قائلا: خلال عملى قمت بتدريب أكثر من 500 شاب ليكونوا مثلى وأفضل، ولكن كما قلت لك أن «الكاريزما» التى تدخلك إلى القلوب عند الحديث عن الآثار، هى رزق من الله.

 

» أرى تعاونا واضحا بينك وبين وزير السياحة والآثار د.خالد العناني، ألم يخش الرجل من هذه الكاريزما؟
يطلق ضحكة عالية قبل أن يقول: من سبقوا العنانى من وزراء الآثار كانوا يخشون من كاريزما زاهى حواس، ولكن الوحيد الذى لم يخش منها وأعطانى الفرصة للوقوف معه ومساعدته على تحقيق النجاح هو الوزير الحالى د.خالد العنانى.


» من يفعل ذلك من المؤكد أنه يثق فى نفسه وقدراته؟
يومئ بالموافقة قبل أن يقول: أوافقك الرأى تماما، فأنا يعجبنى ثقته فى نفسه، لأنه ناجح، والشخص الناجح هو من يقرب الناجحين منه، وقد فعل فاروق حسنى ذلك عندما كان وزيرا للثقافة، فكان بجواره عمالقة مثل فوزى فهمى وسمير سرحان، وكذلك فعلت أنا فى المجلس الأعلى للآثار، ولذلك حققت نجاحات كبيرة فى الاكتشافات الأثرية و انشاء المتاحف وتنظيم المعارض بالخارج.


» ورغم هذه النجاحات، لم تسلم مثل غيرك من مسئولى ما قبل ثورة 25 يناير 2011 من البلاغات والاتهامات؟
إحمر وجهه وانتفخت أوداجه، قبل أن يقول: هذه ليست ثورة، لكنها مؤامرة، فلم يسلم أى شخص ناجح من شتائم من كانوا يطلقون على أنفسهم ثوار، ولكن كنت دائما ما أعزى نفسى بأن هؤلاء فاشلون، ومن الطبيعى ألا يعجبهم نجاحي.
وينظر إلى رفوف مكتبته المكتظة بالكتب، قبل أن يضيف: كل هذه الكتب من مؤلفاتي، ولو وضعتها فوق بعضها لصارت أطول ممن سبوني، وبالمناسبة سأفاجئك بأن هذه الفترة الصعبة كانت من أكثر الفترات التى عملت فيها محاضرات وتقلدت خلالها جوائز عالمية.


الثورة والفراعنة


 » أراك متحاملا على ثورة 25 يناير فى حديثك وملامح وجهك الغاضبة، مع أنك فى تصريحات بعد الثورة قلت إنها نسخة بالكربون من ثورة حدثت فى مصر الفرعونية؟
لم ينتظر استكمال السؤال، وخرجت الكلمات من فمه سريعة قائلا: هى كانت مقارنة بين ما حدث فى الماضى وما حدث فى 2011، ولا تعنى تأييدا لما حدث، فنفس الوقائع تكررت تقريبا، وقد عرفنا بهذه الوقائع من الحكيم «إبور» فى نهاية الأسرة السادسة، والذى حكى ما حدث قبل 4200 عام، عندما حاول نصح الملك « بيبى الثاني» بالقضاء على الفساد والانحرافات، لكنه لم يهتم، فقامت ثورة اجتماعية جعلت الفقير غنياً والغنى فقيراً، وأصبحت المرأة التى كانت تنظر لوجهها فى المياه تملك مرآة، وأصبح الفلاح يملك السلاح بدلا من الفأس، والعدو فى سيناء يتحين اللحظة للانقضاض على الحكم.


» هل ذكر سيناء تحديدا؟
يومئ بالموافقة قبل ان يقول: نعم، فسيناء منذ الفراعنة كانت بوابة الغزاة لاستهدافنا، وقد احتلت مصر لأول مرة من الهكسوس عن طريق سيناء، واستمر حكمهم 100 عام، لذلك أدرك الفراعنة أهميتها فأقاموا بها التحصينات ودشنوا طريق حورس الحربى لحماية جبهة مصر الشرقية، وهو ما تفعله مصر حاليا، عن طريق التنمية المستمرة فى سيناء والاهتمام بتأمينها عسكريا.


