شجون جامعية

‏الحكومى أم الخاص؟

د. حسام محمود  فهمى
د. حسام محمود فهمى

‏الجامعاتُ الخاصةُ فى تنافسٍ شأنُها شأنُ أى مشروعٍ خاصٍ، ‏فهى تستقطبُ ‏من جامعاتِ الحكومةِ أفضلَ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ ‏الذين يشغلون بكفاءةٍ ما يُسندُ إليهم من مناصبٍ إداريةٍ ومن أعباءٍ تدريسية. كما أنها تُوفرُ بيئةً تعليميةً مناسبةً من مكتباتٍ وقاعاتِ درسٍ ومعاملٍ وطبعًا كافتريات. المأخذُ الأكبر ُعلى التعليمِ الخاصِ هو الرضوخُ للطالبِ على حسابِ العمليةِ التربويةِ والتعليميةِ، ‏لابدَ أن يكونَ مزاجُه عال العال، الزبونُ دائمًا على حقِ. ‏النجاحُ فى أحيانٍ كثيرةٍ يكونُ يسيرًا لأن نسبةَ أعمالِ السنةِ تكونُ فى حدودِ ٥٠٪ أو ٦٠٪ ما يُبقى للاِمتحانِ النهائى ٥٠٪ أو ٤٠٪، بسيطة.
 ‏الجامعاتُ الحكوميةُ لما اِحتاجَت الفلوسَ أنشأت أيضا التعليمَ الخاصَ، بنظامِ نجاحٍ أسهلِ من نظيرِه المجاني. وبدلاً من أن يُحاكى التعليمُ الخاصُ بها نظيرَه المجانى الأقدمَ، ومع كلِ الاسفِ لم تستطِعْ جامعاتُ الحكومةِ تقديرَ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ وحافَظت على تواضعِ رواتبِهم، وهو ما تتجاهلُه الإداراتُ غالبًا بتأثيرِ دخولِهم المُتميِّزة. حتى الإعاراتُ مُتَنفسُ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ لتحسين أحوالِهم، حُرِمَ بعضُهم منها بفعلِ المهام القوميةِ، ومنها ما هو للجامعاتِ والمعاهدِ الخاصةِ؛ هذه المهام تستهلكُ نسبةَ الإعارةِ فى أقسامٍ حكوميةٍ بعينِها. العجيبُ أنها مشكلةٌ اِستعصَت على الحلِ عمدًا. هل الإعارةُ لعمادةٍ فما فوقَها فى جامعةٍ خاصةٍ أو معهدٍ خاصٍ تُعَدُ مهمةً قوميةً؟! تحقيقًا للعدالةِ إذا خَلُصَت النوايا، لماذا لا يُستبعدُ من يخرجون فى هذه الإعاراتِ للجامعاتِ والمعاهدِ الخاصةِ من نسبةِ الإعارةِ بالأقسامِ الحكوميةِ، وهو أضعفُ الإيمانِ؟ هل الجامعاتُ والمعاهدِ الخاصةُ أولى من الجامعاتِ الحكوميةِ بمن يخرجون فى إعاراتٍ مُمتَدةٍ إلى ما شاءَ اللهِ؟! هل أعضاءُ هيئةِ التدريسِ صنفان، العوامُ وأصحابُ المهامِ القوميةِ المفتوحةِ برواتبٍ مُضاعَفةٍ؟!
 أما معاناةُ الأساتذةِ المُتفرغين بجامعاتِ الحكومةِ فتزدادُ لثباتِ ما يتقاضونه شهريًا ‏وكأنَ الأسعارَ لا تزيدُ يوميًا، ولرغبةِ بعض الجامعاتِ فى التعنتِ فى إعاراتِهم. ‏هناك من يتصورون فى الجامعاتِ الحكوميةِ، على كافةِ مستوياتِها، أن الاستاذَ المتفرغَ مجردُ اِستبن أو حائطٍ مائلٍ يتقاضى إحسانًا لا أكثرَ، ‏رغم ما يتحَمَلُه كثيرون منهم من أعباءٍ تدريسيةٍ وبحثيةٍ.
 وعن الإداراتِ فى الجامعاتِ الحكوميةِ ففيها من يعتبرون الكراسى الأعلى تطَوُرًا طبيعيًا للوظيفةِ الجامعيةِ، فتَغلِبُ النرجسيةُ والاِفتعالُ والمنظرةُ المُبالِغةَ على أدائهم. التقديرُ واجبٌ لكلِ جَهدٍ مُخْلِصٍ، لكن الصورةَ تُظهِرُ أعضاءَ هيئةِ التدريسِ فى جانبٍ وإداراتٍ تريدُ أن تبدو من طبقةٍ أعلى فى جانبٍ آخر، التباعُدُ واضحٌ. الاستقرارُ والرضا والاحترامُ من الأساسياتِ فى المؤسساتِ الناجحةِ؛ الإدارةُ كياسة، تَجَرُد، تَواضُع، تَرَفُع، تَنَزُه، فِطنة، اِحتِواء.
 ‏المشكلةُ الأكبرُ فى التعليمِ الحكومى والتعليمِ الخاصِ هو اتجاهُ البعضِ «لتقليدِ بره» بحجةِ التطويرِ، مُتغافلين أن التعليمَ نظامٌ اجتماعيٌ لا يمكنُ فيه فَصلُ التعليمِ الجامعى عن التعليمِ الثانوى وما قبلِه، ولا يمكنُ تجاهلُ أعرافِ المجتمعِ ومفاهيمِه. مع الأسفِ تطغى فى أحيانٍ كثيرةٍ الطموحاتُ الشخصيةُ ‏وتَرفعُ شعاراتٍ لا تتلاءمُ مع نُظُمِنا الاجتماعيةِ والتعليميةِ؛ ‏تطويرُ التعليمِ لا يكونُ «زى بره» ولا بالتربيطاتِ. اللهم اِحمْ التعليمَ الهندسى من المتشعبطين فى «زى بره».
‏< أستاذ هندسة الحاسبات - جامعة عين شمس