حكايات| محمد بك أبوالدهب وعلي بك الكبير.. مملوك أبهر قائده بذكائه ثم خانه

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

13 إبريل 1772، هرع علي بك الكبير بحصانه خارج المحروسة، متجها إلى الشام، في محاولة للنجاة بعد تاريخ كبير ظن أنه سيكتبه، بمساعدة حليفه ويده اليمنى محمد بك أبوالدهب الذي ورطه لما آلت إليه الأوضاع، ثم خانه.

 

على بك الكبير، هو مملوكي حكم القاهرة كشيخ البلد أيام العثمانيين، وأحد أشهر المماليك الذين حاولوا الاستقلال بمصر عن الدولة العثمانية، لكن تعرضه للخيانة على يد محمد أبو الدهب، أنهى مشروعه الاستقلالي وأودى به إلى النهاية.

 

حلم الاستقلال
مستقبل لامع كان في انتظار علي بك الكبير، إذ كان لديه مخططا للاستقلال بمصر عن العثمانيين، وبحسب ما ذكر في كتاب  «تاريخ مصر الجزء الرابع - المجلد الثاني ص 1142- 1143» للمؤرخ ساويرس بن المقفع، أن حملات على بك الكبير، التوسعية، جعلته يرسل حملة بقيادة مملوكه المفضل محمد أبو الدهب إلى الحجاز، وشجعه انتصاره في الحجاز على إرسال حملة إلى بلاد الشام، إذ كان وعد بنجدة حليفه الشيخ ظاهر العمر.

 


برز المملوك على بك الكبير في فترة 1769، وكان حليفه المفضّل محمد بك أبو الدهب؛ والذي سمي أبو الذهب لأنه كان يوزع الذهب على الناس في رحلة الحج بكرم زائد، في تلك الفترة كان علي بك الكبير قد اعتلى عرش مصر تحت مسمي والي، مستغلا فترة الحرب بين روسيا والعثمانيين؛ ولم تكن نتائجها في صالح العثمانيين الذين تكبدوا بخسائر فادحة؛ فاستصدر أمرًا من الديوان بعزل الوالي العثماني وتولى هو منصب القانمقام بدلًا من الوالي المخلوع في الحادي عشر من ديسمبر لعام 1768.

 

اقرأ للمحرر أيضا الصيد سيرا على مياه «قارون».. «وحش البحيرة» افترس الرزق 

 

بعد ذلك منع قدوم الولاة الأتراك إلى القاهرة؛ فلم ترسل الدولة أحدًا منهم على مدى أربع سنوات؛ كما أوقف إرسال الأموال المقررة سنويًا على مصر إلى الدولة العثمانية ابتداءُ من سنة 1768.


في أثناء ذلك نجح في أن يسيطر على أحوال مصر، في الوجهين البحري والقبلي؛ وأن يقضي على الفتن هناك ويضرب بيد من حديد على الخارجين عليه في الشرقية والقليوبية والبحيرة؛ ثم قضى على نفوذ شيخ العرب همام بن يوسف الهواري زعيم الصعيد.

ذكاء المملوك المفضل

أثار محمد أبو الدهب إعجاب قائد «الكبير» بقدراته التفاوضية الماهرة في الخلاف مع ملك الصعيد شيخ العرب همام، والذي كان متوجا بشكل غير رسمي على عرش الصعيد وقبائل هوارة، علاوة على كونه داهية صعيدي صعب المراس، وكان يلوذ به المماليك الهاربين من القاهرة للإمداد بالمال والسلاح.


تحايل أبو الدهب على شيخ العرب وتواصل مع ابن عمه إسماعيل الهواري وحليفه الأقوى، وأغراه بحكم قبلي تحت ولاية علي بك الكبير، في المقابل عليه أن يتخلى عن همام، وقد حدث بالفعل فخذلت فيالقه شيخ العرب همام، ليهزم وينسحب إلى النوبة ثم يموت.

 

اقرأ للمحرر أيضا | وحيد في الصحراء.. يتعلم مهارات البقاء مع الزواحف والحيوانات النافقة 

 

خارج الحدود
لم يكتف علي بك الكبِير بأن بسط نفوذه وسلطانه على مصر فقط بل تطلع إلى ضم الحجاز لتأمين الحج للمصريين والمغاربة والشوام ممن يساقرون إلى الحج كل عام؛ وتطلع إلى إحياء مصر مع الهند بالاستيلاء على ميناء جدة؛ وجعله مستودعًا لتجار الهندي الشرق الأقصى فبهذه التطلعات يعيد الثروة والغنى التي فقدتها مصر جراء تحول تجارة الشرق إلى طريق الرجاء الصالح.