حرب أكتوبر وحرب الهكسوس


» على ذكر سيناء، وبما أننا فى أكتوبر شهر الإنتصار العسكري، هل هناك  معركة فى التاريخ المصرى القديم تشبه معركة أكتوبر؟
يكتسى وجهه بمشاعر الحماس قبل أن يزداد صوته المرتفع ارتفاعا وهو يقول: بالطبع، فقد خاض المصرى القديم حرباً هامة لتحرير بلاده من الهكسوس، وقد بدأت محاولات تخليص البلاد منهم فى عهد «سقنن رع «، ولكن تم أسره وقتله على يد الهكسوس، وجاء من بعده ابنه «كاموس» و«أحمس»، وقادا حرب التحرير وصنعا النصر العظيم، وأحب انا أشير هنا إلى ان لدينا ارثا عسكريا نفخر به منذ عصر الفراعنة، وكان لدينا جيش ينقذنا دوما فى الأزمات، فكما أنقذنا الرئيس عبد الفتاح السيسى فى 30 يونيو، كان لدينا قاده فراعنة أنقذوا مصر فى وقت الأزمات مثل القائد العسكرى «حور محب» فى عهد الملك اخناتون، حيث أهمل الملك الحكم وانشغل بمعتقداته الدينية، فكان «حور محب» هو المنقذ للدولة، والجميل فى هذا القائد العسكرى أنه عمل فى ثلاثة عصور هى توت عنخ آمون وإخناتون وآي، ولم يتطلع يوما للحكم، إلا عندما أجبرته الظروف على ذلك، وهذا يكشف كيف أن الجيش المصرى لا يهمه منذ الفراعنة سوى المصلحة العامة، وهو جيش لديه مبادىء يطبقها حتى مع الأعداء.


» كيف طبق المبادىء مع الأعداء؟
يصمت لوهلة يلتقط فيها الأنفاس ليواصل الحديث قائلا: قبل نحو 4300 عام خرجت قافلة عسكرية لمطاردة مجموعة إرهابية فى سيناء، فتحصن الإرهابيون فى إحدى القلاع واضعين أطفالهم ونساءهم كدرع لوقايتهم، ولكن الجندى المصرى صاحب المبادىء، استطاع أن يتغلب على هذه المشكلة مستخدما سلالم مرتفعة صعد بها ليقتنص المجرمين ويترك نساءهم وأطفالهم.
وهذا الجيش صاحب المبادىء كان قويا، فقد أمتلكنا أقوى جيش فى عهد تحتمس الثالث، الملقب بـ «نابليون العصر القديم»، والذى قاد معركة «مجدو» والتى تدرس فى الأكاديميات العسكرية، حيث فاجأ خلالها العدو من طريق لا يتوقعه.


آثارنا فى إسرائيل
» قبل أن نترك أجواء حرب أكتوبر وعلاقتها بالماضي، هناك تقارير فى الصحافة العبرية تشير إلى ضلوع رئيس الوزراء الإسرائيلى موشى ديان أثناء احتلال سيناء فى تهريب آثار مصرية إلى إسرائيل.. فما مدى دقة هذا الكلام؟
ينخفض صوته قليلا وهو يقول: للأسف هذا حدث، وقامت إسرائل بحفائر فى سيناء وأخذت كميات كبيرة من القطع الأثرية، وحاولت وحاول غيرى فى اتجاه استعادتها وكل ما تحصلنا عليه قطع من الفخار ليست ذات قيمة عالية.


» وهل استعادتها الآن صعبة؟
تنخفض نبرة صوته أكثر وأكثر، وهو يقول: للأسف صعبة لأنها ليست مسجلة بشكل رسمى فى المتاحف، فهى توجد فى المجموعات الخاصة لبعض الشخصيات، مثل مجموعة موشى ديان.


