قضية ورأى

ظاهرة التعدى على الأراضى الزراعية

د. سعد نصار
د. سعد نصار

لم يسبق أن شاهدت السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى منزعجا مثلما شاهدت سيادته عندما كان يتحدث اثناء افتتاح مشروعات تنموية فى محافظة الإسكندرية منذ عدة أيام عن ظاهرة التعدى على الأراضى الزراعية. وفى الحقيقة فان التعدى على الأراضى الزراعية بالبناء أو التبوير أو التجريف يعتبر بجميع المقاييس جريمة ليس فى حق الأجيال الحالية فقط وانما أيضا فى حق الأجيال القادمة. لان الأرض الزراعية هى اهم مورد للأمن الغذائى وهو مكون رئيسى للأمن القومي. ولقد زادت هذه الظاهرة بعدما ألغى امر نائب الحاكم العسكرى عام 2004 والذى كان ساريا منذ نهاية التسعينات من القرن الماضى والذى كان يتيح للسادة المحافظين إزالة التعدى فورا ودون الحاجة إلى تحرير محاضر بالشرطة والنيابة وإقامة دعاوى امام القضاء والتى تستغرق وقتا يصعب معه تنفيذ احكام الازالة نظرا للحاجة إلى دراسات امنية. ثم زادت هذه الظاهرة بصورة اكبر خلال فترة السيولة والارتباك التى عاشتها مصر خلال الفترة من 2011 وحتى 2014.
اننا نعيش فى مصر على نسبة حوالى 7% فقط من مساحة مصر وجار العمل على قدم وساق من خلال المشروعات القومية الكبرى لزيادة المساحة المأهولة لتصل إلى حوالى 25% من مساحة مصر. ومعظم ان لم يكن كل محافظات مصر لها ظهير صحراوي. وبالتالى فان ترفيق هذا الظهير وبناء مساكن عليه وتوفيرها للمواطنين بأسعار معتدلة هو البديل عن البناء على الأراضى الزراعية. كما يمكن النظر فى إعادة التخطيط العمرانى للقرى بحيث يتم التوسع فى البناء بها رأسيا وليس افقيا. كما أن استمرار التوسع فى الحيز العمرانى للقرى كل فترة والبناء وان كان مخططا على الأرض الزراعية سيقضى على تلك الأراضى أن آجلا اوعاجلا.
وان قول البعض بأنه يمكننا البناء على الأرض الزراعية بالوادى والدلتا مع التوسع فى الاستصلاح والاستزراع فى الصحراء قول مردود عليه أولا لأن عملية الاستصلاح والاستزراع باهظة التكاليف وثانيا لأن إمكانيات التوسع الافقى محدودة لمحدودية المياه وثالثا لأن الأرض الجديدة تأخذ وقتا طويلا للوصول إلى الإنتاجية الحدية ورابعا لأن هذه الأرض الجديدة لا تزرع عادة بالمحاصيل الغذائية الاستراتيجية لأنها تكون عادة غير اقتصادية وأخيرا وليس آخرا فاذا بنينا على الأرض الزراعية كلها فى الوادى والدلتا فاين يعمل سكانها ومن أين يأكلون وهل ننقلهم أو نهجرهم إلى الصحراء.
ان مواجهة التعدى على الأرض الزراعية يتطلب عددا من السياسات والإجراءات منها النظر فى اعادة أمر نائب الحاكم العسكري. ونظرا لأن تغليظ العقوبات على المخالفات لم يجد ولم يوقف التعدى على الأرض الزراعية فقد يتطلب الامر دراسة اصدار تشريع يقضى بمصادرة ملكية الأراضى الزراعية التى يتم التعدى عليها وذلك لصالح الهيئة العامة للإصلاح الزراعى التى تتولى الاشراف على زراعتها
بالتأجير أو التمليك. ومراجعة ما يقال من أن هذا يتعارض دستوريا مع حقوق الملكية لأنه فى رأينا أن حقوق الملكية من استعمال واستغلال وتصرف يجب أن يكون فى اطار المصالح الوطنية. وغنى عن القول أن الحفاظ على الأراضي الزراعية وحمايتها وصيانتها وتحسينها واستخدامها فى انتاج الغذاء وتحقيق الآمن الغذائى الذى هو مكون رئيسى للأمن القومى يصب فى صميم صالح الوطن والمواطنين. وادراكا للوظيفة الاجتماعية للأرض الزراعية فقد نص الدستور فى المادة « 35 « على أن الملكية الخاصة للأرض الزراعية مصونة، وهى كذلك طالما استمرت فى الإنتاج الزراعى فاذا تم التعدى عليها فإنه يمكن للمجتمع استعادتها لأداء وظيفتها الاصلية لصالح الفرد والمجتمع.
ومن الإجراءات المطلوبة أيضا ومن واقع الخبرة كمحافظ سابق أن يكون مشرف الحوض الزراعى ومدير الجمعية التعاونية الزراعية ورئيس الوحدة المحلية القروية مسئولين عن الازالة الفورية لأى تعد على الأراضى الزراعية مع وقف المقصرين عن العمل واحالتهم للتحقيق واحلالهم بغيرهم.
ومنع دخول بلوكات الطوب الأبيض والتى تستخدم فى البناء السريع ليلا إلى القرى وسحب رخصة السائق والحافلة ومصادرة الحمولة.
هذا بالإضافة إلى ما سبق ذكره بشأن ترفيق الظهير الصحراوى بالمحافظات والقرى وبناء مساكن عليه وتوفيرها للمواطنين بأسعار معتدلة والنظر فى اعادة التخطيط العمرانى للقرى بحيث يتم التوسع فى البناء بها رأسيا وليس افقيا.
< أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة