خارج النص

من قلبى سلام .. لبيروت

أسامة السعيد
أسامة السعيد

قبل نحو ١٦ عاما كان لقاؤنا الأول، انتظرت ذلك اللقاء بشوق العاشق الذى ذاب عشقا قبل أن يرى وجه تلك البهية، اسمها يرن فى أذنى يحمله صوت فيروز وماجدة الرومي، وشوارعها ومبانيها، أكاد أعرفها كما أعرف وسط القاهرة، مئات القصائد والقصص تكفلت بتعريفى على تلك الفاتنة، التى سقط فى غرامها الشعراء والأدباء.
إنها بيروت.. مرفأ الذكريات الجميلة، قبل أن ينفجر مرفؤها، مدينة الثقافة والرومانسية قبل أن تنهش ملامحها الحروب والصراعات ومظاهر الفوضى.
كانت بيروت المدينة الأولى التى أسافر إليها فى حياتى خارج مصر، لذا فإن لها فى قلبى مكانة الحب الأول، بكل ما يحمله من لذة وبراءة واندفاع.. لى فيها الكثير من الأصدقاء والذكريات الحلوة، التى لم تستطع كل الأحداث الصاخبة أن تمحوها أو أن تنال من روح «ست الدنيا».
أعرف أن بيروت الجميلة ليست بذلك الضعف الذى يتصوره البعض فى النساء الجميلات، فبيروت امرأة فاتنة، لكنها صلبة، شرسة، تعرف كيف تخرج من المحن، لكنها - للأسف- لا تعرف حتى الآن كيف تتجنب السقوط فى الفتن!!
أخطر ما فى بيروت هو تشتتها.. طائفيتها.. صراعات قادتها، لذلك لم يكن الانفجار الهائل الذى شهدته يوم «الثلاثاء الأسود» ٤ أغسطس، مجرد حادث عابر فى تاريخها الملىء بالأحداث السود، لكنه انفجار لبرميل بارود بقى مشتعلا تحت الرماد لعقود، والكل يعلم أنه سينفجر لا محالة، هذه المرة أخشى على بيروت من اللاعودة، فقد فقدنا من المدن العربية ما يكفي، ولا نريد مأساة جديدة تغتال بيروت المعنى قبل المبنى.. والبشر قبل الحجر.
يرن فى داخلى صوت فيروز، وهى تردد كلمات جوزيف حرب، وكأنها تنعى ما تشهده بيروت اليوم، بكلمات تبكى حروفها:
لبيروت / من قلبى سلامٌ لبيروت/ وقُبلٌ للبحر والبيوت/ لصخرةٍ كأنها وجه بحارٍ قديمِ
هى من روحِ الشعب خمرٌ/ هى من عرقِهِ خبزٌ وياسمين/ فكيف صار طعمها طعم نارٍ ودخانِ/ لبيروت/ مجدٌ من رمادٍ لبيروت/ من دمٍ لولدٍ حُملَ فوق يدها/ أطفأت مدينتى قنديلها/ أغلقت بابها/ أصبحت فى المساء وحدها.
لكن بيروت -بمشيئة الله- لن ينطفئ قنديلها.. ولن تكون وحدها.