» ولكن بعض المهتمين بهذا الملف أشاروا إلى وجود بعضها فى متاحف إسرائيلية؟
تعود نبرة صوته المرتفعة وهو يقول: لا يوجد تمثال خرج بطريقة غير مشروعة ويعرض فى أحد المتاحف إلا وطالبت بعودته، ونجحت أثناء عملى فى استعادة 6 آلاف قطعة، وأدرت معركة كبيرة من أجل استعادة رأس نفرتيتى من متحف برلين، وأرسلت أول خطاب رسمى يطالب بعودتها موقعا من رئيس الوزراء، ولكنهم فى برلين يراوغون.. الآن قالوا منذ حوالى أسبوع أنه لم  يصلهم أى خطاب، وهذا غير صحيح،  وأقود الآن مبادرة شخصية لاستعادتها عن طريق حملة سأجمع خلالها توقيعات مثقفين مصريين وأجانب تطالب باستعادة الرأس، لانها خرجت بطريقة غير شرعية عن طريق تدليس مكتشفها فى عام 1912 العالم الألمانى بوخارت الذى قال أنه تمثال غير ملكى من الجبس، وهو يعلم انه تمثال لنفرتيتى من الحجر الجيري، حيث كانت بروتوكولات اقتسام الآثار المكتشفة حينها تنص على عدم جواز خروج أى تمثال ملكى من الحجر الجيري.  


» يبدو أن لرأس نفرتيتى مكانة خاصة فى قلبك حتى أنك أقسمت بها فى أحد حواراتك الصحفية قائلا: « ورأس نفرتيتى حجر رشيد سيعود»؟
يبتسم قبل أن يقول: رأس نفرتيتى وحجر رشيد والقبة السماوية، هذه ثلاث قطع أثرية يجب أن تعود، لأنها من حق مصر، وخرجت بطريقة غيرشرعية.


» يبدو أنك تعشق على وجه الخصوص رأس نفرتيتي، ولذلك اخترت أن تضع نسخة طبق الأصل منها أمام مكتبك؟
يشير إلى تلك النسخة قائلا وقد تهللت أساريره: هذه نسخة أعدها فنان أمريكى وأهداها لى فى احتفالية أقيمت فى مكتبي، وكان ذلك تقديرا منه للجهد الذى أبذله لاستعادة الرأس الأصلية.


مبادرة استعادة رأس نفرتيتي


» وهل لديك أمل فى أن تثمر مبادرتك الشخصية لاستعادتها عن نتيجة إيجابية؟
تبدو المهمة صعبة ولكنى لم أتعلم اليأس، فطالما لديك حق، فيجب أن يكون صوتك عاليا فى المطالبة به، ولحسن الحظ أن هناك حالة مطالبات دولية حاليا بإعادة ما نهبه المستعمر الأوروبى من إفريقيا، وبدأت فرنسا تأخذ خطوات فى هذا الإتجاه، ويجب أن نستفيد من هذا الزخم للمطالبة برأس نفرتيتي.

 

» ولكن مسئولى متحف برلين يتحججون بأن اعادة رأس نفرتيتى يعنى افتقاد المتحف لعدد كبير من الزوار الذين يأتون من أجل هذه القطعة الأثرية؟
ترتسم على وجهه ابتسامة ساخرة قبل أن يقول: هذه من المبررات الواهية، لأن لديهم قطعة أثرية أفضل منها لرأس الملكة «تي»، ويوجد فى قسم الآثار المصرية بالمتحف عدد نادر من القطع الأثرية، ويوجد فى ميونخ متحف كامل للآثار المصرية.


» وكل هذه الآثار المعروضة فى برلين أو ميونخ وغيرها من متاحف العالم خرجت بشكل شرعي؟


تعود مشاعر الحماس إلى وجهه ليقول: من الجيد أنك طرحت هذا السؤال، لأنى دائما ما أقول للغرب، أنى لست ضد اقتناء المتاحف عندكم للآثار المصرية، ولكنى أطالب بعودة الآثار المسروقة التى خرجت بشكل غير شرعي، والقطع الفريدة التى ليس لها مثيل، وقد عبرت عن هذا الرأى بوضوح فى مناظرة شاركت فيها بجامعة أكسفورد قبل عامين.


