نائب السفير الصيني يكتب: خمس تساؤلات حول قضية بحر الصين الجنوبي

السفارة الصينية بالقاهرة - صورة ارشيفية
السفارة الصينية بالقاهرة - صورة ارشيفية

في الآونة الأخيرة، قامت الولايات المتحدة بالتشهير بالصين والهجوم عليها بشأن قضية بحر الصين الجنوبي، حيث زعمت أن المطالب الإقليمية الصينية في بحر الصين الجنوبي غير قانونية، وأرسلت مرارًا طائراتها وسفنها الحربية إلى بحر الصين الجنوبي لاستعراض العضلات.

 هنا أود أن أغتنم هذه الفرصة لأكشف للأصدقاء المصريين عن حقائق قضية بحر الصين الجنوبي من خلال الإجابة على خمس تساؤلات.
1.    هل جزر بحر الصين الجنوبي من أراضي الصين الإقليمية؟
إن سيادة الصين على جزر بحر الصين الجنوبي وحقوقها البحرية في بحر الصين الجنوبي، تتمتع بأسس تاريخية وقانونية مستفيضة، وقد تم إثباتها على مدار التاريخ الطويل.. يرجع تاريخ وجود الشعب الصيني في بحر الصين الجنوبي إلى أكثر من 2000 سنة، خلال عهد أسرة هان الملكية الصينية "في القرن الثاني قبل الميلاد"، بدأ الشعب الصيني القيام بالإبحار في بحر الصين الجنوبي، واكتشف جزر بحر الصين الجنوبي خلال فترة طويلة من أنشطة الإبحار، ودوّنت كثير من المؤلفات التاريخية الصينية القديمة أحوال وجود الشعب الصيني في بحر الصين الجنوبي من ناحية، والمواقع الجغرافية والملامح الطبوغرافية لجزر بحر الصين الجنوبي والخصائص الهيدرولوجية والجوية لبحر الصين الجنوبي من ناحية أخرى.. كما سجل عديد من الوثائق الأجنبية القديمة حقيقة أن الصينيين فقط هم الذين عاشوا وعملوا في جزر بحر الصين الجنوبي لفترة طويلة، فلا شك أن الشعب الصيني هو أول من اكتشف جزر بحر الصين الجنوبي وأطلق الأسماء عليها واستغلّها، وبدأت الصين ممارسة السيادة عليها وإدارتها قبل غيرها، الأمر الذي أثبت سيادة الصين على جزر بحر الصين الجنوبي وحقوقها البحرية في بحر الصين الجنوبي.
2.    من أين أتت قضية بحر الصين الجنوبي ؟
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أعادت اليابان أراضي الصين الإقليمية التي كانت قد استولت عليها بشكل غير مشروع خلال حربها العدوانية على الصين، بما فيها بعض الأجزاء من جزر بحر الصين الجنوبي، وذلك وفقاً لما نص عليه "إعلان القاهرة" و"إعلان بوتسدام".. وأعادت الصين ممارسة السيادة عليها.. بعد ذلك لفترة طويلة من الزمن، ظلت حقيقة أن جزر بحر الصين الجنوبي جزء من أراضي الصين الإقليمية معترفا بها من المجتمع الدولي، كما يشار في الموسوعات والحوليات والخرائط الصادرة عن كثير من دول العالم إلى أن جزر بحر الصين الجنوبي تعود للصين.
منذ سبعينات القرن العشرين، استولت بعض دول جنوب شرق آسيا بالقوة على بعض الجزر في بحر الصين الجنوبي بشكل غير قانوني. وبعد ذلك، مع إنشاء "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" ودخولها حيز النفاذ، ظهرت الخلافات بين الصين وهذه الدول بشأن المنطقة الاقتصادية الخاصة والرصيف القاري وغيرهما من الحقوق البحرية في بحر الصين الجنوبي.. وفي هذا السياق، قامت بعض الدول عمدا بالخلط بين السيادة والحقوق البحرية كنوعين مختلفين من القضايا، في محاولة لإنكار سيادة الصين على جزر بحر الصين الجنوبي وتصعيد الخلافات، ومن هنا أتت قضية بحر الصين الجنوبي.
3.    ما موقف الصين من قضية بحر الصين الجنوبي؟
تلتزم الصين دائما بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وفي هذا الإطار، يتمثل موقف الصين من قضية بحر الصين الجنوبي في التمسك بـ"6 مبادئ" تتمثل في التمسك بالحفاظ على سيادة الصين وحقوقها البحرية في بحر الصين الجنوبي، والتمسك بحفظ السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، والتمسك بحل النزاعات سلمياً عبر التفاوض والتشاور، والتمسك بإدارة الخلافات من خلال القواعد والآليات المتفق عليها، والتمسك بحماية حرية الملاحة والعبور الجوي في بحر الصين الجنوبي، والتمسك بتحقيق المكاسب المشتركة عبر التعاون المبني على المنفعة المتبادلة.
