..نعم.. هي عملية جراحية كُبري ومُكلِفة ولكن قواتنا المسلحة قادرة علي إنجاز المهمة بنجاح وبما يضمن تطهير الجِراح وتعافي الوطن تماماً.

لا أعتقد أن هناك مصرياً واحداً لا يحزن وينفطر قَلبُهُ علي ضحايا الهجمات الإرهابية الجبانة في سيناء والتي تؤكد أن هناك خللاً في المنظومة الأمنية وفي خطط وإدارة العمليات يستَلْزِم وقفة جادة ومراجعة عاجلة حتي لا يتكرر سقوط شبابنا بهذا الكم وتلك الكيفية المثيرة للتساؤلات!!.. نعم.. المعركة صعبة ومعقدة دون شك وخاصة أن العناصر الإرهابية باتت تحظي بحاضنة محلية من بعض أبناء سيناء الساخطين والموتورين من بعض التصرفات والتجاوزات الأمنية.
وأرجو أن نقرأ ونفهم جيداً ما كتبه الخبير بالحركات الإسلامية الدكتور كمال حبيب في صفحته علي الفيسبوك « تنظيم ولاية سيناء يعمل وفق نظرية موج البحر، يصعد ثم يخبو.. والصعود معناه القيام بعملية كبيرة كل فترة تتراوح بين ثلاثة إلي أربعة أشهر.. وبين العمليات الكبيرة تلك يقوم بما يمكن أن نطلق عليه ( الاستنزاف المتواصل للقوات عبر عمليات صغيرة).. وتقريبا عمليات التنظيم تكاد تكون متشابهة من حيث استخدام السيارات المفخخة وإتباعها بعملية أخري من قوي إسناد تستغل لحظة الصدمة للاستيلاء علي أسلحة ومعدات وتصوير ذلك من قوي أخري إعلامية لإظهار ما يطلقون عليه النكاية.. وفي نفس الوقت التجنيد لأعضاء جدد.
نحن أمام هذا التحدي منذ 2013، وحتي الآن ينفذ التنظيم عملياته بنفس الاستراتيجية والتكتيكات دون أن يضع المخططون لدينا خططا جديدة للتعامل مع ذلك الخطر.. هناك مشكلة ولابد من العمل علي طرح حلول غير تقليدية وخارج الصندوق لمواجهة هذا المشهد الحزين المتكرر الذي يبدو فيه أولادنا وجنودنا وكأنهم يواجهون الموت بلا خطط لتفاديه.. الطرق التقليدية التي تلازمنا في أنماط تفكيرنا ومعاشنا يمكن تحملها حين لا يكون الثمن حياة ودماء أبنائنا.. أما حين يكون اتباع تلك الطرق القائمة علي الاستسهال وعدم الوعي بوجود تحد والتواكل واستخدام الدعاية بديلا عن العمل وعدم القدرة علي الاستمرار تحت الضغط لوقت طويل ومستمر.. حين يكون ثمن إتباع هذه الطرق هو حياة جنودنا في سيناء فهنا لابد من وقفة ولابد من مراجعة ولابد من محاسبة».
المطلوب إذاً أفكار وخطط جديدة وجريئة من خارج الصندوق.. وأتصور أن المُراجعة الضرورية يمكن أن تبدأ بتبني استراتيجية مغايرة لما هو قائم تعتمد علي أكثر من محور.. فإضافة إلي المحور العسكري والأمني يتعين التحرك بالتوازي علي محور تنموي وآخر ثقافي واجتماعي.. وهذان المحوران الأخيران يجب أن تتم مناقشتهما والإتفاق بشأنهما مع أبناء سيناء.. وسأطرح فكرة قد تبدو «خيالية» أو غير عملية ومكلفة للغاية وتتمثل في استضافة، وليس تهجير، سكان شمال سيناء (عددهم حوالي 420 ألف نسمة طبقاً لإحصاءات 2013) لمدة أربعة أو ستة أشهر، في فنادق ومنتجعات القوات المسلحة وفي فنادق ومنتجعات أخري مع توفير كافة الخدمات اللازمة لهم ولأبنائهم.. وفور الإجلاء الطوعي للسكان تبدأ عملية عسكرية شاملة لاستئصال بؤر وخلايا الإرهابيين وإقتلاعهم من الجذور ثم إعادة تخطيط وبناء المنطقة وخاصة الشريط الحدودي المتاخم لقطاع غزة «علي نظافة « وبما يحقق كل متطلبات الأمن القومي وجميع شروط التنمية الشاملة والرخاء لعشرات السنين القادمة.
هذه الخطة العملاقة ستكون بمثابة عبور أسطوري آخر إلي أرض الفيروز وثورة عمرانية حلمنا بها طويلاً ولم تتحقق.. كما ستعيد رسم الخريطة السكانية بما يتلاءم مع مرتكزات الأمن القومي والاحتياجات الاقتصادية والمعيشية لأبناء سيناء والوادي.. والأهم أنها ستقتلع الإرهاب من الجذور..نعم..هي عملية جراحية كُبري ومُكلِفة ولكن قواتنا المسلحة قادرة علي إنجاز المهمة بنجاح وبما يضمن تطهير الجِراح وتعافي الوطن تماماً.