وبالمناسبة، أحب أن أشير هنا إلى أنه ليس معنى أن دار مزادات بالخارج تبيع قطعة أثرية مصرية، ان من حقى المطالبة باستعادتها، لأنه ليست كل قطعة تباع فى دار مزادات قطعة مسروقة، لأن الآثار المصرية كانت تباع بشكل رسمى حتى عام 1983، وكان يمكن لمن يقتنى قطعة أثرية أن يذهب بها للمتحف المصرى ويحصل على ختم بأنه يمتلكها، وفى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كانت هناك صالة لبيع الآثار المكررة، وألغيت بعد أن علم عبد الناصر أن إسرائيل تقول أن مصر تبيع عرضها.


ولكن فى المقابل يجب أن تظهر أى دار للمزادات أوراقاً تثبت ملكية القطع الأثرية، حتى يكون بإمكاننا المطالبة بإعادة القطع المسروقة، لأنه فى عام 2011 و 2012 أجريت العديد من الحفائر غير الرسمية وخرجت العشرات من القطع الأثرية بشكل غير رسمي.


الحفائر غير الرسمية
» على ذكر الحفائر غير الرسمية، دخلت فى جدل مع مواطن من صعيد مصر، كان يؤمن بأنه إذا أجرى حفائر فى منزله ووجد آثارا فهى من حقه شرعا، وفشلت فى اقناعه بالعكس، فهل الخطاب الدينى مقصر فى هذا الأمر؟
يطلق تنهيدة عميقة إستعدادا لإجابة طويلة استهلها بقوله: مصر الحديثة مقامة فوق مصر القديمة، فمن الوارد أن توجد آثار تحت الكثير من المنازل فى مناطق عدة، كما حدث فى المطرية مثلا حيث وجدنا مقبرتين أسفل فيلتين هناك، والمشكلة ان بعض السحرة المغاربة استغلوا هذا الأمر وبدأوا يحصلون على المال من بعض المصريين  نظير تحديد مكان وجود الآثار فى المنزل، وللأسف البعض يستجيب لهذا النصب، لأن هناك مفاهيم خاطئة بوجود ما يعرف بـ «الزئبق الأحمر» الذى يفعل المعجزات، والذهب، وقد بح صوتى بالقول أنه لا يوجد شيء اسمه الزئبق الأحمر، وان الذهب ليس من المقتنيات المعتادة فى المقابر الفرعونية، فلم يعثر عليه إلا فى مقبرة توت عنخ آمون ومقابر الأسرة 21 و22، ومع ذلك لا يزال هناك تصديق لهذه الخرافات.. ويطلق ضحكة عالية قبل أن يستأنف حديثه قائلا: لقد وصل الأمر أن شخصا تقمص شخصيتى وكان يحادث الناس هاتفيا ويوهمهم بأنه سيبيع لهم آثارا، ونجح الأمن فى القبض عليه، ولمدة عام كامل كان يقف شخص على باب مكتبى من حين لآخر طالبا مقابلتي،لأنه يعرف مكان مقبرة ويريدنى أن أساعده فى اكتشافها ليحصل منها على الزئبق الأحمر الذى سيحل مشكلته مع الإنجاب.. وبالمناسبة، أغلب من اقتحم المتحف المصرى فى ميدان التحرير إبان ما يطلقون عليها ثورة يناير كان من الجهلاء الذين يبحثون عن الذهب والزئبق الأحمر، فلم يجدوا لا هذا ولا ذاك، ولو كانوا من تجار الآثار لخربت الدنيا، وافتقدنا أكثر من الـ54 قطعة أثرية التى نجحنا فى استعادتها.


» ولكن كما قلت سابقا ان هناك حفائر تمت فى 2011 و 2012، أى أن وهم الثراء بواسطة هذه الاكتشافات له ما يبرره، وكنت أسألك عن تقييمك لدور الخطاب الدينى فى توعية الناس بمدى مشروعية ذلك؟
لم ينتظر اكمال السؤال وخرجت الكلمات من فمه سريعة قائلا:  طالما أن الحفائر غير الرسمية يجرمها القانون فهى حرام، لا جدال فى ذلك، ويجب أن يكون الخطاب الدينى حاضرا فى توضيح ذلك للناس، فأنت تملك ما فوق الأرض، أما ما تحتها فهو ملك للدولة.


