إن ما تتعرض له حلب ومن فيها من أطفال وشباب وشيوخ ونساء يؤكد علي مدي بربرية وهمجية المعتدي الغاشم الذي بلغ في الطغيان المدي ولم يجد ضميرا يؤنبه ولا رادعا من البشر يوقفه لذا أري من يسكت علي الظالم ممن يستطيعون إسكاته فهم أظلم منه، ومن لم يناد بمنع سفك هذه الدماء البريئة فهو شيطان أخرس، وقد علمنا ديننا العزة والكرامة فلا عزة لنا إذا ابتعدنا عن أوامر ربنا في الأخذ علي يد الظالم حتي يعود عن ظلمه، ولا كرامة لنا إن سكتنا عن ذبح الأطفال وضربهم بالقذائف في الطرقات والشوارع. لذا لا أعلم سببا واحدا يجعل بلاد العرب والمسلمين كأن علي رءوس أصحابها الطير فلا يتحركون، ولا ببنة شفة ينطقون وكأني أمام مشهد لإبراهيم عليه السلام وهو يخاطب الأصنام تبكيتا لعابديها، واستخفافا بعقول عاشقيها قائلا لها أمام الجميع: ( ما لكم لا تنطقون ) فهل اتخذ أصحاب العزة والكرامة، والألسنة الفصيحة الذين صدعوا رءوسنا كل يوم بحقوق الإنسان هل اتخذوا : الأصنام قدوة لهم فلا ينطقون، ويتركون الظالم يعبث بظلمه أمام العالم كله، ولا له يحذرون؟ هل من اللائق أن نري أمتنا حينما يصاب كلب في حديقة حيوان بأوربا بعثرة في قدمه أو أذنه الطويلة تفرد له في صحف العالم الإسلامي صفحات، وفي برامجنا متسع من الأوقات يلطم فيها مثقفونا الخدود، ويشقون الجيوب ويدعون بدعوي الجاهلية بسبب إصابة هذا الحيوان الكلب الأوربي البرئ، وترسل برقيات هوائية إلي جمعيات حقوق الحيوان في العالم لتنقذ وتداوي هذا البرئ، ولا نري برنامجا واحدا الآن يتحدث عن مذابح الأطفال في سوريا ؟ بل لم نر أو نسمع مثقفا واحدا أو خبيرا سياسيا أو عالما اجتماعيا يكتب ولو مقالا موجها للهيئات العالمية، وجمعيات حقوق الإنسان الدولية يعاتب هؤلاء علي السكوت اللامبرر في هذا الشأن؟ بل غاب تماما دور جامعة الدول العربية، ومنظمات العالم الإسلامي، ومن يتشدقون بالحرية في العالم عن الظهور علي الساحة، اللهم إلا مؤسسة الأزهر الشريف العلمية فهي وحدها منذ الأمس، ومنذ قتل أكثر من مائتي طفل ورجل وامرأة هي التي أخرجت بيانها القوي في المطالبة بمنع هذا العبث بالأرواح مؤكدة علي (أن جميع الأديان والمذاهب والأعراف والأخلاق لا تقبل بهذه الاعتداءات ولابد من إيقافها فورا ومحاسبة فاعليها) غير أنه لا حياة لمن تنادي، ولا حمية ظهرت لمن بيدهم الاستطاعة في تنفيذ ذلك علي المستوي العالمي، والإسلامي والعربي، وصار كل يغني علي ليلاه !... الأمر الذي ذكرني بالمعتصم حينما نادته امرأة في قرية عمورية بالشام لما تعدي عليها شواذ من الروم لا ليقتلوها ويذبحوها إنما ليكشفوا شيئا قليلا من جسدها، وسجنوها، فنادت : (وامعتصماه) وهو يبعد عنها آلاف الكيلو مترات ولم يوجد فضائيات تنقل صوتها الضعيف للمعتصم، ومع ذلك لما علم بنادئها المعتصم استُيقظت فيه النخوة العربية، والعزة الإسلامية فأرسل علي الفور خطابا لملك الروم قائلا فيه: (من المعتصم أمير المؤمنين إلي كلب الروم أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش أوله عندي ونهايته عندك) وكان ما كان، وارتدع هذا الظالم العموري الرومي وانُقذت المرأة، فأين معتصم العصر الحديث أيا كان دينه أو وطنه أو مذهبه لينقذ الضعفاء في الشام من أيادي الطغاة وقساة القلوب، فحلب ومعها بلاد الشام كلها : تنادي وامعتصماه. فهل من مجيب ؟ !. أتمني..