وفقًا لـ"إعلان سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي" الذي توصلت إليه الصين ودول آسيان - رابطة دول جنوب شرق آسيا- في عام 2002، تتعهد جميع الأطراف بتعزيز الثقة والتعاون المتبادلين من أجل الحفاظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، وفي الوقت الحالي، تعمل الصين ودول آسيان على تنفيذ "الإعلان" بشكل كامل وفعال، وكذلك تكثيف جهود التفاوض بشأن "قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي" التي ستكون أكثر إلزاما من "إعلان سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي"، سعيا إلى حماية استدامة السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي.
4.    هل تؤثر سيادة الصين على جزر بحر الصين الجنوبي على حرية الملاحة والعبور الجوي في بحر الصين الجنوبي كما يدعى البعض؟
يمثّل بحر الصين الجنوبي شرياناً حيوياً بحرياً للصين، فإن الصين تكون أكثر حرصاً على سلامة وسلاسة الملاحة فيه من أي دولة أخرى.. وعلى الرغم من الخلافات بين الصين والدول المعنية بشأن الحقوق البحرية في بحر الصين الجنوبي، إلا أنها لم تؤثر أبدًا على حرية الملاحة والعبور الجوي التي تتمتع بها دول العالم وفقًا للقانون الدولي في بحر الصين الجنوبي.. يعد بحر الصين الجنوبي حاليًا من الممرات البحرية الأكثر أمانًا وانفتاحاً في العالم، حيث تمر به نصف السفن التجارية وثلث حركة التجارة البحرية في العالم، مما أثبت أنه لا توجد أي مشكلة معنية بحرية الملاحة والعبور الجوي في بحر الصين الجنوبي.
5.    كيف تنظر الصين إلى أقوال وأفعال بعض الدول من خارج المنطقة مثل الولايات المتحدة بشأن قضية بحر الصين الجنوبي؟
رغم أن الولايات المتحدة ليست طرفًا في قضية بحر الصين الجنوبي ولا طرفًا في "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، إلا أنها أدلت بتصريحات تقوّض جهود دول المنطقة في الحفاظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي من ناحية، وأرسلت طائراتها وسفنها الحربية إلى بحر الصين الجنوبي لعرض العضلات وعسكرة بحر الصين الجنوبي من ناحية أخرى؛ فيمكن القول إن من يصنع التوتر في بحر الصين الجنوبي ليست الصين بل الولايات المتحدة، والغرض الأساسي منها هو تخريب العلاقات بين الصين ودول آسيان وخدمة أجندتها الجيوستراتيجية الخاصة باستغلال قضية بحر الصين الجنوبي؛ فإن هذه التصرفات الأمريكية الساعية إلى تحقيق مصالح خاصة من خلال تعكير مياه بحر الصين الجنوبي، لا تخدم السلام والاستقرار الإقليميين، كما تتعارض مع مصالح جميع الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي.
لن تنسى الصين أبدًا الدعم الثابت والعلني من الدول العربية لموقف الصين تجاه قضية بحر الصين الجنوبي، إذ أكّد "إعلان الدوحة" الصادر عن الدورة السابعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي المنعقدة في عام 2016، على أن "الدول العربية تدعم مساعي الصين والدول المعنية لإيجاد حل سلمي للنزاعات على الأراضي والمياه الإقليمية عبر المشاورات والمفاوضات الودية، وفق الاتفاقيات الثنائية والتوافق الإقليمي المعني، وتؤكد على ضرورة احترام الحق الذي تتمتع به الدول ذات السيادة والدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في اختيار سبل تسوية النزاعات بإرادتها المستقلة". كما أكد مجدّداً كل من "إعلان بكين" و"إعلان عمان" اللذين تم اعتمادهما في الدورتين الثامنة والتاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي على هذا الدعم لموقف الصين.
لم ولن تسعى الصين إلى إقامة "إمبراطورية بحرية" في بحر الصين الجنوبي، وتحرص على بذل جهود مشتركة مع الدول المطلة على بحر الصيني الجنوبي سويًا لتسوية الخلافات عبر الحوار والتفاوض والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين، بما يجعل بحر الصين الجنوبي بحرا يعمه السلام والصداقة والتعاون.