وبالمناسبة ليس الخطاب الدينى وحده هو الذى يشوبه التقصير، فالإعلام والتعليم أيضا مقصران فى القيام بدورهما، فالآثار غائبة من خرائط برامج الإعلام، بينما فى الغرب ينتجون برامج مشوقة عن آثارنا مثل حلقات «مطاردة المومياوات» التى تم تصويرها معي، وكارتون الأطفال الذى يتم تنفيذه حاليا تحت عنوان « زاهى الصغير».


أماعن التعليم فقد طالبت مرارا وتكرارا بأن يتم تدريس اللغة الهيروغليفية بالمدارس، وأحلم بأن تكون هناك مادة عن الآثار فى جميع الكليات، فطالب الطب أو الهندسة حتى يكون طبيبا ناجحا أو مهندسا ناجحا، لابد أن يكون لديه قدر من الثقافة وحب الفنون.


الطب والمومياوات
» إلى جانب أن الآثار يمكن أن تكون مادة ثقافية، فقد تكون لها علاقة بالمهن المختلفة، فمثلا الأبحاث التى أجريت على مومياء توت عنخ آمون لكشف سبب وفاته، تحت إشرافك، كان يشارك فيها الأطباء إلى جانب الأثريين؟.
يومئ بالموافقة قبل أن يقول: هناك طبعا رابط قوي، واستعنا فى هذا العمل بمتخصصين فى الأشعة المقطعية والتشريح والحمض النووي، ولكن ما أقصده هو أن يكون لدى الطبيب أو المهندس أو المحامى خلفية عن تاريخ بلده، فهذا مهم لتكوينه الشخصي، ويتعين عليه النجاح بتلك المادة للحصول على الشهادة.


» على ذكر الأبحاث التى اجريت على مومياء توت عنخ آمون، هناك من يطالب بإعادة المومياوات إلى قبورها، وبعضهم حصل على فتاوى تحرم عرضها، فما رأيك؟
على عكس ما توقعت كانت نبرة صوته هادئة وهو يجيب على هذا السؤال قائلا: فى شبابى كلفت بمرافقة الأميرة مارجريت شقيقة ملكة إنجلترا فى جولة بالمتحف المصري، وما أن شاهدت المومياوات حتى وضعت يدها على عينها وأخذت تجرى وهى تصرخ، فلما سألتها عن سبب ما فعلته قالت: كيف أشاهد انسانا متوفى، وكذلك عندما زار الرئيس الراحل أنور السادات المتحف، لم يعجبه هذا المشهد، وقال إما أن تغطوها أو تعيدوها لقبورها، ولكن أتصور أن المشكلة كانت فى طريقة العرض، وهو أمر سيتبدل فى متحف الحضارة، حيث ستكون طريقة العرض تعليمية، وليست مثيرة، فإلى جانب المومياء ستوجد التماثيل الخاصة بها والأشعة المقطعية التى أجريت لها ونتائج تحاليل الحمض النووى التى تكشف عن نسبها.


» وهل وجود هذه الأشياء بجانب المومياء يعالج مشكلة أننا أخرجنا شخصا متوفيا من قبره، كما يقول المنتقدون؟
ترتفع نبرة صوته قليلا قائلا: نحن لا ننبش القبور، نحن نعيد لهم حضارتهم وأمجادهم ونتعلم منهم إلى الآن، فوظيفتنا فى الحفائر أن نحفر عن الماضى لننير المستقبل.


» ولماذا لا يعرض الغرب ملوكه بهذا الشكل ؟
تصبح نبرة صوته أكثر ارتفاعا وهو يقول: ليس لديهم حضارتنا، وفى النهاية هى قضية جدلية، ولكن الغالبية العظمى تؤيد عرضها من منطلق ان الدراسات التى تجرى على أى مومياء مفيدة فى تتبع تاريخ الأمراض وتعيد هذه المومياء للحياة من جديد.


