عادةً ما يحوز الشأن الداخلى لأى بلدٍ على اهتمام أهل هذا البلد أنفسهم.. ربما لأنه داخلى، وربما لأن البعض يتحفظ على الإدلاء بدلوه فى بئر الآخرين.
وقد يكون هذا صحيحاً إذا كان البلد بلداً من البلدان.. ولكن رؤية المملكة 2030، منذ أن باركها وأقرَّها خادم الحرمين الشريفين الملك المحبوب سلمان بن عبد العزيز.. عبر خطابه فى مجلس الوزراء للأمة مؤكداً على أنها رؤية ملك ومستقبل شعب وأملُ أمة..
والأمة كلها عربية ودولية.. وفى أعقاب اللقاء التليفزيونى مع سمو الأمير محمد بن سلمان ولى ولى العهد - رئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، والذى تصب فيه كل التقارير الإقتصادية والإجتماعية ـ فى أعقابه مباشرةً تحول الموضوع لما كان يحتويه من خير وبُشريات وآمال، إلى شأن عربى بامتياز، فالمملكة العربية السعودية قبلة المسلمين وبلاد الحرمين الشريفين، ليس فقط لهذا - ولكن لأن الرؤية أرادت بعون الله أن تكون المملكة بحق وصدق وبتخطيط مقصود وبذراعٍ ممدود بلداً للناس أجمعين.. تحقيقاً لمشيئة الله التى جاءت دعاءً على لسان خليله أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام : ( رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) إبراهيم - الآية 37.
ولهذا جاء هذا التفاعل العربى والإسلامى مع رؤية السعودية 2030 متماشياً مع كون المملكة هى العمق العربى والإسلامى للأمة كلها. وكم كان رائعاً الأمير محمد بن سلمان حين أشار إلى أن مرتكزات رؤيتنا تعتمد على مواقع قوتنا.
وفى الحقيقة فالرؤية فى مجملها رؤية جليلة أسأل الله أن تتحقق كيما تنقُلُنا إلى المكانة التى نحلم بها. والتى نحن إن شاء الله نستحقها أرضاً وبشراً، ونالت بحمد الله إعجاب الناس وأنا واحدٌ منهم. وقد جاء هذا واضحاً عبر وسائل التواصل الاجتماعى، الذى صار اليوم المقياس الأسرع والأشمل للرأى دون حاجة إلى الإستقطابات والاستفتاءات. ولا أدلَّ على ذلك من نجاح هاشتاق * «التحول الوطنى 2030» فى تصدر قائمة الهاشتاقات الأكثر تداولاً عالمياً ليومين على التوالى. بعدما أعلن الأمير محمد بن سلمان يحفظه الله : « أن الرؤية خارطة طريق لتحقيق أهداف المملكة فى التنمية الاقتصادية خلال الخمس عشرة سنة القادمة.. وهى رؤية ترمى إلى تجهيز المملكة لمرحلة ما بعد النفط».
هذه الرؤية التى غرد لها العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى قائلاً : « وجدت فيها رؤية مستنيرة وشجاعة سيكون لها أكبر الأثر فى تطوير وتنمية المملكة العربية السعودية.»
ولعل أهمها - رغم أهمية كل ما ورد فيها - ما جاء حول الشفافية والحوكمة. وحين تتحقق الشفافية والحوكمة فى مسألة أرامكو وتصبح هى وكل أملاك الدولة فى صندوق الاستثمارات العامة وفى شكل شركات لها مجالس إدارات وتصويت ومتابعات.. نكون بحول الله قد قضينا على ما يحدث من هدرٍ للمواد والموارد قد تذهب إلى من لا يستحقها ولا تصل للمستحقين. وعندها ستدخل أراضى الدولة صندوق الاستثمارات العامة، بحيث لا تعود عرضةً للنهب بوضع اليد أو بخلافه فقد اصبحت أملاكا لها صاحب، وهذا أمر فى غاية الشفافية والعدل والإنصاف.