 

بحسب كتاب «أيام المماليك»، فقد وانتهز علي بك فرصة النزاع الذي دار بين اثنين من أشراف الحجاز حول الحكم؛ فتدخل لصالح أحدهما وأرسل حملة عسكرية يقودها محمد بِكَ أبو الذهب مملوكه المفضّل يونيو عام 1770 ميلادي إلى هناك فنجحت في مهمتها، ونودي بـ «علي بك الكبير» في الحرمين الشريفين سلطان مصر وخاقان البحرين، وذكر اسمه ولقبه على منابر المساجد في الحجاز كلها.

 

كان علي بك الكبير ذكيًا إلى حد ما، ونجح في إرجاع سلطة المماليك إلى العرش مجددًا كأوّل من نجح فعليًا في الاستقلال بمصر وتوسيع الرقعة الجغرافية فيها.

 

وقد شجع نجاح حملة الحجاز علي بك الكبير على أن يتطلع إلى إرسال حملة إلى بلاد الشام منتهزًا سوء أحوالها وتعدد طوائفها واستنجاد صديقه والي عكا ظاهر العمر به الذي نجح في أن يمد نفوذه إلى جنوب سوريا، وكان هو الآخر يسعى إلى الاستقلال عن الدولة العثمانية.

 

وبالتوازي مع الحملات كان يعقد علي بك الكبير صفقة مع الروس ضد الدولة العثمانية، والتي كانت ذريعة بعد ذلك للأمر بقتله.

 

استطاع أبو الدهب أن يبهر قائده بانتصارات هائلة فاستولى على غزة والرملة ولما اقتربت قواته من بيت المقدس خرج في استقباله حاكمها وأعيانها ورحبوا بقدوم الحملة المصرية فدخلها دون قتال يذكر، ثم استسلمت يافا بعد حصار دام شهرين، ثم انضمت قوات الشيخ ظاهر الهمر إلى القوات المصرية ففتحوا صيدا، ولم يبق أمامهما سوى دمشق فواجها الجيش العثماني الذي لم يصمد وتكبد هزيمة نكراء ودخل أبوالدهب دمشق فاتحا يونيو 1771، وباتت تحت لواء علي بك الكبير.

 

كانت قدرات أبوالدهب مبهرة لقائده، الذي آمن بولائه، وفي الوقت الذي كان يحضر فيه علي بك الكبير لاحتفالات ضم سوريا إلى مصر، كان يضمر صاحب اللمعة الزائفة نية أخرى ستظهر لاحقا.

 

في الوقت الذي تزينت فيه القاهرة للفتح الجديد؛ كان محمد أبو الدهب يتوقف عن الزحف ويستعد للرجوع إلى القاهرة رغبة في السيطرة على ملك مصر باعتباره صاحب فضل في التمكين والسيطرة لعلي بك الكبير ونجحت الدولة العثمانية في استمالة أبوالدهب وإغرائه بحكم مصر إذا خرج على سيده وخانه.

 

في هذه الأثناء استصدر السلطان العثماني فتوى من قاضي القضاة والمفتي الأعظم باعتبار علي بك ورجاله وحلفائه وأنصاره بغاة خارجين على الدولة يجب قتلهم أينما وجدوهم، وزاد من تأثير هذه الفتوى اتصال على بك الكبير بدولة مسيحية في حالة حرب مع دولة الخلافة العثمانية.

 

اقرأ للمحرر أيضا | كافور الإخشيدي.. حبشي «مسلوب الرجولة» حكم مصر وهزمته أبيات المتنبي

 

حرب المملوك وقائده

عاد أبو الدهب سريعًا إلى مصر؛ وسحب في طريق عودته جميع الحاميات التي كان قد أقامها في البلاد المفتوحة؛ وبدأ يحارب علي بك الكبير نفسه؛ وتمرّد على قراراته؛ وتأكد علي بك من خيانة ولاء أبي الدهب له بعد رفضه العودة إلى فلسطين.

 

وعجز عن اتخاذ قرار صارم ضد تابعه ومملوكه أبو الدهب الذي خرج عليه؛ ولم يعد هناك مفر من الصدام بين الرجلين وحاربا بعض؛ وبالطبع كانت الغلبة لمن يملك الجيوش كلها وهو قائد الجيوش محمد بك أبو الدهب واضطر علي بك الكبير إلى مغادرة القاهرة، هاربا بعد مجد الاستقلال الذي كان على وشك أن يتحقق.