» بما أننا نتحدث عن المومياوات.. فهل هناك اكتشاف قريب فى جعبة د.زاهى حواس؟
تعود مشاعر الحماس إلى وجهه وهو يقول: سنعلن خلال شهر كيف قتل الهكسوس الملك «سقنن رع» والأسلحة المستخدمة فى قتله، كما نجرى حاليا دراسات على مومياء أحمس، وأقود بعثة حفريات فى الأقصر للبحث عن الملكة نفرتيتي.

حلم مقبرة الإسكندر
» وهل يمكن أن نحقق الحلم الأكبر باكتشاف مقبرة «الإسكندر الأكبر»؟
ترتسم ابتسامة عريضة على وجهه قبل أن يقول: لا شك عندى رغم كثرة النظريات التى تحدثت عن أماكن مختلفة للمقبرة، أنها توجد فى الإسكندرية فى مقابر اللاتين بالشاطبي، ومبعث هذه الثقة أنه يوجد نص لشخص كان يزور المقبرة وتحدث عنها وعن وصفها.

 

» ولماذا لا نبحث عنها هناك؟
كان الدكتور الراحل فوزى الفخرانى المتخصص فى العصر اليونانى الرومانى قد بدأ مشروع للبحث عنها، ويجب أن يستأنف تلاميذه هذا العمل.


» كان لك تصريح بأنك تحلم بتنفيذ مشروع للبحث عن الآثار الغارقة فى النيل.. هل نجحت فى تحقيقه؟
يشير إلى أوراق على مكتبه قائلا بلهجة يغلفها الحماس: هذه دراسة أقوم بكتابتها عن آثار عثرنا عليها عبارة عن مركبة غارقة ومسلتين صغيرتين، وهذه هى كل ما وجدناه خلال مهمة بحث أجريت بتمويل من التليفزيون الفرنسي، وبحثت خلالها من منطقة كتاركت بأسوان حتى كوم إمبو، ولكن توقف هذا المشروع بسبب التمويل، لأنه يحتاج إلى امكانيات ضخمة وأجهزة سونار على أعلى مستوى للكشف عن الآثار التى ردمها طمى النيل فى الأعماق.


دواعش الآثار
» من الاكتشافات والأبحاث إلى مقال غريب لك حمل عنوان (دواعش الآثار)، فالعنوان أعطانى دلالات لها علاقة بكلمة داعش وما تعنيه من العنف والقتل والتطرف، ولكنى وجدتك تقصد بهذا الوصف بعض معارضيك؟.
يقرع جرسا صغيرا على مكتبه للتنبيه لخطورة حديثه القادم الذى استهله بالقول: الدواعش ليسوا فقد من يمارسون العنف الجسدي، ولكن الحقد ومطاردة الناجحين بالإشاعات والبلاغات الكيدية، هو أيضا نوع من العنف، لا يقل خطورة عن العنف الجسدي، وقد عانيت من بعد ما يسمونها ثورة يناير، من هؤلاء الدواعش الذين قدموا 22 بلاغا ضدي، ولكنى والحمد لله تعلمت منذ نعومة أظفارى ألا أضع إصبعى تحت ضرس أحد، فطالما أنى أثق فى نفسي، فليقولوا ما يقولوا، فقد قالوا عنى أنى «حرامى آثار»، ولكنى وجدت من يدافع عني.


ويشير إلى رسم كاريكاتيرى يتصدر حائط مكتبه، ويقف فيه حاملا بندقية وخلفه الأهرامات، ليقول: « انا حامى للآثار كما أراد صاحب هذا الرسم الكاريكاتيرى أن يقول ولست مضيعا لها».

 

» من الاتهامات التى وجهها لك من أسميتهم بـ «دواعش الآثار» أنك لا تحب أن يتكلم أحد غيرك فى الآثار؟
يطلق ضحكة عالية قبل أن يقول: كانوا يقولون ذلك وأنا فى المنصب، وقد تركت المنصب، فهل تكلم أحد فى الآثار؟، وانا بالمناسبة لا أفرض نفسى على قناة تليفزيونية أو أسعى لحوار صحفي، ولكن الإعلام هو من يسعى لي، وهذه ليست مشكلتي.