ومن المبشر جداً أن الأمير محمد بن سلمان، قد أعلن نفسَهُ حرباً لا هوادة فيها مع الفساد، مؤكداً أنه مع الشريحة الأكبر من محدودى الدخل..وحين سُئِل يرعاه الله عن الفئة الأخرى وهى الأعلى.. قال : إذا لم يقبلوا فسيصطدمون بالشارع. وهى عبارة مدروسة قيلت بثقةٍ بالغة وأرسلت إشارات واضحة لكلتا الفئتين. ولقد أجاد معالى وزير خارجية البحرين حين غرّد قائلاً : « إن الرؤية وضعت نقاط اليوم على حروف المستقبل.»
الشفافية والحوكمة، هى بلا شك الأسلحة المضادة للفساد والمصل الواقى منه بعون الله.. وحينما يستشرى الفساد وتبدأ الرغبة الصادقة فى محاربته لاجتثاثه، فالأمر بلا شك يحتاج إلى تفعيل ورشٍ صريحة لعصف ذهنى يؤسس لمبادئ الشفافية والحوكمة بشكل مباشر وفعّال.. ويحتاج أيضاًإلى تسمية الأشياء بأسمائها دون وجل أو تردد. فمن غير المعقول أن يكون لدينا فى الحكومة موظف راتبه فى حدود الخمسة آلاف ريال، وهو فى موقع تمرُّ من خلاله الملايين دون أن يسيل له لعاب أو تراوده نفسه، ومن النفوسِ نفسٌ أمارةٌ..
إذاً ومن حسن الشفافية وتمام الحوكمة أن نجد أسلوباً تدار به مثل هذه الوظيفة عبر التحوّل إلى نظام الشركات والحوافز المشجعة والمقنعة.. وقايةً وحمايةً للاقتصاد ولكل عامل به.. بحيث يُصبح كل شئ يتعلق بالاقتصاد والخدمات، يعامل كشركات وليس برواتب مقطوعة، نعلم جميعاً أنها لا تكفى متطلباته ولاتفى بحاجاته.. خاصةً من فئة الشباب. وربما تكون هذه النقطة قد لامستها تغريدةٌ لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين أكد : « إنها رؤية أشعرته بالفرح والتفاؤل. والفرح، فرحٌ بمستقبل جديد لمنطقتنا، وتفاؤل بتجديد حضارى لأمتنا، نحو الاستغلال الأمثل لطاقاتها ومواردها وشبابها.»
نعم لقد كانت الرؤية مليئة بالاستغلال الأمثل لطاقاتنا ومواردنا وشبابنا، وهذا مرتكز قوتنا..
قال الأمير باندهاش : « هل يُعقل ونحن فى بلاد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين وعندنا المدينة المنورة وليس لدينا متحف إسلامى !! « وهنا وكأنه وفقه الله يشير إلى السياحة بشكل مباشر.. السياحة التى تدخل فى نطاق العبادة التى وردت فى كتاب الله الكريم فى سورة التحريم آيه 5 : (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) وقيل أيضا، (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ) سورة التوبة الآية 112،.. وأصل السائح : الذاهب فى الأرض للتفكر فى خلق الله.
ونحمد الله أن السياحة الدينية والعلمية ليست بها شهوات ولا هم يحزنون، بل تذكّر وتفكّر وأجر وثواب وعلم ومعرفة.. وليس فيها تمجيد لأشخاص أو مغالاة فى تخليدهم..
ولقد تحدث الأمير محمد بن سلمان عن أننا لم نكتب تاريخنا جيداً، وتاريخ هذه الأرض، لايبدأ فقط - مع عظم القدر والمنزلة - من نحو ألف وأربعمائة عام - بل نحن فى الجزيرة العربية موطن العروبة ومهدُ التاريخ منذ آلاف السنين.. نعم، ولنقل منذ أول بيتٍ وُضِع للناس للذى ببكة مباركاً.. ونحن والحمد لله نؤمن بكل آيةٍ بل بكل كلمة وحرف ورد فى كتاب الله الكريم.. إذاً فبلدنا هو مهد الحضارة الإنسانية. وبلادنا تزخر على مدى مساحتها الشاسعة بمئات المواطن والمواقع التى تجعلنا فى مقدمة دول العالم سياحياً. ويعلم الله كم ستوفر هذه السياحة من فرص عمل وكم ستدر من مداخيل، تؤكد رؤية السعودية 2030.