» أفهم من ذلك أنك لا تتطوع بالرد على من يتكلم فى الآثار؟
يشير إلى موسوعة ضخمة أعدها عن منطقة الهرم فى مكتبته، قبل أن يقول: هذه موسوعة أعددتها عن منطقة الهرم وضعت فيها خلاصة  خبرتي، فهل إذا وجدت شخصا يردد كلاما غير علمى عن المنطقة أصمت أم من واجبى أن أصحح.

يعنى مثلا هناك من قال أن هناك تمثالا آخر لأبوالهول فى المنطقة، هل أتركه يردد هذا الكلام، وأنا حفرت فى كل شبر بها، وعندما قال الملياردير الأمريكى (أيلون ماسك) أن كائنات فضائية بنت الأهرامات هل أتركه أم أدافع عن تاريخ بلادي، وهل أنا منعت أحدا غيرى من أن يتطوع بالرد على هؤلاء.


الأهرامات والكائنات الفضائية
» أظن أن رواية الكائنات الفضائية تضيف لحضارتنا ولا تخصم منها، فقد كان البناء معجزا لدرجة أنه ليس من المتصور أن أصحابه بشر؟.
يومئ بالموافقة قبل أن يقول: عندما تقف فعلا أمام الأهرامات تشعر أن هذا البناء يصعب أن يكون أصحابه بشرا، ولكن لدينا بردية من وادى الجرف فى سيناء لرئيس عمال يدعى «ميرر» يتحدث عن كيفية بناء الهرم ، وظهرت هذه البردية منذ ثلاث سنوات، ولكن لم تأخذ حظها فى الإعلام رغم أنها فى رأيى أهم اكتشاف أثري.


» رغم أننا لم نبهر العالم مثلما فعل أجدادنا، كان لك تصريح أننا فراعنة ولسنا عربا أو أفارقة؟
يطلق ضحكة عالية قبل أن يقول: هذا الرأى تسبب أن الزنوج فى أمريكا نظموا احتجاجات ضد استضافتى فى محاضرة بفيلادلفيا، وتأخرت المحاضرة ساعتين حتى جاءت الشرطة وفضت الاحتجاج.. فمملكة «كوش» الزنجية صحيح أنها حكمت مصر ولكننا لسنا زنوجا، وهذا يظهر فى الشكل المصري، فنحن لا نملك شفاها غليظة وأنفا مفلطحة، وكذلك الشكل المصرى يبدو مختلفا عن العرب، فنحن فراعنة تنحدر أصولنا من منطقة نقادة بمحافظة قنا.


» وأخيرا: كان لك تصريح أن المعارض الأثرية فى الخارج يمكن أن تحل مشاكل مصر المادية، ألا تراه مبالغا بعض الشيء؟
يشير بعلامة الرفض قبل أن يقول: نجحت أثناء عملى فى أن أدر من معرض واحد لتوت عنخ آمون 120 مليون دولار، فالمعارض وسيلة سهلة وآمنة لزيادة الدخل، والتوسع فى تنظيمها واجب وطني.
> ولكن هناك من يقول أنها تغلق باب الزيارة لمصر، لأنك تنقل له آثارك، فلماذا يزورك؟
يبتسم ابتسامة ساخرة قبل أن يقول: من يردد هذا الكلام لا يفهم معنى المعارض، فهى مثل المشهيات التى تدفع السائح لزيارة مصر لتناول الوجبة الدسمة بزيارة الأهرامات وأبو الهول ورؤية

 

المومياوات.
» وماذا عن احتمالية تلف الآثار؟
ترتفع نبرة صوته قائلا: من يعترض لهذا السبب يذكر لى واقعة واحدة حدث فيها تلف لأى أثر، فهذا لم يحدث، والآثار توفر لها أقصى وسائل الحماية التى تضمن عدم تعرضها لأى سوء.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي